قراءة في قاموس التغيير

التغيير بالإنسان وللإنسان 

نبدأ مقالنا بقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). (الرعد، 11)، وهنا التغيير ثابت لم يتغير ولن يتغير لأنه جاء في أطهر الكتب السماوية على لسان رب العالمين، وقد أثبتت كل الدراسات والبحوث العلمية في إثبات ما هو ثابت في كتاب الله بجملة واحدة (التغيير يحتاج لتغيير)، وما التغيير إلا عملية مستمرة لا تنتهي يمارسها الإنسان للوصول للأفضل في كل المجالات، وهنا فـ التغيير بالإنسان وللإنسان، باعتبار أن الإنسان أداة ووسيلة وغاية وهدف في الوقت ذاته، وعلى الجميع أن يتغير ويغير من أساليبه وأفكاره، ابتداء من الدول وأنظمة الحكم إلى المؤسسات وحتى الدوائر الاجتماعية كالأسرة.

التغيير بالإنسان يبدأ من قناعته بالتغيير 

التغيير هو حالة شعورية فردية ورغبة داخلية لدى الإنسان لا يمكن أن تتحقق إلا عند وصول الإنسان لقناعته بالتغيير ورغبته في التغيير، فلا أحد يستطيع أن يغير أحد بشكل مباشر (لا الأب يغير أبناءه، لا الصديق يغير صديقه، لا الأخ يغير أخاه، ….الخ)، إنما يبدأ تغير الآخرين من مناخ وحوافز التغيير المطلوبة للإنسان لكي يبدأ في عملية التغيير ولنا في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الأمثلة فهو لم يستطع أن يغير مفاهيم عمه أبو طالب رغم أنه رسول الله المرسل ورغم أنه هيئ له المناخ والحافز للتغيير لكن الرغبة الداخلية في التغيير والقناعات الداخلية لم تتغير لدى عمه وبقي على شركه حتى مات ولهذا جاء قول المولى تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). (القصص، 56)

التغيير بالإنسان مطلب لتطور المجتمعات  

وعلى الرغم من أن التغيير والتجديد من سنة الله في الكون وأن دوام الحال من المحال، فإننا نعيش الآن عولمة ثقافية وتعليمية متغيرة ومتجددة لها تداعياتها الفكرية والإدارية والمعلوماتية والاتصالاتية، إلى الحد الذي جعل المفكرين والعلماء يطلقون على هذا العصر عصر (التغيير والتجديد)، ونلاحظ أن موضوع التغيير كان يطرح من سنين على شكل نصائح عامة ومجموعة ملاحظات واقتراحات أما اليوم فقد شهد هذا العلم تطوراً غير عادي وأصبح علماً يدرس وصارت له أبحاث علمية، كما تكتب به رسائل ماجستير ودكتوراه. وكما هو الحال في أي علم يبدأ بسيطاً ثم يتطور إلى أن يتحول لمنهج متكامل .

إذا ما هو تعريف التغيير؟

يمكن أن نعرف لغوياً: بأنه التبديل أي جعلت الشيء على غير ما كان عليه.
أما التغيير اصطلاحاً هو عملية تحول من واقع نحن نعيش فيه إلى حالة نرغب فيها (حالة منشودة).
ويعرف أيضاً بأنه تلك العملية المنهجية المنظمة التي تتضمن إدخال المعرفة العلمية الجديدة، وإضافة التكنولوجيا المعاصرة إلى مدخلات وعمليات النظم الإدارية من فكر وأهداف، وسياسات وخطط وبرامج وتجهيزات بما يُمكن الإدارة أو المؤسسة من الانتقال والتحول في مسارها من وضع قديم إلى وضع جديد. (فيله؛ عبد المجيد، 2015م)

وهنا نتعرف على أهم مجالات التغيير: (السيد، 2011م)

  1. التغيير في الأنشطة والأساليب التي يمارسها التنظيم باستخدام أنشطة جديدة.
  2. التغيير الأفراد العاملين على الصعيد الكمي والنوعي، فقد يتم الاستغناء عن بعض العاملين نظراً لعدم كفايتهم وإحلال غيرهم، وقد يكون بتنمية مهاراتهم أو تعديل أنماطهم السلوكية من خلال إعادة تأهيلهم وتدريبهم.
  3. التغيير الإمكانات والموارد المادية بالاستزادة من الموارد والطاقات المتوافرة أو الحصول على نوعيات جديدة تفوقها جودة.
  4. التغيير في السياسات ومنهجية اتخاذ القرارات من حيث اعتماد اللامركزية والمنهج الديمقراطي في التعامل مع العاملين.
  5. التغيير في الهيكلية التنظيمية والنظم والإجراءات ويتعلق ذلك بإعادة توزيع الاختصاصات والوظائف من حيث الإلغاء والاستحداث بهدف توفير الوقت والجهد والوصول إلى مستوى أعلى من الكفاءة.

ومن أهم أدوات التغيير الناجح: (صبرينة، 2013م)

  1. انتهاج النمط الديمقراطي في إدارة المؤسسات.
  2. إرساء قواعد الاتصال المفتوح بين القيادة والأفراد لتحقيق فهم مشترك للخطوات التغيرية.
  3. توفير الحد الأقصى من المعلومات والبيانات للعاملين فيما يتعلق بماهية التغيير وأسبابه ومحتواه وكيفية تنفيذ مراحله.
  4. المراقبة الشاملة والمتابعة الواعية لخطوات وتنفيذ الخطة التطويرية.
  5. تفويض المسئوليات للعاملين وفق قدراتهم ودرجة تحمسهم للخطوات التغييرية.

ونتطرق إلى أهم معوقات التغيير في المؤسسات:

هناك العديد من المعوقات للتغيير نجملها في: (المغربي، 2016م)

  1. معوقات تنظيمية: ترتبط بالهياكل التنظيمية من حيث سوء وسائل الاتصال والإجراءات الرقابية.
  2. معوقات سلوكية: تتعلق بمدى قبول العاملين بالتغيير ودرجة المقاومة وما يتصل بذلك من وجهات نظر وأنماط سلوكية.
  3. معوقات اقتصادية: ترتبط بنقص مخصصات برامج التغيير والتطوير وخاصة في الدول النامية.
  4. معوقات فنية: تتعلق بالتقنيات المتاحة والإمكانات والموارد المتاحة للحصول عليها.
  5. معوقات اجتماعية: تتعلق بالبيئة الثقافية والحضارية من أهداف وعادات وتقاليد وظروف اقتصادية، إضافة إلى العلاقات السائدة بين أفراد المجتمع والتركيب الطبقي.

ومن أهم مصادر التغيير التربوي: (فيله؛ عبد المجيد، 2015م)

  1. الحاجات والمشكلات التعليمية والتربوية، هذه الحاجات والمشكلات تعبر عن العوامل السلبية المحركة لعملية التغيير مثل: الغش في الامتحانات، الترقية عن طريق الأقدمية لا الكفاءة – المقررات التقليدية – ضعف مستوى خريجي الجامعة، وهناك مصادر للتغيير الإيجابي يطلق عليها مطالب التغيير من أجل التجويد في المدخلات المادية والبشرية والتنظيمية، ويسهم هذا التجويد في تطوير الفكر وتنظيم القيم وتعديل السلوك لدفع خطط التنمية في كافة المجالات وميادين الحياة المختلفة والمتعددة.
  2. حاجات ومشكلات المجتمع، قد يكون الدافع للتجديد من خارج المؤسسات التربوية كالتغيرات الاجتماعية والتحولات السياسة والاقتصادية والتعليمية، وهنا تظهر مبادرات التغيير بما يتلائم مع متطلبات التغيير في المجتمع لتحقيق طموحاته لمواكبة هذه التحولات والتغيرات، وتعُبر العوامل البيئة عن الحاجات والمشكلات المجتمعة التي تجعل المؤسسات التربوية في وضع يدعو لإعادة هيكلتها وتنظيمها لمحاولة التخلص من الضغوط الواقعة عليها من جراء التحولات المختلفة في المجتمع ومحاولة لإثبات الوجود وخدمة للمجتمع.
  3. الحاجات والمشكلات الدولية والعالمية، في ظل العولمة وتشبيه العالم بقرية صغيرة بل أصبح العالم حجرة صغيرة، وتراكم المعلومات بكميات هائلة مع سرعة وسهولة الاتصال وثورة المعلومات، وتصارع الحضارات. كل هذه عوامل تحتم على المؤسسات التربوية خاصة في الدول العربية ودول العالم الثالث ضرورة التجديد والتغيير والتطوير الثقافي لزيادة وعي الأفراد بل والمجتمع بما طرأ على بنية العالم من تغيير هائل وشامل، وإثارة اهتمامه بالقضايا العالمية المشتركة من أجل الوصول إلى قاعدة علمية راسخة للثورة على التخلف والجمود الفكري والإداري، ليواكب الفكر العلمي العالمي المستنير والمتجدد، والمعرفة العصرية والتكنولوجية لمواجهة تحديات العولمة وسلبياتها التي لا ترحم، وفي نفس الوقت نسهم في استيعاب وتطويع المعطيات الايجابية للعصر في ثقافة المجتمع العالمي وخدمة للمجتمع المحلى.
  4. نتائج وتوصيات البحوث والدراسات العلمية، قد يحدث التغيير والتجديد التربوي استجابة للمعرفة العلمية التي أفرزتها الدراسات والبحوث العلمية، هذا بجانب أن الدراسات والبحوث العلمية ونتائجها عملية مستمرة ومتجددة تحتم استمرار وتجدد عملية التغيير التربوي والاهتمام به مواكبة ومسايرة للتقدم العلمي العالمي، وإلا فلن يرحمنا أحد كما أن استمرارية التغيير تلبية لنتائج الدراسات والبحوث تُفعل القدرة على زيادة الإنتاج وتوليد المعرفة وتطويعها لخدمة الواقع المجتمعي والبيئي، هذا إضافة إلى أن التغيير في مثل هذه الأمور يسهم في استيعاب التكنولوجيا الحديثة، وكيفية استخدامها وتطويرها.

ونذكر هنا التوجهات المستقبلية في خطط وبرامج التجديد التربوي والإداري:

تعد محاولة استشراق المستقبل اجتهاد منظم علمی يهدف إلى التعرف على مجموعة التوقعات التي تشمل المعالم الرئيسة لأوضاع ومتغيرات مجتمع ما خلال مرحلة زمنية مقبلة محددة ، واستشراق المستقبل ينطلق من استلهام الماضي ودروسه ، وتفعيل معطيات الحاضر للوقوف على أثر دخول عناصر مستقبلية جديدة في النظم الإدارية والمنهجية والتربوية ونظام المجتمع ككل.

والتجديد التربوي الايجابي يعتمد على أساليب دراسة المستقبل من أجل تطوير مدخلات وعمليات ومخرجات العملية التعليمية والبحث العلمي حتى تتمكن المؤسسات التربوية من الإسهام في ثقافة ومتطلبات العصر، وعليه فإن المؤسسات التربوية في حاجة إلى التماس المستقبل لتطوير الحاضر أي يجب الاهتمام بمؤسسات تربية المستقبل باعتبار ذلك ضرورة قومية حتمية في إطار استخدام مفاهيم التصور والتوقع المحسوب وعبر أساليب دراسة المستقبل، وذلك لمواجهة احتمالات المستقبل المستمر بلا انقطاع اعتماد على التصور المبدع والتخطيط الاستراتيجي لتفعيل مدخلات التعليم وتنشيط وتفعيل عملياته وتجويد مخرجاته تحقيقا للأهداف المنشودة.

الخلاصة:

أن التغيير أصبح في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية مطلباً لا غنى عنه لمواجهة هذه المتغيرات ومجابهة شبح التخلف والضعف، والتحاقاً بمسيرة التقدم العلمي والتقني الهائل، ومن ثم وجب تضافر كافة الجهود والقدرات والاستعدادات على كافة الأصعدة لبناء منظومة تربوية متجددة قادرة على التغيير والتجديد بصفة مستمرة لاستيعاب متطلبات العصر لمواجهة مشكلات المجتمع الكثيرة والمتعددة والمعقدة والمتشابكة والمتداخلة.

وأيضاً للإسهام في التنمية الشاملة في المجتمع من أجل حاضر زاهر وغد مشرق. وهذا يتطلب إعادة النظر في المؤسسات التربوية وإداراتها وهياكلها العلمية والإدارية وسياساتها المختلفة لأن أية تنمية لا بد أن يكون للتعليم والنظام التربوي دور فعال فيها حتى تؤتي ثمارها وتحقق أهدافها المنشودة بأقصى درجة من الإتقان والتجويد مع الحفاظ على القيم والتقاليد والأعراف الاجتماعية والدينية والوطنية الأصيلة ولغرس وتعميق الهوية الوطنية وزيادة الانتماء للوطن والتفاعل مع كل المستجدات العصرية بمرونة وديناميكية وعقلية مستنيرة قادرة على استيعاب متطلبات العصر وفهم كل جديد.

مقولات شهيرة:

هيراقليطس:  (الشي الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر).
مهاتما غاندي: (كن أنت التغيير الذي تريده أن تراه في العالم).
سقراط: (السر في عمل التغيير يكمن في أن تركز طاقتك ليس في محاربة القديم، بل في بناء شيء جديد).
أوبرا وينفري: (أعظم التحولات تأتي من أصغر التغيرات، تغيير بسيط في سلوكك يمكن أن يغير عالمك ويعيد تشكيل مستقبلك).
ليو تولستوي: (الجميع يفكر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه).
ريتشارد نيلسون بولز: (لا يمكن للتغيير أن ينجح قبل أن تتوفر لنا أرضية صلبة نقف عليها، وهكذا نتعامل بإيجابية مع التغيير).

المراجع والمصادر:

القرآن الكريم:

  1. (سورة الرعد، آية 11) .
  2. (سورة القصص، آية 56) .
  3. فيله، فاروق؛ السيد، عبد المجيد. (2015م). السلوك التنظيمي في إدارة المؤسسات التعليمية. دار المسيرة. مصر.
  4. المغربي، محمد الفاتح محمود بشير. (2016م). السلوك التنظيمي. دار الجنان للنشر والتوزيع. عمان.
  5. السيد، أحمد. (2011م). مدخل دراسة السلوك التنظيمي. عمان، دار الميسرة للنشر والتوزيع.
  6. صبرينة، حديدان . (2013م) . مراحل ومعوقات تطبيق التغيير التنظيمي. “إدارة الجودة الشاملة أنموذجا”. مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية. العدد 12. جامعة منتوري قسنطينة. الجزائر.

فيديو مقال قراءة في قاموس التغيير

 

أضف تعليقك هنا