الإنسان ورحلة البحث عن المعنى والسعادة

يوجد الإنسان في هذا العالم، وهو يعيش تجربة الحياة برفقة ابتلاءات لا حصر لها، وتكاد تكون مواجهتها حتمية في هذه الحياة، وهي بالفعل كذلك، ابتداءً من مسألة وجود الإنسان نفسه في هذا العالم، وأن يأخذ على عاتقه مسؤولية هذا الفرض وهذا العبء من الوجود، إلى النقص أو القصور الذي يلازم الإنسان بشكل أو بآخر طوال حياته. ولذلك نجد أن التجربة الإنسانية تخبرنا أن الحياة لا تخلو من المعاناة.

رحلة الإنسان في البحث عن السعادة

بالرغم من المعاناة، نرى أن الإنسان دائماً في رحلة بحث في داخله للاستمتاع بلحظات الوجود، والتمتّع بالحياة والبعد عن المعاناة مع إنه لا يمكن الهروب منها لأنها جزء من النفس البشرية. هذا المطلب من الحياة يدفع الإنسان إلى البحث عن مبررات الحياة وتقبّل وجوده أكثر من الرغبة في انعدامه.

وفي ظل هذا يجد الإنسان نفسه معنية بسؤال الحياة الراهنة، كشيء يفرض عليه، وأنه بحاجة إلى طرح الأسئلة بشأن نفسه والحياة والوجود، وذلك ببساطة يسمى في المعرفة بالاعتراف، وأعني بذلك أن شرط الحياة بالنسبة للإنسان لا يعني أن يُوجد وحسب، وبل عليه أن يعمل ويكافح من أجل أن يبقى ويستمر في هذه الحياة، وأن يسعى إلى تحقيق غايات ومعاني سامية في الحياة.

وعليه أن يتحمّل مسؤولية الملقاة على عاتقه في سبيل تحقيق تلك الغايات. هذا الاعتراف نابع من أننا نعيش الفقد والمعاناة بطريقة أو بأُخرى، ونبحث عن المعنى الذي يمنح الهدف في هذه الحياة، ولكن هذا المعنى من الحياة ليس شيئاً يحدث لوحده بل على الإنسان أن يخلقه بنفسه ليحل التناقض المتمثل في كونه يُوجد وحسب، وما يطمح أن يكونه  كانعكاس لمعنى الوجود والحياة.

كيف يقيم الإنسان حياته؟

يملك الإنسان سُّلطة تخوله طرح الأسئلة على الحياة التي يعيشها أو الطريقة التي يمكن أن يقيِّم بها وجوده وحياته، والسُّلطة هنا ليست كشيء ممنوح أو مفروض بواسطة دين أو ثقافة أو نظام، ولكنها شيئ مرتبط بالإنسان الفرد، أي بالذات التي تفكِّر في الأمر، وهنا يكون الامتحان الأصعب للإنسان، لأنه مطالب بالتفكير بين طرحه تلك الأسئلة وما يُمكن أن يكونه، ولكي يكون الافتراض الذي بدأنا به صحيحاً، يجب على الأقل أن يكون هناك ما يبرر ويسمح بطرح هذه الأسئلة، أي أن يكون هناك انفصال بين الواقع الذي يُعاش وما نفكِّر فيه ونتساءل بشأنه.

المعنى من إيجادنا في الحياة

وإذا كانت الفلسفة تعلّمنا أن المعاناة أصيلة في الإنسان، فإن ايجاد المعنى لحياتنا يجعل منها حياة جديرة بأن تُعاش، وكلما كان للإنسان نصيب من المعنى في هذه الحياة، كان أكثر استمتاعاً بوجوده وحياته، وكان ذلك أفضل، وكلما افتقر إلى المعنى، كان أقل استمتاعاً، وكان وجوده أسوأ.

هذا الحس بالمعنى قد يجعل الإنسان يواجه امتحاناً آخراً في قدره المتمثل في وجوده وما يفترض أن يكونه، وقد يضطر إلى أن يتجاوز أقصى الصعوبات من أجل الوصول إلى مرحلة أسمى وأكمل، ولكن ربما لا يكون الوصول إلى تلك المرحلة دون مساحات من الألم والمعاناة، وهو بذلك بحاجة إلى المعرفة والإرادة معاً، وعليه أن يخلقهما بنفسه من أجل أن يستمر وإلا انحط وأصبح أكثر بساطة وبلا معنى أيضاً.

هذا المعنى من الحياة تغذيه فلسفة الإنسان الخاصة حول ما تعنيه السعادة ، بعبارة أخرى أن سعادة الإنسان ترتبط بشكل أساسيّ بالمعنى الذي يصيغه لحياته ووجوده، ولكن هذا المعنى من الحياة يختلف من شخص لآخر باعتبار أن المعنى هو شيء متعلق دائماً بالذات. من هنا ولهذا السبب بالذات تنشأ فكرة السعادة متنوعة بتنوع التفاصيل والرغبات الإنسانية. بالنسبة للبعض، تتعلق السعادة باكتساب الأشياء التي لا يمتلكونها مثل  النجاح، والممتلكات … إلخ.

وهنا تبدو السعادة كبعد آخر للحضور المعنى في حياة الإنسان الفرد الذي يؤمن به بشدة. بينما تركز فلسفة الآخرين عن السعادة على الاكتفاء بما يمتلكون في الوقت الحالي أو رضوخ للمعتقدات الخاصة عن الحياة، وفي هذه الحالة نحن بكل بساطة أمام أرخص وسيلة لتحقيق السعادة.

أهمية السعادة في حياة الإنسان

في الواقع، لا يبحث الإنسان عن المعنى في هذه الحياة بقدر ما  يبحث عن السعادة، وعن الطرق المناسبة لإيجادها. وقد يكون معناه الشخصي المرتبط بالحياة هو المُعادل لفكرة السعادة. وأعني بذلك أن السعادة هي ليست شيئاً مجرداً أو حالة يمكن تحديدها ويجب السعي من أجل تحقيقها بقدر ما هي المنشود لرغبات حقيقية موجودة في الإنسان، بحيث كل ما تقل مساحة المعاناة فينا نصل إلى مرحلة نسميها السعادة.

فيديو مقال الإنسان ورحلة البحث عن المعنى والسعادة

أضف تعليقك هنا