العدالة التنظيمية

المقدمة

}إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا{  (سورة النساء: 58).وقد أمر الله تعالى بالعدل في شؤون الحياة كلها: قال تعالى }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ  يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ (سورة النحل: 90)،فالإسلام حثنا ووجهنا للعدل في جميع شئون الحياة وإعطاء الحقوق وإنصاف الجميع.

و في ظل التقدم الإداري، والمفاهيم الحديثة التي فتحت آفاقا جديدة أمام المنظمات لتحقيق أهدافها، من زيادة الإنتاجية، رفع مستوى الأداء والحصول على السبق، والريادة مع ضمان الاستمرار والبقاء، ونظرا لأن هذه المفاهيم الحديثة تسعى لاستغلال أهم عناصر العملية الانتاجية ألا وهو العنصر البشري؛ لذا فقد توجهت الأنظار نحو العوامل ذات الأثر المباشر على سلوك العاملين.

فكان من أهم هذه العوامل  العدالة التنظيمية، وهي موضوع شخصي، وذو مفهوم وصفي؛ لأنها تعتمد على ما يعتقد الفرد صوابه بدلا من اعتماده على الواقع والقواعد والقوانين، لذا فالعدالة التنظيمية ينظر إليها على أنها التقييم المعنوي والأخلاقي للسلوك الإداري، وما يترتب عليه من تبني الإدارة لوجهة نظر الموظف (أي أن تحاول الإدارة فهم ما هي أنواع الأحداث التي تولد الشعور بالعدالة التنظيمية، فالمدراء عادة ما يعتقدون أن العدالة في عقول الموظفين ماهي إلا أن يتلقى العامل العائدات التي يرغبها؛ لذا فهؤلاء المدراء يحدث عندهم خلط بين النتائج المفضلة، وعدالة المخرجات).

وتشير الداية (2012، ص20) إلى العدالة التنظيمية بأنها قيمة مهمة، وإحساس وإدراك إنساني، يشعر به أعضاء المؤسسة في إطار التقييمات المتولدة، نفسية، وإدارية، من خلال إجراء المقارنات بين القيم التبادلية المتحصل عليها من قبل الأعضاء، وإدارة المؤسسة. وبذلك تصبح العدالة التنظيمية شعور وجدانية عقلية يمكن التوصل إليه عبر مجموعة من العمليات العقلية، والانعكاس الذهني للمشاعر الدالة على العدالة من عدمها.

ومع أن مفهوم العدالة حديث إدارية إلا أنه متفق عليه سياسية، وهذا يظهر من خلال عبارة رسول کسری حيث قال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حكمت فعدلت فأمنت فنمت) فأتت هذه المقولة ملخصة، ومجملة لأهم آثار العدالة، ألا وهو الأمن، فمتى أمن الإنسان على نفسه، وماله وأهله استطاع أن ينجز، وأن يعطي، وأن يبذل الجهد تلو الجهد، ليحقق الأهداف العامة متجاوزاً بذلك الأنا الداخلية التي يرغب الفرد من خلالها تحقيق أهدافه الخاصة على حساب المصلحة العامة.

مفهوم العدالة التنظيمية

ترجع الأصول التاريخية لمفهوم العدالة التنظيمية إلى العالم آدمز الذي نادى بالعدلة والمساواة في معاملة الفرد في مكان عمله، حيث يرى أن المحدد لجهود العامل، وأدائه، والرضا عنه هو المساواة، أو عدم المساواة التي يدركها في وظيفته، وتعتمد نظرية العدالة، على فكرتي المدخلات والعوائد بالنسبة للفرد، حيث يقارن الموظف نسبة ما حصل عليه من عوائد، مع ما حصل عليه زميله فإذا كانت المقارنة غير عادلة، فسيندفع الموظف لجعلها أكثر توازنا(العمري وعيسى ،2011، ص 187).

أما العدالة التنظيمية كما تراها الداية (2012، ص19) هي شعور العاملين بالإنصاف والمساواة، في توزيع المهام والواجبات، وتطبيق القوانين والأنظمة دون تحيز وفي نزاهة القرارات التي يتم اتخاذها دون إجحاف لحقوق العامل أو واجباته، وفي المعاملة التي يعامل بها من قبل مديره ومدى إدراكه لها، والشفافية والموضوعية في نظام تقييم أداء العاملين، وهذا يتم من خلال مقارنة ما يقدمه العامل من جهد في مجال عمله بجهود اقرأنه، وزملائه وما يترتب على تلك الجهود من نتائج ومردودات والعدالة.

وتكون العدالة التنظيمية من خلال عملية مراقبة تخصيص الموارد، واتخاذ القرارات، والتفاعل بين الأفراد في المنظمة، حيث يلاحظ الموظفين موضوعية النتائج، ويحكمون على العملية أنها عملية عادلة أو غير عادلة.

أهمية العدالة التنظيمية

ويشير الأسمري (2013، ص 15) إلى أن أهمية العدالة التنظيمية تكمن في أن العدل مطلب أساسي في كل شؤون الحياة، فلا تستقيم الحياة بدونه، فبالعدل يأمن الإنسان على نفسه، وعلى حقوقه من الجور، والظلم، والتعدي، والعدالة التنظيمية ما هي إلا تطبيق للعدل داخل المنظمات، بل إن تطبيقها في المنظمات يساعد على خلق بيئة عمل مناسبة، يضمن العامل فيها أن يحصل على حقوقه بإنصاف من خلال جودة المعاملة، وتطبيق الإجراءات التنظيمية وفق معايير موضوعية، وترجع أهمية العدالة التنظيمية إلى علاقتها المباشرة بمجموعة كبيرة من المتغيرات التنظيمية، والتي تؤثر على فاعلية المنظمة وكفاءتها.

ومن القواعد التي يعتقد أنها تشكل القالب الذهني لإدراك الأفراد معنى العدالة ما يلي:

  1. قاعدة الاستئناف: بمعنى وجود فرص للاعتراض على القرارات، وتعديلها إذا ظهر ما يبرر.
  2. القاعدة الأخلاقية: أي أن يتم توزيع الموارد وفقا للمعايير الأخلاقية السائدة.
  3. قاعدة التمثيل: إذ يجب أن تستوعب عملية اتخاذ القرارات وجهات نظر اصحاب المصلحة.
  4. قاعدة عدم الانحياز: فيها يجب عدم تمكين المصلحة الشخصية من التأثير على مجريات عملية اتخاذ القرارات.
  5. قاعدة الدقة: أي بناء القرارات على أساس المعلومات الصحيحة، والدقيقة، والموثوقة المصادر.
  6. قاعدة الانسجام: وفيها ويجب أن تنسجم إجراءات توزيع الجزاءات، والمكافآت على جميع الأفراد، وفي كل الأوقات. (حسنين، 2013، ص 32-33).

مكونات العدالة التنظيمية

أن العدالة التنظيمية تتضمن المكونات التالية (Russell et, alm 2007, p36):

  • الإنصاف: مكافأة العاملين على أساس مساهماتهم.
  • المساواة: توفير التعويض نفسه لكل موظف
  • الحاجة: توفير المنفعة على أساس احتياجات المرء الشخصية
  • المناسبة: ملاءمة النتائج
  • الاتساق: يتم التعامل مع جميع الموظفين بالشيء نفسه
  • عدم التحيز: لا يجب التحيز لأحد أو مجموعة بالتمييز أو سوء المعاملة
  • الدقة: تستند القرارات على معلومات دقيقة
  • تمثيل جميع الأطراف المعنية: يجب أن يكون مناسبا لأصحاب المصلحة
  • التصحيح: هناك عملية استئناف أو آلية لتحديد الأخطاء
  • الأخلاق: لا تنتهك قواعد السلوك المهني
  • التعامل مع الآخرين بعدالة: احترام الموظف ومجاملته والحفاظ على كرامته
  • العدالة الإخبارية: عدالة توزيع تبادل المعلومة ذات الصلة مع الموظفين.

آثار العدالة التنظيمية

مستويات العدالة التنظيمية العالية تخلق مستويات مرتفعة من الالتزام لدى العاملين نحو منظماتهم ومستويات مرتفعة من المواطنة التنظيمية وتقدم في الأداء الوظيفي ومستويات مرتفعة من الرضا لدى العملاء.

الشعور بالظلم هو ضرر مباشر على الصحة النفسية للموظفين، ويساهم في زيادة التوتر لديهم، فالمستويات المنخفضة من العدالة تؤدي إلى زيادة احتمالات الانتقام، والدعم النقابي لهذه الأفعال.

إن عدم توفر أي بعد من أبعاد العدالة التنظيمية، يمكن أن يمثل خطورة على المنظمات، وذلك على النحو الآتي:

  • بالنسبة لبعد العدالة التوزيعية، فقد توصلت الدراسات إلى أن الشخص يستشعر انعدام العدالة عندما يجد أن نسبة عوائده مقارنة بمدخلاته ونسبة عوائد الآخرين مقارنة بمدخلاتهم متفاوتة، مما يسبب انخفاض مدركات العاملين لهذا البعد، وينتج عن ذلك آثار سلبية كانخفاض كمية الأداء الوظيفي جودته ونقص التعاون مع زملاء العمل، وضعف ممارسة سلوكيات المواطنة التنظيمية.
  • بالنسبة لبعد العدالة الإجرائية، فقد تم التوصل إلى أن عمليات صناعة القرارات غير العادلة ترتبط بالعديد من التبعات التنظيمية السلبية: مثل انخفاض التقييم الكلي للمنظمة، ونقص الرضا الوظيفي، وانخفاض الانتماء التنظيمي. (أبو جاسر، 2010، ص 17).

فالغضب والشعور بالظلم كثيرا ما يؤدي إلى سعي الأفراد؛ لإيجاد طرق لاستعادة وإصلاح حالة التوازن لديهم في علاقتهم بالعمل، وعلى سبيل المثال، عندما يرى الأفراد أن صاحب العمل لم يسهم في العلاقة بالقدر المطلوب الذي كان متوقعا، يقوم العاملون بالتقليل من جهودهم التي يبذلونها، سواء في الأنشطة المرتبطة مباشرة بمهام وظائفهم، أو في الأنشطة التي تؤثر بصورة عامة في بيئة العمل.

لذلك من الضروري بمكان ان تسود العدالة في مجتمع العمل، حرصاً على الفائدة المرجوة للجميع بدء من رأس الهرم صاحب العمل مروراً بالمسؤولين، والموظفين بمختلف مسمياتهم واعمالهم لأن ذلك ينعكس على إنتاجية العمل و الولاء للمؤسسة و العمل .

المراجع

  • القرآن الكريم.
  • السنة النبوية.
  • حسنين، أحمد (2013) الاحباط الإداري الأسباب والعلاج. دار الكتب المصرية. المجموعة العربية للتدريب والنشر، مصر.
  • أبو جاسر، صابرين (2010) أثر إدراك العاملين للعدالة التنظيمية على أبعاد الأداء السياقي دراسة تطبيقية على موظفي وزارات السلطة الوطنية الفلسطينية،” رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية-غزة، فلسطين.
  • داية، سناء (2012) درجة ممارسة مديري مدارس وكالة الغوث الدولية بمحافظات غزة للعدالة التنظيمية وعلاقتها بالرضا الوظيفي للمعلمين،” رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية-غزة، فلسطين.
  • الأسمري، سعيد (2013) مدركات العدالة التنظيمية وعلاقتها بالالتزام التنظيمي، “رسالة ماجستير”، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، المملكة العربية السعودية.
  • العمري، أيمن أحمد، ومحمد عيسى، ريد قاسم، (2010،( النماذج التنظيمية السائدة في الجامعات الأردنية وعلاقتها بالعدالة التنظيمية كما يدركها أعضاء الهيئة التدريسية، مجلة اتحاد الجامعات العربية، الأردن، عدد 56 .
  • Russell C., and David E B., and Stephen W G.(2007).The Management of Organizational Justice, Academy of Management.University in New York. . p 36-39.

فيديو مقال العدالة التنظيمية

أضف تعليقك هنا