التماسك النصي قراءة في دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني (3)

في هذه السطور نحاول أن نبحث عن النصوص التي جاءت على لسان الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز ،ويمكن أن نفهم منها أو نرى فيها، حديثا عن التماسك النصي سواء أكان تماسكا لفظيا أم تماسكا دلاليا. (التماسك النصي). مما

مما قاله الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه

يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني: ” واعلمْ أنَّ ممَّا هو أصلٌ في أن يَدقَّ النظرُ ويغمُضَ المسلكُ في توخَّي المعاني التي عرفتَ أنْ تتحدَ أجزاءُ الكلامِ ويَدْخُلَ بعضُها في بعضٍ ويَشتدَّ ارتباطُ ثانٍ منها بأَولَ وأن يحتاجَ في الجملةِ إِلى أن تضَعَها في النفس وَضْعاً واحداً وأن يكونَ حالُكَ فيها حالَ الباني يضعُ بيمينهِ ها هُنا في حالِ ما يضعُ بيسارهِ هناك . نَعم وفي حالِ ما يُبْصرُ مكانَ ثالثٍ ورابعٍ يضعُها بعدَ الأَولينِ . وليس لِما شأنُه أن يجيءَ على هذا الوصفِ حدٌّ يحصرهُ وقانونٌ يحيطُ به فإِنه يجيءُ على وجوهٍ شتَّى وأنحاءَ مختلفةٍ ”

أمثلة عن الترابط اللفظي في القرآن

([1]) ،  ومن ذلك على المستوي اللفظي الترابط بين الشرط والجزاء ومنه في النص القرآني:

“وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (*) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ

“فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ”

“وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (*) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ”

” وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ”

“فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ”

الترابط على المستوى الدلالي

ومن هذا الترابط على المستوى الدلالي: ”  أن تزاوَجَ بينَ معنيينِ في الشرطِ والجزاءِ معاً كقولِ البُحتري – الطويل –

إِذا ما نَهى النّاهِي فَلجَّ بيَ الهوى  أصاخَتْ إِلى الوَاشِي فلجَّ بها الهَجْرُ

والمزاوجة هنا بين ” فَلجَّ بيَ الهوى” و” فلجَّ بها الهَجْرُ

وقوله – طويل – :

إِذا احْتَرَبَتْ يَوْماً ففاضتْ دِماؤُها   تذكَّرتِ القُربى ففاضَتْ دُمُوعُها

والمزاوجة هنا بين ” ففاضتْ دِماؤُها”،وبين” ففاضَتْ دُمُوعُها” فهذا نوعٌ . ونوعٌ منه آخرُ – الوافر – :

فبينا المرءُ في علياءَ أهوَى … ومنحَطِّ أُتيحَ لهُ اعتلاءُ

وبينا نعمةٌ إِذْ حالُ بؤسٍ … وبؤسٌ إِذْ تعقَّبَه ثَراءُ

هكذا “علياء” و”أهوى”  و”منحط”  و ” اعتلاء”  و”بينا نعمة” و”حال بؤس”

هل يُعتبر الترابط اللفظي والدلالي من أسرار البلاغة؟

وقد أشار صاحب دلائل الإعجاز إلى الترابط اللفظي والترابط الدلالي، وأنهما من أسرار البلاغة أيضا حين قال:”  اعلمْ أنَّ العلمَ بما ينبغي أن يُصْنَعَ في الجملِ من عطفِ بعضها على بعضٍ أو تركِ العطفِ فيها والمجيءَ بها منثورةً تُسْتَأْنَفُ واحدةٌ منها بعد أخرى من أسرارِ البلاغة ومما لا يتأتَّى لتمامِ الصَّوابِ فيه إلاَّ الأعرابُ الخُلَّص والإَّ قَوْمٌ طُبِعُوا على البلاغة ،وأوتوا فنَّاً مِنَ المعرفة في ذوقِ الكلامِ هم بها أفرادٌ . وقد بلغَ من قوة الأمر في ذلك أنَّهم جعلوهُ حَدّاً للبلاغة فقد جاء عَنْ بعضهم أنه سُئِل عنها فقال : مَعْرِفَةُ الفَصلِ منَ الوصلِ ذاك لغموضِه ودقِة مَسْلكِه وأّنَّه لا يَكْمُلُ لإِحرازِ الفضيلة فيه أحدٌ إلاَّ كَمَلَ لسائِر معاني البلاغة ”

فما ” يُصنَع في الجملِ من عطفِ بعضها على بعضٍ”  هو وسيلة  من وسائل  الترابط  اللفظي  ،  و تركِ العطفِ في هذه الجمل والمجيءَ بها منثورةً تُسْتَأْنَفُ واحدةٌ منها بعد أخرى هو وسيلة من وسائل الترابط الدلالي.

مما قاله الدكتور تمام حسان 

يقول الدكتور تمام حسان : ويربط حرف العطف بين المتعاطفين مع اختلاف في المعنى بين حرف وحرف من حيث مطلق المشاركة والترتيب أو التراخي والتعقيب الخ وإذا نظرنا إلى هذا الاختلاف في المعنى بين حروف العطف وبخاصة عندما يكون معنى الحرف نفي المشاركة كما في “لا” أدركنا أن فكرة الربط في السياق تتجاوز فكرة المشاركة وما يتفرع عنها من ترتيب أو تعقيب أو غيرهما ، فالربط علاقة أعم من علاقتي الإيجاب والسلب لأنه وسيلة لإحكام الصلة بين عناصر السياق..

وقد تكون الواو رابطا لفظيا بين جملتين غير أنه لابد من وجود ترابط دلالي بين المعطوف والمعطوف عليه ومنه ما يفصله صاحب دلائل الإعجاز بقوله : “فلو قلتَ : خرجتُ اليومَ من داري . ثم قلتَ : وأحسنُ الذي يقولُ بيتَ كذا . قلتَ ما يُضْحَكُ منه . ومن هاهُنا عابوا أبا تمامٍ في قوله – الكامل –

لا والذي هُوَ عالِمٌ أنَّ النَّوَى   صَبِرٌ وأنَّ أبا الحُسَيْنِ كريمُ

وذلك لأنه لا مناسبةَ بينَ كَرَمِ أبي الحسين ومرارِة النَّوى ولا تعلُّقَ لأَحِدهما بالآخرِ وليس يقتضي الحديثُ بهذا الحديثُ بذاك .واعلمْ أنه كما يجبُ أن يكونَ المحدَّثُ عنه في إحدى الجملتين بسببٍ من المحدَّثِ عنه في الأخرى كذلكَ ينبغي أنْ يكونَ الخبرُ عن الثاني مما يَجْرِي مَجْرى الشبيهِ والنظيرِ أو النَّقيضِ للخبر عن الأولِ . فلو قلتَ : زيدٌ طويلُ القامة وعمرٌو شاعرٌ . كان خُلْقاً لأنه لا مُشاكلَةَ ولا تعلُّق بينَ طولِ القامةِ وبين الشعرِ وإنما الواجبُ أن يقالَ : زيدٌ كاتبٌ وعمرٌو شاعرٌ وزيدٌ طويلُ القامة وعمرٌو قصيرٌ . وجملةُ الأمِر أنها لا تجيءُ حتى يكونَ المَعْنى في  هذِهِ الجملة لَفْقاً للمعنى في الأخرى ومُضَامَّاً له .

واعلمْ أنَّه إذا كان المخَبرُ عنه في الجملتين واحداً كقولنا : هو يقولُ ويفعلُ ويَضُرُّ ويَنْفَعَ ويُسيءُ ويُحْسِنُ ويأمُرُ ويَنْهى ويَحُلُّ ويْعقِد ويأخُذُ ويُعْطي ويَبيعُ ويَشْتَري ويأكُلُ ويشرَبُ وأشباه ذلك ازدادَ معنى الجمعِ في الواو قوةً وظهوراً وكان الأمْرُ حينئذٍ صريحاً . وذلكَ أنَّك إذا قلتَ : هو يَضُرُّ وينفعُ . كنتَ قد أفدتَ بالواو أنكَ أوجبتَ له الفعلينِ جميعاً وجعلَته يفعلُهما معاً . ولو قلتَ : يَضرُّ ينفعُ من غير واو لم يجبْ ذلك بل قد يجوزُ أن يكونَ قولُكَ ينفعُ رجوعاً عن قولك يضرٌّ وإبطالاً له .)  عبد القاهر الجرجاني:دلائل الإعجاز: 87 [1]

(اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم أدب، وشاهد مقاطع فيديو موقعنا على اليوتيوب).

بقلم: دكتور إبراهيم محمد أحمد الدسوقي

 

أضف تعليقك هنا