هم السابقون ونحن بهم اللاحقون

أظن أن سنة 2020 كانت سنة فريدة من نوعها، سنة عجيبة و متنوعة على مجموعة من الأصعدة، بدءًا بالحرائق التي اندلعت في استراليا و امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر بالإضافة إلى وفاة الأسطورة كوبي برانيت رفقة ابنته في حادث تحطم طائرة ثم الزلزال القوي الذي ضرب تركيا و أخيرًا و ليس آخرًا الانفجار المهول الذي حدث في بيروت وخلف عشرات القتلى و آلاف الجرحى و صولًا إلى انتشار فيروس كوفيد 19 الذي اجتاح العالم وخلف وراءه آلاف الوفيات ومازال يحصي ملايين الإصابات لحدود الساعة.

2020 هي سنة محفورة بذاكرتنا ما حيينا 

هذه السنة مميزة لا تنساها الذاكرة، لها وقع خاص بالنسبة إلي سنة ذاعت فيها رائحة الموت قريبًا منا أكثر من مرة ليس بسبب فيروس كورونا فقط، وإنما أيضا بسبب تفشي ظاهرة الموت المفاجئ الذي خطف منا من غير إنذار و لا إخطار أحبابًا وأصدقاءً و معارفًا نكن لهم كل الاحترام و الحب و التقدير.

بكل صراحة أنا لا أهاب الموت، لأنني أعتبر الموت حق وقدر لا مراد له مصداقًا لقوله تعالى :

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور}ِ

لكن ما يخيفني هو أن استيقظ يومًا فأجدني فاقدة لأحد أفراد أسرتي القريبة، صحيح أن الموت حقيقة لا نقاش فيها وأن الساعة آتية لا ريب فيها لكن للفراق ألمه ووجعه الخاص، ليس صعبًا استيعاب حقيقة الموت بقدر ما هو صعب استيعاب فكرة أن ذلك الشخص ذهب بلا رجعة وأنه بات من المستحيل رؤيته مستقبلًا.

الموت هو أكبر فاجعة للبشرية

الموت أمر حتمي ونهاية طبيعية لكل كائن حي، الموت لا ينصت لبكاء الأهل و لا يكترث لحزن الفراق… الموت لا يفرق بين الناس لا على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو السن أو الحالة الجسدية أو الحالة المادية للشخص.

أما علميًا فالموت هو توقف نشاط جميع الوظائف الحيوية بالجسم مثل الدورة الدموية ونبض القلب، التنفس و الجهاز العصبي نتيجة المرض أو الشيخوخة أو التعرض لحادثة سير مميتة.

الموت والتعامل مع الميت بثقافات الأمم

و من الناحية الدينية فهناك اختلاف ما بين المعتقدات الرائجة لدى الأديان فمنهم من يقوم بحرق الجثث وهناك من يؤمن بفناء الجسد و الروح، ونحن كمسلمين نعتقد اعتقادًا راسخًا أن الموت هو مفارقة الروح للجسد، فالحياة ليست إلا محطة عبور

نحو الضفة الأخرى، وأن الموت هو آخر مراحل العبور للعالم الآخر، فكما قال القرطبي :

الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار”.

هم السابقون ونحن اللاحقون

من المهم جدا أن نتألم لفراق الأحبة و نفرغ تلك الطاقة السلبية التي يخلفها الحزن، لكن من الأهمية بمكان  أن نتذكر أن دورنا آت لا محالة، هم السابقون و نحن بهم اللاحقون.

كل يوم يمر من حياتنا يقربنا أكثر من ساعة الرحيل… لكن يبقى السؤال هل نحن على أهبة الاستعداد لتلك اللحظة؟ هل أدينا الرسالة على أكمل وجه؟ هل حققنا الهدف و المراد من الحياة؟هل خلفنا أثرا محمودا؟ أم كنا مجرد أناس طائشين مستهترين غافلين؟

هذا ما اختزله الحسن البصري في قوله :

“لا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله في جمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحي القيوم.

بين ألم الفراق وهلع الموقف

في كل لحظة نودع فيها عزيزًا إلى دار البقاء نبكي نتألم ونتحسر و سرعان ما نقع في دوامة من الهلع و الجزع، أحاسيس لن يعرف بقدرها إلا من خاض التجربة نفسها و عرف المشاعر عينها، رائعة هي قدرتنا على التكيف مع ألم الفراق و الاستمرار في التقلب في منعطفات الحياة ما بين حزن وفرح وشروق وأفول.

الموت في نظري  ليس أمرًا فظيعًا و لكنه نهاية حتمية، إنه راحة من كل القيود الاجتماعية والالتزامات العائلية الموت يجابه الحياة. فلنوطد علاقتنا بالخالق سبحانه ولنسخر حياتنا لمرضاته ننعم بالسكينة في الدنيا و الراحة في الآخرة.

بقلم: صفاء الزكغ

 

أضف تعليقك هنا