سجين المستشفى الأسود 2

خرجنا من مدينة قبة عبد العزيز بعد أربعة عشر سنة من مطاردة البوليس ومطاردة الأهالي لبرجلية فرفر، بعد قضاء ستة سنوات فد جمعية الفوتبول آس هاش، في مقر من مقرات حي النصر، وبعد أن أغلقت الجمعية، وتساءل الأهالي، هل هو نبي الله شعيب أو يونس رجع من جديد؟ ما هده الكارثة التي تعيش بيننا، هناك من يقول “نينجا”، وهناك من يكون معلم مجنون؟.

العودة إلى حي فرنس فيل

خرجت شاحنة النقل مودعة وسط المدينة، ودخلت حي الزياتين بفرنس فيل، وهناك الاستقبال من جديد، ودخل برجلية فرفر في مكان قرب الثكنة العسكرية، كانت الأصوات صدمة لبرجلية فرفر، حيث الأصوات تأتي من كل مكان مقرات فروع أحزاب مدرسة ابتدائية ومقهى لا يبعد سوى عشرين متر مكتظ بأحباء  فريق العاصمة الترجي الرياضي التونسي، طبقة فقيرة جدا تعيش على وقع الرامي، وما تقدمه لهم جمعية العمران من أخبار رياضية متفرقة،

كانت الصدمات في فرنس فيل، متتالية، وأول صدمة من النوع الثقيل أن صاحبة العقار هي عجور تجاوزت الستين من السنوات وكلتها أمها التي تعيش في فرنسا، وتركت لها المنزل تكتريه لجميع المغفلين الذين تعترضهم، وهاهو الدور يأتي على “برجلية فرفر” بعد وساطة من أخيه التيمومي القابسي.

كانت أوأو كعيكعة في نهاية المطاف، تكمل سنتيها الأخيرتين، بعد أن مدت الأربعة على الفراش مثل القطة الشيخة التي أصابها الإرهاق وهي تنادي ولا تعرف الدنيا تدور بأهلها تدور أو لا تدور، بينما برجلية فرفر اختارالطابق الأعلى، وأطل من النافذة فوجد القطط ترتمي في أحضان الياجور الأحمر للمبنى المقابل، فرماه برجلية فرفر بفراش  ومخدة صغيرة، واستلقى للنوم.

الروتين اليومي لبرجلية فرفر

كانت الأيام تمر رتيبة ومملة، بينما برجلية فرفر يصنع السجائر من التاي الأحمر بعد أن يلفها بالسكوتش والورق ، ثم يلخص الكتب الاقتصادية التي يقتنيها من المكتبة العمومية الملاصقة للمركز الثقافي ابن رشد وكان برجلية فرفر قد كون نادي لشطرنج الصغار بالمركز الثقافي فكان يوم السبت يتوجه بألواحه الخشبية وكراس الحضور لتقديم دروسه بكل انضباط وجدية. ولو أن الفكرة اعجبت الجماهير وخاصةجمهور فرنس فيل،لكن عيون النوادي الأخرى بدأت تتحرك نحو نادي الشطرنج بحكم الشعبية التي يمكن أن ينالها في هذا المجال الثقافي.

كانت مالكة العقار تبدو عليها علامات الغدر واللؤم والخبث، والتمرد والعصيان، وكانت تحمل بطاقة إعاقة ، ولها علاقات بأصحاب السوء والمؤمرات وبعض رجال الأمن الدين يتعاملون مع المنحرفين. وكان لها مفتاح المنزل وكانت تتصيد برجلية فرفر وتصدم عليه كل يوم في حدود القيلولة للخضوع لنزعاتها الجنسية، بالقوة، وكان برجلية فرفر قد أخبر بأن زبائن المنزل الذي يقطنه لا يمكنهم البقاء أكثر من عشرة أشهر، لذلك أخذ برجلية فرفر خذره من هذه الصفقة الخاسرة،

وفجأة خاطبت صاحبة العقار برجلية فرفر:

-تعالى حبيبي، لا تخف مني إني أمك وأريد أن نقيم أجواء جميلة ومنعشة؟

وتساءل برجلية فرفر ماذا أسمع ؟ ماذا أرى؟ هل أصبحت المالكة تتحرش بالمكترين؟ هل أصبح برجلية فرفر عبد مملوك في إرادة مالكة العقار الشمطاء يلبي نزواتها في كل يوم وفي كل لحظة بالقوّة أو بالهداية الخبيثة؟ هل نعيش نحن في قوانتانوا تسيطر عليه النساء العاهرات التي لا دين لها؟ هل أصبح كل شيء مباح لهذاالحد؟ هل هذا السجن الجديد الذي عوض مستشفى الاضطرات العقلية ؟

حالة الفقر التي يعيشها برجيلة فرفر

وأصبح برجلية فرفر يفكّر في حالة الفقر التي يعيشها مع الوالدة أوأو كعيكة مريضة مرض النهاية والموت، وماذا سيفعل مع ذلك القط الذي يتسلل إليه في الليل من النافذة ويسكت علبة الحليب المفتوحة ويسكبها بعد أن يصعد الطاولة ويعبث بها، ثم يغادر منصرف بعد أن يسيل الحليب على الطاولة وعلى الأرض، إنّها أسئلة حيرت برجلية فرفر، بعد تقزز من الوضعية التي يعيش فيها.

هل تخلى البوليس على وضعيته كمفروز أمني لمدة عشرين سنة منذ مغادرتة كلية الحقوق وقضية القروض الطالبية المنهوبة، والمعدلات الهابطة التي تقدمها مافيا عاشور القانونية للطلبة حتى تتخلص من شطر الطلبة وتتحول بذلك إلى  مشروع تجاري يبيع الشهائد للبرجوازية ولمن يرتمي في أحضان السلطة السياسية؟ وأصبح يفكر في تجارته في الغد وكيف سينزل من جديد مع هذه المعنويات المنخفضة وكيف سيقابل الزبائن من جديد في السوق الأسبوعية؟ وهل سيجني قوت يومه أن سيتسكع ولن يكسب تلك الدراهم المعدودة التي اعتاد على القناعة بها كل يوم في تجاربه بين الصباح الباكر ومنتصف النهار.

فيديو مقال سجين المستشفى الأسود 2

 

أضف تعليقك هنا

هاني القادري

هاني القادري كاتب تونسي