سقف توقعاتك

ثمة جدل محتدم بين أمرين هما التوقعات و المعقوليات، فهل نرفع سقف توقعاتنا نحو الآخرين أو نخفضها؟ وهل نخفض تلك المعقوليات أو العكس؟ علاقة جدلية بينهما، حريّ بنا أن نستبق في وضع الدلالات المُعينة لفهمها

التعامل مع الأخرين

مما لا شك فيه أننا نتنوع في طريقة تعاملنا مع الآخرين، وبالمقابل نتلقى العديد من الاستجابات المتفاوتة جرّاء تفاعلاتنا، فهناك من يُبحر في علاقاته الاجتماعية ويرفع من مستوى توقعاته نحوهم، على حين نرى من يخفض مستوى التوقعات إلى عدم المعقولية، ليبعث في النفس الاستغراب إزاء ما يحصل حينما يرفض أحدهم مساندتك جانباً؛ ليصل بك في النهاية إلى الخواء الروحي والذي يترجم على هيئة عدم الرضا عن الذات وعن الوجود؛ وقد يسحق تلك العلاقات الاجتماعية ويصفها بالتدليس ويطلق التعميم نحوها، مما يؤثر على الجانب النفسي، ويتأذى روحياً، ليكون الناتج من ذلك عدم التصالح مع الذات ومع الآخرين.

في حين يشير الواقع إلى أن تكون طريقة تفاعلنا مع بعض متوجسة لعدم قبول توقعاتك مُطلقاً، نظراً لاختلاف مستوياتهم الأخلاقية والذوقية والتربوية والتكوين الشخصي باعتبارها حصيلة تفاعل بين العامل الوراثي والبيئي، لذلك فإنهم يسلكون تصرفات تبدو لدى البعض فيها شيء من الامتعاض، لتوقعاتهم العالية نحو مدى قابلية الآخرين للوقوف بجانبك.

أهمية الاعتراف بوجود حقائق مريرة في واقعنا

حتى لا نصطدم بالحقائق المريرة يجب التسليم بوجودها، نؤمن بأن طبيعة بعض البشر قد يسلبك حقك، وقد ينكر خدماتك، ومنهم من يشحذ طاقتك ليوجهها لصالحه، ومنهم من تتملكه المصالح الشخصية ليتجلى لك بالصورة الجيدة، لينزع منك مآله المخططة، وعندما يحين لدورك، البعض يأبى أن يقف بجانبك، تتوارى أمامه المسؤوليات اللامتناهية، يستند نحو المبررات لكي يتهرب من المهمة الملقاة على عاتقه، هنا تتورم علاقتك، يحيطك الكثير من التساؤلات لماذا لم يقم هؤلاء بتلك المهمات في حين أنني أعتقد أن يوماً ما سيكونوا دائما حولي؟ يصيبك الإحباط تظلم الدنيا من عيناك، ينتابك أفكار سوداوية.

لماذا؟ لأنك خفضت مستوى المعقولية ورفعت سقف التوقعات، لكن الحقيقة تكمن في شخصك أيها الإنسان العاقل… عندما تعتقد باحتمالية قيام البعض بالمهام فهذه كرماً منهم، وعندما يعتذر البعض عن تقديم خدمات لك فاعذرهم، هناك تم الموازنة بين سقف توقعاتك لوقوف الاخرين بجانبك، وبين رفع مستوى معقولياتك عندما يبدي البعض امتناعه. هنا نعيش حياة هادئة.

عقلانية الانسان في عدم اطلاق التعميمات والقناعات الشخصية على جميع البشر، والإقرار باختلاف طبائع البشر، ينعكس ذلك التوجه على البُعد النفسي والعقلي له، ويُفضي إلى تقبّل استجاباتهم نحونا إيجابا أو خلاف ذلك، ولا تتضاعف مستويات القلق وهرمون الضغوط ويستنفذ طاقته في عنصر المفاجأة، فالبشر مختلفون، وتنوعهم يحتم علينا أن نضع نصْب أعيننا أننا لسنا متطابقين في كل شيء حتى في مسائل صغيرة كالذوقيات والضيافة والكرم والمساعدات البسيطة، فالتغير في نمط التفكير يقودنا إلى مسارات متوهجة تبعث في أنفسنا السكينة.

بقلم : أ. لولوه عبدالحميد النعيم

 

أضف تعليقك هنا