من دفتر كورونا “رئة تتنفس”

إن جائحة كورونا -COVID 19- حملت بعض المظاهر الخاصة والتي ربما لم تمر بها البشرية سابقاً، نحاول في هذا المقال التعاطي مع بعض الظواهر كان التحول في بعضها من السلب إلى الإيجاب ملحوظاً لدرجة الإثارة، أعتقد أن تناول هذه الظواهر بنوع من الإيضاح فرصة لتنال من المتخصصين ما تستحقه من الدراسة والتحليل.

مناقشة التحول في بعض المظاهر الخاصة في حياة مريض كورونا

الإحساس بالتعب

أحس العالم اللاهث والذي تسارع إيقاع حياته إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية أنه فعلاً متعب كأفراد وجماعات وأنه بحاجة ماسة للتوقف لالتقاط الأنفاس ولضخ أكسجين نقي ومتجدد داخل رئة هذا العالم التي أرهقها تنفس هواء مليء بالعوادم الشخصية والاجتماعية، وصارت في وقت محدد رئة العالم بحاجة إلى ضخ هذا الهواء النقي بضغط يقاوم كل الفيروسات الصحية والنفسية، الشخصية والمجتمعية، كما كانت تضخ تلك المضخة بضغط قارب النفخ في ذاك المستشفى الأكسجين في رئتي المتعبة التي سكنها ذلك الزائر المفاجئ.

الحاجة للأسرة

إن فترة التوقف والحظر التي فرضت على جميع ساكني هذا الكوكب العتيق ملأت نفوس البشر جميعاً بحاجتهم إلى اللجوء إلى كيان جمعي يحتمون به وتسرب الفرد داخل الجميع، وظهرت الحاجة الطبيعية إلى اللجوء إلى الكيان الطبيعي والجامع الأول للأفراد (الأسرة)، وفرض هذا اللجوء والعودة الاضطرارية على الأفراد التواصل المباشر مع مكونات الأسرة، ومع الوقت زادت مساحة التواصل المباشر مع الأسرة على مساحة التواصل الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

بزوغ وأفول الأنا

رغم بروز الأنا بشكل واضح ببداية الأزمة كما ظهر في تحصيل وتخزين المواد الغذائية وبلغ ذروته ببعض الأماكن في التعامل الجاف والعدواني أحياناً مع الاطقم الطبية التي عملت بالصفوف الأولى للدفاع عن البشرية إلا أنه مع الوقت بدأ هذا الشعور الأناني بالأفول والتضاؤل وصار الترابط والتعاون هو الوضع السائد، كما نالت الأطقم الطبية ما تستحقه من تقدير لما تبذله من جهد وما تقدمه من تضحيات.

الهدوء النفسي

رغم فداحة الجائحة وتأثيراتها على جميع المستويات وتعدد صور الخسائر على مستوى الأفراد والمجتمعات بعضها كان شديد التأثير كفقد عزيز أو وظيفة أو دخل مادي مستقر، إلا أن رباطة الجأش والثبات الذي واجهت به اغلب المجتمعات الإنسانية هذه الخسائر والهدوء النفسي والنضج العقلي عند التعامل مع الجوانب السلبية للجائحة كان ملحوظاً ومميزاً وغير متوقع بالتأكيد.

نمو الالتزام الذاتي

ولأن الحياة هي أغلى ما يملكه الإنسان، ومع تعدد الدروس المؤلمة لفريق حاول تجاهل الجائحة ببداية الأزمة، وتعامل معها بسطحية وبمستوى من الالتزام أقل من المطلوب، ولصعوبة هذه الدروس نمت مع الوقت درجات الالتزام على مستوى الأفراد والمجتمعات بالاشتراطات الصحية حتى صارت أسلوب للحياة، لا يجد المجتمع حرجاً من الالتزام به، بل والاستعداد لفترة أطول من الالتزام مع بروز التحورات الحديثة في هذا الزائر العجيب.

وبالتأكيد ما زال هناك المزيد من المظاهر الخاصة، والتي ميزت تعامل البشرية مع فيروس كورونا خلال الفترة الماضية، سنحاول التعاطي معها بمقالات لاحقة إن شاء الله فإلى لقاء قريب.

بقلم: م. وليد منصور بركات/ مهندس استشاري مهتم برصد الظواهر المجتمعية

 

أضف تعليقك هنا