الزمن الجميل “القيمة والثراء”

دائماً ندرك أن القيمة لا تدرك إلا بعد فقدانها أو ظهور قيمة أقل حلت محلها , فالمعاصرة حجاب تحجبك عن معرفة قيمة الشيء إلا إذا ولى عصره وظهر عصر جديد بمعطيات جديدة وقتها فقط تشعر أنك فقدت القيمة. (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم خواطر).

إنه الزمن الجميل القيمة حياة وطباع وزمن له مذاق خاص ورائحة وشعور لم توجد له حروفً أو كلماتً تصِفه، فـ هو ليس مجرد مُدن ومبانى بل هو قلوب ومعاني ، قلوب مُورِقَة ذات لون أخضر تفيض بالحب الخالص والمودة . زمن لم يكن أبدا مجرد بيوت وأبراج وبشر ک أي شىء عادي يمر على ذهنك مرورا سريعا بل بمجرد أن يخطر على ذهنك تقف وقوفا تاما عنده بتفاصيله.

أَتَعلَم كيفَ يَكُون المَكَان والزّمَان يُشبهان معزوفة عود؟

أَتَعلَم كيفَ يَكُون المَكَان والزّمَان يُشبهان معزوفة عود فى ليل هادىء باسِم فوق سطح ربوة ؟ .. الطبيعة والفطرة هما المسيطران لا دخيل عليهما يستطيع أن يفسد هذا النّسَق اللّطِيف . . البشر يسير فى نَسَقٍ على السَّجِيّة والفطرة دون أن يقصد أن يكون هكذا حتى الأشياء التى لا تعى ولا تعقل تشعر أن لها عقلا فى هذا الزمن يدرك القيمة . . قيمة الزمان والمكان والإنسان  . .

القيمة التى سرقت منا فى غفلة بإرادتنا وسط ثورة هذا الضجيج المستمر والمتصاعد والمتلاحق ، إفتقدناها كثيرا فأفقدت كثير منا الأمان ورؤية الجمال والقدرة على العيش بعفوية وبساطة وسماحة من سبقونا . أصبحنا إلا من رحم ربى لانملك إلا أقنعة تخفى وراءها ما الله به عليم . . باذلين الجهد الأعظم فى تغيير هذه الأقنعة واستبدالها على حسب المواقف والاحداث  ولم نفكر أبدا فى نزعها على الإطلاق ولو عزمنا لفعلنا بعون الله القاهر فوق عباده.

من أين يستمد الزمان والمكان جمالهما؟

الزمان والمكان دائما يستمدان جمالهما بجمال أهله و معاصريه وساكنيه ,  فى هذا الزمن الجميل كان به البشر ک قطعة نسيج منسوجا و مجدولًا يدويًّا لـ يُدفئ جسدًا يرتعش من البرد فى ليل شتاء قاس ، منسوجا بعناية وأمانة صانعيه لا ينقطع ولا ينفَک أبدًا ، كان فيه البشر متحابون بسمو دون سببً أو غاية من هذا الحب ، أسوأ السيِّئين فيهم طيِّبون ، لديهم قلب يتألم و يُفزَع إذا ما علم بمرض أحدهم أو أنه أصابته شوكة فى قدمه.

كانت عيوبهم فقط لأنهم بشر ، لا حاجة للكذب أو التجمل فالجمال فيهم فطرى مصدره بساطة العيش ، تدينهم فطرى بسيط سليم بلا جدال أو مناظرة أو تقعر أو تشدق ، سيئاتهم تُغفر وتمحى تماما إذا أصابتهم مصيبة حتى وان صغرت ، أو إذا تعرقلوا فى طريق سيرهم فسقطوا ..سيئات كشعيرات هِرّ تتطاير بقليل من نسيم خير يفعلوه أو مكروه بسيط يصيبهم أو يصيب ذويهم.

باب الذكريات

ولّى هذا الزمن الجميل وانصرف وضُرِبَ بينا وبينهُ بِسُورٍ له باب . أتعلم يا أخا الزمان ما الباب ؟ . . هو باب الذكريات !!  . . باب يسمح لك بالإتصال روحيا بهم وبعالمهم الساكن الأليف فى مراقدهم وفى قبورهم التى يغمرها الضياء  . . باب يسمح لك بأن تطل منه فقط  فتبتسم  وتحلق حوله بروحانيتك  ، لا يمكنك أبدا الدخول من خلاله مرة أخرى ! فقط تطل !!   نُقِشَ على هذا الباب : هنُا دفءٍ زمن قد فات ، فحياتهم كانت تشبه فعليًّا شمس الظهيرة في الشتاء، والنسمات الليلية اللطيفه في الصيف، ورائحة النعناع الأخضر والريحان والياسمين في أرضهم وحيهم.

الحياة سابقاً

حياتهم كانت تشبه بيوت الطين القديمة ذات الطابق الواحد المنخفض أو الطابقين على الأكثر ، البيوت المضيئةا بـ “لمبة الجاز” فى منازلهم ، وإن أرادوا  رؤية أكثر إتساعا لشىء عارض فكان البديل هو الكُلُوب وكان لايستخدم إلا فى نوازلهم ، الرؤية فى حجراتهم بالكاد ليعرفوا ويميزوا فقط الأشياء، لا ليدققوا للتحقق من تفاصيلٍ لا تعنيهم و ليس لهم بها شيء، فتفاصيل الإنسان السوى تكمن فقط  بداخله لا بخارجه ،فلا احتياج هنا  للتحقق منها أو الركض خلفها …هُنا لا ضرر ولا ضرار  ولا مَنّ ولا أذى . . .  هُنا المعنى الحقيقي لـ “المعدن الأصيل”، بشر ک قطع ذهب قديمة أصيلة يظهر عليها عبق الزمان لكنها بسيرتهم وحكاياتهم وقَصَصَهم لازالت تلمع وتبثُّ بريقًا نقيًّا يخطف الألباب والأبصار لا يجرحها أبدا .

أكتب هذه الكلمات لأهنِّئ رفقائى و ذاتي أن حالفتنا رحمته عز وجل وأدركنا زمنهم بضع سنوات ، ولِحَاقِنا ببعض معتبر من هذا الزمان ، هذه السنوات التى أعتبرها الآن إكسير حياتنا نتنفس بذكر أيامها وأحداثها  ونتعطر بشذى ذكريات أيامها التى مرت علينا كنسيم الربيع ، أهنىء رفقائى وذاتى أن بذورنا وجذور نبتتنا زُرِعَت وكبرت في مصر البلد الطيب الأمين التي لا ينضب خيرها ولا ينتهي ولا يتحوَّل أبدا وإن بدا غير ذلك . . فـإن يَكُ فينا خيرًا أو طيبة أو أصالة فـ هي تعود لجذرنا القديم زمانا ومكانا ، وإن يَكُ فينا جفاءًا أوصفات قاسية فـ هي منِّا ومن شيطان لازمنا فأصابنا بِنَفثِه نستغفر الله من هذا ونحمد الله على ذاك.

سيدتى . . أكتب وأنتى المقصد والقِبلة . .  أكتب وأنتى حاملة لواء ذكريات هذا الزمن الجميل . . أيتها العابدة . .  الذاكرة . .  الصابرة . .  الخالصة . . المخلصة . . الراضية . . المرضية . . أمى المُهابَة وأختى النّاصِحة وبنتى المُدَلّلَة وصديقتى الفَريدة . . . عليكى فى مَرقَدكِ من الله السلام . . والسلام ختام . شتاء – يناير 2021 الدوحة.

فيديو مقال الزمن الجميل “القيمة والثراء”

أضف تعليقك هنا