العاصفة #قصة

عاصفة هوجاء تضرب المنطقة على حين غرة, وفجأة تلبدت السماء بسحب داكنة  وانهمرت مياهها دفّاقة لم يحدث هذا منذ أن عرفت الشتاء على مرّ سنوات عمري بحيث التوت الأشجار على بعضها كأنها صنعت من أسلاك , غمرت المياه السدود والسواقي ولم يعد للطرقات اثر من اثر مياه المطر. توقفت الحياة في قريتنا مدة هذا الطقس ولم يعد لها قيمة وكل على مختلف أعمارنا انحصر تفكيره فقط كيف النجاة وما السبيل للخروج من هذا النفق الطبيعي الذي حلّ بقريتنا.

انتهاء العاصفة وبداية المأساة

بعد هذا العسر الذي حلّ بنا أعطت رحمة السماء فسحة لنتنفس طمأنينة ونعود لطبيعتنا الأولى قبل العاصفة لأنّ تفكيرنا وقتها يشبه تدفق المياه عبر أنبوب صغير رغبة في الخروج ولكن لا طاقة لخروجه دفعة واحدة فينحصر في أنانية الإنسان “أنا ومن بعدي الطوفان”.

خرجنا من جحورنا نتفقد الحياة من حولنا لنثبت للحياة أنّنا مازلنا أحياء .. وجدنا كثير من أثار الكارثة مرسومة على الطرقات وعلى جدران البيوت الهشّة  وكثير ممّا يسمى البنية التحتية نظرا للغشّ  والتدليس وسوء التخطيط في إنشائها أوّل مرة ,تذكرت حكمة تقول : (إن عرف السبب بطل العجب)…  إنّ الوطن أمانة في أعناقنا حكّام  ومحكومين. فلماذا كل هذا الحقد على الوطن من لدن طغمة لا تعرف إلّا مصالحها… .

لم تمر سويعات  حتى بدأت صفارة الإنذار تتعالى من كل حدث وصوب من سيارة الإسعاف ومرة من الحماية المدنية وممّا زاد الجوّ ضجيجا وصخبا  وجلبة أبواق السيارات على مختلف أنواعها حاملة شيوخا واطفالا  ونساء  ممن تضرّروا  بحوادث هذه الكارثة متجهين بهم نحو العيادة الطبية الوحيدة بالمحلة .وحبّ الاستطلاع دفعنا لنكتشف الأمر فوجدناه أمرا جلل ومن أثر المصيبة راينا رجالا ونساء في مقتبل العمر دموعهم تنهمر شلّالا من أثر ما خلّفه الإعصار.

الفواجع التي خلفها الإعصار

هذا يبكي امّه وذاك أباه والأخر أبنائه وأخرون عن ما فقدوه  من غنيماتهم وعنزاتهم وبعض المحاصيل التي كانت مصدر رزقهم و قوت يومهم…”فعلا لمّا تخرج من العاصفة لم تعد الشخص الذي كان قبلها”، دمار كبير  ومشاهد مروعة…عدنا سريعا عبر مسالك وعرة لنتفقد بعض اقربائنا الذين كانوا بالوادي ساكنين فلم نعثر على اثر لبيوتهم ولا لما كان يملكون من حطام الدنيا البائس .نطرت حولي لأصرخ ولكن لمن الصراخ والمكان مقفر خال على عروشه, أبكي ولكن ما فائدة الدموع لمّا يغيب عنك القريب و الرفيق ,أنادي ولكن على من أنادي الحيّ منهم أم الميت أم المفقود.

كلها أحاسيس  قد داهمتني واستعمرتني و ألمت بي وأنا على ضفاف الوادي المهجور من ساكنيه…جثوت على ركبتيا لأنّي لم أقاوم المصاب الجلل من أثر ما شهادته وعاينته بالوادي…رجعت أدراجي وقد بدأ الليل يسربل بطيلسانه المنطقة وكانت وجهتي العيادة الطبية لعلي ألتقي بأحد أقاربي أومن يعطيني خبر … وجدت القوم لم يبارحوا بعد المكان وكل يمد في يد العون للجميع هذا بالغطاء وأخر بالأكل وأخر بمواد صيدلانية تقدم  للمرضين والأطباء لإسعاف الجرحى  والمرضى…في خضم هذه الأهوال يقولون” أنّ من عايش العاصفة لا يفكر في الهدوء” لذلك نجد الكل في صراخ  كل يريد أن يترك بصمته ليقدم مساعدة …تضامن منقطع النظير بين الأهالي .قد وجدت العاصفة مدرسة التضامن في الوقت الذي كل واحد يحتاج ليتضامن معه والسيول لا تجرف إلّا الأغصان اليابسة…

كثرة الإصابات ودوي سيارات الإسعاف في كل مكان

أبحث عن أبي بين الجموع فلن أعثر له على طيف وسألت ممن له معرفة به وقد أخبرني أحدهم أنّه راه داخل العيادة. هنا تبدد شكي باليقين وقلت فعلا إنّ أقاربي لم يبق أحدهم على قيد الحياة…وفي هذه اللحظات كانت سيارات الإسعاف للبلديات المجاورة تدخل فارغة لتخرج محمّلة بالجرحى نحو الوجهة المعين لها وكنّا عمدا تعرقل لها حركة السير لنتعرف ولو من الزجاج على المريض .قليل منّا من عرف أحد أقاربه نظرا للزحام وتغطية الجرحى بالضمادات أو بطانيات حماية لهم لنزلة برد أو لتضميد جراحهم…

كانت الساعة تشير إلى العاشرة مساء , وما أدراك ما العاشرة ليلا زمن الشتاء .لم يبارح سكان القرية المكان وهم في انتظار كل جديد عن أهلهم, إنّ انتظارنا للجديد قد أبطل مفعول البرد وقساوة الطبيعة وانسان أنفسنا متعلقين بأمال خيوطه وهنة أمام هذه الكارثة… “في لحظات الحزن يتحكم بنا الطقس السيء وننسى قساوته”…

قد بدا مراسلو القنوات يتوافدون على المنطقة لتغطية الحدث منها المكتوبة والمرئية والمسموعة وقد انتشروا بيننا كل يريد الحصول على المعلومات ليكون له السبق الصحفي …والقليل من له الحظ ممن دخل إلى العيادة ليلتقط صورة أو يحصل على استجواب مريض أو طبيب…كل ذلك كان يجري بقريتنا .فأصبحت من قرية “نكرة” في جغرافيا بلادي إلى مكان معروف وطنيا إن لم اقل عالميا نظرا لهول الكارثة…

في أثناء هذه الأحداث رأيت أبي خارجا من العيادة وبدون شعور منّي شققت صفوف الحاضرين متوجها نحوه ,وبدون مقدمات سألته ما أخبار العائلة ؟؟؟ الحمد لله على السلامة… صرخت في وجهه قائلا لقد وقفت على بيوتهم فلم يبق منها أثر ثمّ تقول لي الحمد لله على السلامة…فردّ عليّ من تقصد بالعائلة ؟؟قلت سكان الوادي. ردّ عليّ مبتسما: إنّ من تتكلم عنهم قد رحلوا من ذاك المكان ما يقرب من شهر إلى البلدية المجاورة…طأطأت رأسي وقبلت رأسه طالبا المعذرة…” أن تذهب بكلّك إلى الحبّ, تلك سذاجة”

عدت أدراجي وأنا أردد” تمر العاصفة ويبقى الأثر مرسوما جراحا في الأعماق” كل ذلك كان لفلم خيالي  من إنتاجي وفقط  عنّ|بولنوار قويدر ـ الجزائر 19|12|20204

بقلم: بولنوار قويدر

 

أضف تعليقك هنا