انتقلت عائلة برجلية فرفر إلى قرية فرعون تلك القرية الجميلة التي تبعد عن مدينة قبة عبد العزيز عشرة أميال. وفي منزل واسع عريض يحتوى على ممر طويل يتوسط حديقة مزدهرة على جانبيه الأيسر والأيمن. ملآنة بشجيرات الورد الأحمر والوردي والأييض بأغصانه الشوكية الحادة التي تدل على قدمها نوعا ما. وعدد لا بأس به من شجيرات الفراولو التي لا يتجاوز ارتفاعها العشرة سنتمترات.
جمال البيت الذي انتقل إليه برجلية فرفر
مع بضع أشجار القطانيا الصفراء التي تخصب في فصل الصيف الحار وخاصة في شهر جويلية وأوت. بينما الضفادع تهجم في فصل الشتاء بعد أن تلتهم ما طاب لها من الفراولو المنعش فتهجم في أوائل الصباح عندما يكون برجلية فرفر متوجها إلى المدرسة، فتزحف على الممر تقفز هنا وهناك. وتذكر برجلية فرفر لاعبي التزحلق على الجليد عندما يراوغون الأعمدة المتتالية.
وفي يوم عطلة قرر والده ببوشة المزاودي القيام بعملية تنظيف شاملة للحديقة بعد أن أرهقه المنظر المفزع لزحف الطفيليات على الأشجار المزهرة العالية. فتحول المشهد من غابة صغيرة مكتضة إلى مزهرية غاية في اللطافة والبهاء بحكم أن منظفها تذكر أيامه عندما كان صغيرا في غابات قابس عندما كان يحصد الغلال والحناء على حد السواء. وكانت فرصة طيبة له للتمتع بذكرياته كما يحلو له. زاد رونقا شجيرات النعناع الأخضر الذي رتب بعناية لا مثيل لها.
وفي الشتاء كانت هناك صعوبة في التحرك إلى بيت الراحة التي تقرب من الباب الخارجي ، فكان هناك عناء كبير للالتحاق به عند ساعات الغصرة وقضاء الحاجة،كما يلزمنا؟ قطع البهو الواسع ثم ممر الحديقة الطويل في ساعات الليل الباردة عند هبوب الرياح العاتية ونزول الأمطار الغزيرة المرعبة. في جو يتسم ويحيط به صوت الكلاب والقطط في قلعة أولاد فتح الله أين تتناثر الضيعات الواسعة التي ترتع فيها الأيقار والأغنام.
كان كل شيء جميل في تلك القرية التي انتقل إليها برجلية فرفر
كان كل شيء جميل في القرية، شجر العناب الأحمر، منازل بسيطة وعميقة، الحمام البلدي على مشارف البحر في نهاية القرية، مدينة فرعون في أعلى الهضبة، العناب الأحمر والزعرور الأصفر على طول المسالك الفلاحية والطرق السيارة، مع المرتفعات الجبلية المكتظة بالصنوبر الحلبي الفائح إلى جانب الشواطئ السياحية من جانب البحر المزدان بملاعب الكرة الطائرة والتنس ومسابح النزل الشائقة خاصة في فصل الصيف.
المدرسة التي انتقل إليها برجلية
وفي يوم بينما كان التلاميذ يغادرون قاعات الدرس قرر المعلم يونس الدي يسكن مقيما بالمدرسة الابتدائية إعلامهم أن غدا الأحد سيكون يوما لإعلاء سور المدرسة.كان التلاميذ مبتهجين بالفكرة، فتراهم يندفعون من كل زوايا القرية وكأنّهم يتجهون إلى الكعبة الشريفة ،وانتهت المسيرة بأشغال متقنة تم بعدها توزيع التمر الشهي وإرجاع الصحون إلى زوجة يونس، وحلقات صغيرة تسودها المجاملات بني المدير والمعلم يونس والتلاميذ.
كان برجلية فرفر مشعول بالتوتّر المتصاعد المتزايد بين والدته ووالده مع تكتم أخته الصغرى مرمر عيشوشة التي تقضي وقتها خارج المدرسة بالاعتناء بالقطط الضائعة والمتشردة والتقاط أوساخها المنتشرة في المطبخ البيت وإطعامها بعد أن زجرت أوأو كعيكة من رائحة الفضلات تحت طاولة الأكل وخزانة المواني، فمنعت عليها هذه الهواية التي تعتبرها من الطيش وعدم المبالاة.بينما رأت فيها مرمر عيشوشة هواية طبيعية وإنسانية ليس لها ثمن ولا مقابل.
البطولة التي أُقيمت في تلك القرية الجميلة
وفي يوم ربيعي ،احتفلت القرية بالبطولة الرباعية للفرق في ملعب التراب الأبيض داخل الغابات الشرقية قرب محطة الحافلات وسجن الإصلاح،كانت البطولة المحلية على شكل صراخ وأهازيج تنبعث من حافلة مهجورة تتوسط الملعب،أعدت لاستقبال الجماهير المحترمة التي تأتي في مطلع كل أحتفال موسمي بالبطولة المحلية، يتخلل ذلك أجواء منعشة ولوحات طبيعية خلابة مع تلك الثعابين الخضراء التي أرهقت أرواحها بمفعول الحرارة ومرور الوقت ومناجل المتطفلين مع الحلزون المتكاثر بمفعول نزول الأمطار الغزيرة بين الفينة والأخر.
الملعب المليء بالأشجار الكثيفة
وزاد المشهد أناقة الأشجار الكثيفة المتنوعة والمحيطة بالملعب من كل مكان من لوز وكلتوس وعناب وزيتون وعشب كثيف والبرتقال الوحشي الغير الصالح للأكل. لقد شعر برجلية فرفر أنّه دخل في عالم أرحب وأكثر دف ء وواقعية وعمقا مما رآه من قبل في قبة عبد العزيز أو في باب الأسواق بالعاصمة.
وفي الميلاد النبوي قرر والده المسن ، الدخول مع أبنائه في معسكر كبير في غابات الصنوبر الحلبي الجبلية المحيطة بالقرية.فاقتنى مقصا فلاحيا للغرض مع أكياس بلاستيكية وقفة تحتوى جرائد قديمة قبل موعد ذكرى المولد بثلاثة أيام حيث قسمت الأدوار بين جني الثمار بالمقص والتقاط الثمار من الأرض ووضع الثمار في الأكياس السوداء. بينما برجلية يراقب المشهد بإبداء ملاحظاته التي قد تخرج عن إطارها وتغضب تعب والده المتصاعد مع مرور الوقت. يوما مشمسا جميلا زاده لفحات الهواء نعومة وخلود مع سماء تنطق بزرقتها الباهتة الساحرة التي تظهر وكأنها وراء لوح بلوري ملآن بالبياض المتفرق في أرجاء السماء العالية.
الغابات الخلّابة البعيدة عن المدن وضجيج السيارات
كيف لا وأيام ماي تلتقي مع تلك الغابات الخلابة البعيدة على ضوضاء المدن وضجيج السيارات ودخان المصانع والفضلات العشوائية المتكاثرة في الخرب النتنة المتعفنة بمياه الأمطار ، والمتجمعة في مصبات الساحات العامة، والتي يسودها احترام الانسان لجاره الإنسان، وعدم الاكتراث للزبالة والحرائق التي يشعلها الأهالي في الحي الجديد المعروف بحي الناموس والذي يبعد أميال قليلة على الغاب الجميل، وعلى طرقات القرية الرئيسية المؤدية لخارج المنطقة الساحلية وكل المناطق الحضرية وبداية تكاثر عدد السيارات ووسائل النقل الأخرى.