الأدب والأثر النفسي

بقلم: د. محمد راضي محمد الباز الشيخ

إن قيمة الأدب تظهر من خلال تأثيره في النفوس ،وإعجابها به ومن ثم فإن أهم مقومات الأدب وبقائه في النفوس حيا نابضا هو مدى ما يعتمله داخل نفس متلقيه ،وهذا لا يخص أدبا دون أدب ولكنه قاسم مشترك بين الآداب الإنسانية جمعاء فالأدب في الأساس هو خطاب  موجه إلى النفس البشرية ،تتلقاه حسب ما يعتمل داخلها تجاه هذا النص من رضا وقبول وسخط وفرح وحزن وإعجاب ورفض إلى غيرها من الأحاسيس المعقدة. ( الأثر النفسي للأدب).

الأدب والأثر النفسي

تعقيد النفس البشرية التي لم تصل الدراسات النفسية –رغم كثرتها-إلا إلى النذر اليسير من أسرارها ،وأسرار تفاعلها مع ما تتعرض له خلال حياتها ومنها تفاعلها مع النصوص الأدبية المختلفة بشتى أنواعها ،لذا حفلت كتب البلاغة والنقد العربية بوقفات كثيرة تظهر قيمة الأثر النفسي للأدب في نفوس متلقيه.

الجرجاني واهتمامه بالأثر النفسي للأدب

وكان أكثر البلاغيين القدماء اهتماما بهذا الأمر هو شيخ البلاغيين وإمامهم عبد القاهر الجرجاني ،فقد حفل كتابه أسرار البلاغة بوقفات كثيرة متأنية تتحدث عن الأثر النفسي للفنون البلاغية المختلفة ،وكان –فيما أرى –بحثه البلاغي كشفا لأسرار النفس البشرية وغوصا فيها على ما ينتابها من متعة وانفعال تجاه أى نص أدبي ،وقدم رؤية عميقة تقف على دقائق النص الأدبي وتكشف عن آثار تلك الدقائق على النفس الإنسانية ،وهذا يرجع إلى رهافة حس عبد القاهر الجرجاني وذوقه البياني الرفيع ومدى خبرته بالنفس البشرية وما تتأثر به وما يؤثر فيها.

من هم البلاغيين الآخرين الذين اهتموا بالأثر النفسي للأدب؟

وهذا لا يعني أن بلاغيينا القدماء لم يهتموا بهذا الأمرلا فقد كان لكثير منهم لفتات بارعة من أمثال الجاحظ ،والخطابي  وغيرهم ،لكن هذا الأمر كان لافتا للنظر في كتابات عبد القاهر وخاصة كتاب  “أسرار البلاغة “، ذكر فيه في مواضع كثيرة أثر التشبيه والاستعارة وغيرهما من الفنون البيانية الأخرى على النفس البشرية ،ومدى تأثر النفس البشرية بالفن البياني ،وأرى أن الأثر النفسي للأدب منظومة متكاملة يشترك فيها الأديب بما حمل نصه الشعري ظلالا إيحائية وأثرا نفسيا.

والمتلقي بما أوتى من ذوق فني وملكة بيانية تمكنه من استكناه ما بالنص الشعري من متعة وجمال ومن ثم تأثيره  في نفسه ،ويأتي أخيرا الجو الثقافي العام السائد في المجتمع  آنئذ فهو الآخر يشكل بعدا مهما في ترسيخ هذه المنظومة ويعضد من تأثر المتلقي وتفاعله مع النص الأدبي ومن ثم وجب على الأدباء وضع الأثر النفسي نصب أعينهم ،والاهتمام به حتى يصل الأدب إلى مبتغاه.

دور النقّاد في الأدب

وهناك دور لا يقل أهمية عن الأدوار السابقة وهو دور النقاد  فالنقاد في معظم الأحايين هم حلقة الوصل الأهم والأبرز بين مبدع النص الأدبي ومتلقيه ،فالناقد هو الذي يميط اللثام عن مكنونات النص الأدبي ،ويفك شفراته ،ويقربه للمتلقي وفي أحيان أخرى يسبق العملية الإبداعية فيتنبأ بالأنواع الأدبية والفنون المختلفة وينظر لها فيكون النقد في هذه الحال سابق على العملية الإبداعية داعيا لها ومرشدا.

فعلى النقاد –فيما نحن بصدده –أن يركزوا على بيان الأثر النفسي للفنون البيانية المختلفة وبيان إنعكاسها على العملية الإبداعية برمتها ومن ثم فتح الطريق أمام المتلقي إلى استكناه ما بالنص الإبداعي من أثر نفسي ،ويفتح آفاقا  رحبة  لخياله  حتى يشعر بالمتعة التي هى الغاية الأهم للنص الأدبي (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم أدب، وشاهد مقاطع فيديو موقعنا على اليوتيوب).

بقلم: د. محمد راضي محمد الباز الشيخ

 

أضف تعليقك هنا