الرمز الشعري

ما هو مفهوم الرمز الشعري ؟

الرمز الشعري [1]  (  الرمزية بمفهومها الفني لم تعرف إلا في النصف الثاني من القرن الماضي. محمد فتوح أحمد، الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1984، 8 ) : هو وسيلة من الوسائل الفنية الحديثة التي لجأ إليها الشاعر الحديث للتعبير عما يجول بخاطره من أفكارٍ ورؤىً شعرية، تضاف هذه الوسيلة إلى الوسائل الفنية الأخرى التي يوظفها الشاعر في قصيدته.

وحقا لقد عرفت الآداب الأوربية في أطوارها التاريخية ـ كما عرفها الأدب العربي ـ أنماطًا مختلفة من التعبير غير المباشر يقصد فيها إلى استخلاص الأفكار عن طريق تمثيلها في شخصيات وهمية أو عرضها في قوالب وصور وأوضاع مادية، بيد أن هذه الطريقة في تجسيد الأفكار أو البرهنة عليها لم تكن غايتها الإيحاء الرحب غير المقيد بحدود الدلالة أو منطق الواقع، بل كانت وسيلة إلى تقرير أو استنباط مغزى خلقي أو تعليمي ( الرمز والرمزية : محمد فتوح أحمد ص8.

ويعني هذا أن الغرض من هذه الأنماط التي قصد إليها الشاعر العربي القديم، حينما توجه بالخطاب إلى الناقة، والسيف، والخيل، واستنطقهم، أو نطق بلسانهم، كان الغرض غرضًا تعليميًا، أو حِكَميًا بمعنى سوق حكمة، أو بث شكوى أو إحساسًا بهذه الحيوانات واهتمامًا بها، “وهذه الصورة بعيدة عن الرمز بمعناه الدقيق أي من حيث هو محاولة لإثارة مناخ نفسي في ذات القارئ شبيه بذلك الذي أحسه الكاتب أو الشاعر ( الرمز والرمزية : محمد فتوح أحمد ، ص8 ).

متى لجأ الشعر الحديث إلى الرمز الشعري ؟

وقد لجأ إليه الشاعر الحديث نتيجة لظروف سياسية واقتصادية وثقافية، بعد الحرب العالمية الثانية هذه الظروف الطارئة التي طرأت على المبدع العربي جعلت منه “أرضا خصبة لقبول التيارات الأدبية الوافدة، كالمذهب الرمزي الذي وجد قبولًا جارفًا من لدن المتلقي العربي كونه أدبًا جديدًا يتسم بالغموض وخفاء الدلالة وهو ما يتفق مع رغبات الطلائع المثقفة، التي من أجلها اتخذت من الرمزية منفذا للتعبير عن الواقع المهزوم، بأسلوب الإيحاء والإشارة، إخمادًا للبراكين المتأججة في نفسها، وإيصالًا للرسالة الشعرية عبر وسائل أسلوبية غير مباشرة، وهروبًا من بطش السلطان، فضلًا عن كونه منهجًا حديثًا معبرًا عن الأحاسيس والمشاعر والعواطف بطريقة الرمز والإيحاء ” (  جلال عبد الله خلف : الرمز فى الشعر العربي ، مجلة ديالى عدد 52، جامعة ديالى ، كلية القانون والعلوم السياسية ، العراق ، 2011) .

وهذه الظروف كانت متشابهة في كافة أقطار الوطن العربي، هذا بالإضافة إلى أن المبدع ميَّال بطبعه إلى الغموض والتعبير بالطرق والوسائل غير المباشرة “لمنح مضامين نصوصه آفاقًا بعيدة، ومساحات واسعة من خلال الغموض الذي يلف أجواء نصه، لينفتح فيما بعد على تأويلات متعددة وتفسيرات مختلفة ” ( المصدر السابق ) ، والفن على وجه العموم بأنواعه المختلفة يختلف عن غيره من النشاطات البشرية المختلفة فهو “أكثر الميادين التي يحل فيها الرمز محل الأشياء والموضوعات” ( عبد الهادى عبد الرحمن : سحر الرمز : مختارات فى الرمزية والأسطورة . مقاربة وترجمة ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، سوريا ، ط1 ، 1994م ، ص26).

توظيف الفن للرمز الشعري

والفن بصفة عامة يختلف عن غيره من النشاطات البشرية الأخرى فى توظيف الرمز الشعري ، والمبدع دائم البحث عن أدوات ووسائل فنية مبتكرة تساعده على توضيح رؤيته الشعرية ، والرمز قد يكون إطارا عاما للقصيدة يشملها كلها فتكون القصيدة كلها رمزية ترمز لشئ واحد ، وقد يكون الرمز جزئيا ، والرمز بوصفه إحدى التقنيات الفنية التى ي يتضام مع التقنيات الأخرى فى تجلية الرؤية الشعرية ، والشاعر بما أوتى من موهبة يستطيع أن يحمل رمزه من الظلال الإيحائية والمعانى ما يسهم إسهاما مباشرا فى إيصال مايريد إلى متلقى نصه ،  ولا يعنى هذا أن يكون الرمز ملغزا لدرجة ألا يستطيع المتلقى فك شفرته ، ولكن لابد أن يضع الشاعر الموهوب من المفردات الشعرية ما يمكن المتلقى من فض مغاليقه ، ونحن فى عالم الإبداع دائما ننتظر الجديد من الإبتكارات الفنية التى تضيف مزيدا من المتعة والفائدة للفن الشعرى .

بقلم: د. محمد راضي محمد الباز الشيخ

أضف تعليقك هنا