خطاب العنونة في رواية “كلانداستينو صقيع البلقان الحارق” لعبد القادر بعطوش

يعدُّ العنوان من العتبات التي ركزَّ عليها جيرار جينات وباحثو السرديات، إنّه علامة لسانية ذات بعد سيميائي يحقق للنص وظيفته التعيينية والتأثيرية على التلقي والمدلولية، ولمَّا كان عنوان هذه الرواية ملفتا للانتباه، جاذباً للقارئ فإنّ ذلك يضمن تحقيق وظيفةٍ إغرائية ليسهم في فهم المحكي المتخيل وكشف مدى اتساع أفق الروائي.(رواية كلانداستينو صقيع البلقان الحارق). (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم أدب)

دراسة نقدية لرواية “كلانداستينو صقيع البلقان الحارق”

ينهض الخطاب السردي المفكك موسوما بعنونة رئيسية “كلانداستينو” وعنونة فرعية متممة “صقيع البلقان الحارق”. وينفتح العنوانين على مجموعة أسئلة تباغت القارئ: ما معنى كلانداستينو؟ ولما تم اختيار لفظة أجنبية دون مفردات اللغة العربية؟ ما دور المفارقة اللفظية في العنوان الفرعي في فهم النص الروائي؟

ما معنى كلمة كلانداستينو؟

كلانداستينو (Clandestino) مفردة اسبانية تعني في عموم مدلولها اللغوي المستور أو السري أو المخفي. وما المستور الذي أراد الروائي الابانة عنه سوى الحال التي يعيشها المهاجر غير الشرعي، باعتبار أنَّهم من الهامش لا يُهتم بذكرهم كثيرا وقد يكون السري في هذه الرواية أكبر من مضمون اجتماعي، فيحمل أنساقا مضمرة ومدلولات سياسية مباشرة وغير مباشرة ويتدعم رأينا هذا بالاستدلال بعتبات النص الموازي بدءا بالإهداء الرمزي” إلى الذين ظنوا أنَّ الوطن لهم وإلى الذين ظنوا أنّ الوطن ليس لأمثالهم…”

والنص الاستهلالي غير التأليفي للكولومبي -والذي لا نستبعد تأثر الروائي بواقعيته- غابريال ماركيز “هنا في هذه المدينة لم يقتلونا بالرصاص قتلونا بالقرارات”، ومن هنا على القارئ أن ينتبه أكثر لفهم التأثيرات المضمرة للسلطة السياسية على التأثير على هجرة هؤلاء (الحراقة) فيكون هذا الجانب بابا آخر لتحليل هذا النص الروائي.

لماذا اختار الكاتب عنوان كلاندستينو؟

كلانداستينو عنوان يؤكد إلحاح الروائي على استدعاء قارئ نموذجي على حدّ تصور أمبرتو ايكو او مثالي كما قدمه آيزر وهذا يكشف بالضرورة عن طبيعة الرواية الحداثية. وعدا أنّ هذا العنوان يضم مدلولا داخل المتخيل باعتباره اسما لشخصية سردية إلاّ أنه يحمل إشارة إلى أغنية جزائرية بنفس العنونة صدرت في 2017 من نوع “الراي” لفنان يدعى “ماستر سينا”. وما يلفت الانتباه ليس هذا التناص العتباتي بقدر ما يتماثل موضوع الرواية مع ثيمة الأغنية عن الهجرة غير الشرعية. فهل كانت هذه الأغنية ملهمة للروائي للالتزام بهذه القضية؟

من هو كلانداستينو وعن ماذا يعبّر؟

كلانداستينو في الرواية ليس شخصية بقدر ما هو صورة سردية لكل مهاجر غير شرعي، اختارها الروائي لتعبر عن عواقبها وسلبياتها الخفية عن العيان لاعتقاد الجميع أنّ الجنة في أوروبا، يقول كلانداستينو: “أنا رسول الحقيقة لكم” ولما يصر الراوي على تفاعل القارئ مع ما يسرده ويتأثر به سيكون حاله النجاة “لكن من يهلك ينج” وهو بعد التزامي لهذا الخطاب الروائي ويكشف عن سر التجنيس الملحق “سيرة” وإن كانت الرواية لا تحمل كثيرا خصائص السيرة. يدل كل هذا على أنّ اختيار مثل هذه العتبة الأولى فعل مدروس وواع لا يؤدي وظيفة تسويقة اشهارية بقدر ما يؤدي وظيفته الدلالية.

العنوان الفرعي للرواية

في العنوان الفرعي لا يمكن التغافل عن المفارقة اللفظية الواردة، (صقيع/الحارق) الواصفتين لدول البلقان جنوب شرق أوروبا والتي ترد على ذات الشاكلة في النص الروائي على لسان “كلانداستينو”: “بعثني الله إلى عالمكم هذا (…) لأكون كلانداستينو الهارب من جحيم البلقان البارد وبعد صفحة يضيف: “طريق البلقان، طريق الموت، أو كما أطلقت عليه اسم الجحيم البارد…”. هذا التأكيد السردي على برودة جحيم البلقان قد يحيل دلاليا إلى المجرى البحري الذي ينقل المهاجر غير الشرعي إلى تركيا ثم بلغاريا والذي رغم برودته يعتبر امتدادا لجحيم مؤكدٍ.

الرواية من حيث الجانب الديني والسردي

إمَّا دينيا باعتبار المهاجر قد ألقى بنفسه إلى التهلكة أو سرديا بتصوير السارد لما عاشه كلانداستينو وسيعيشه كل (حراقّه) يفكر بالذهاب عبر هذا المسلك. من جهة أخرى تحيل هذه التقاطبية إلى ثنائيات موضوعاتية وحكائية، يصلح للاهتمام بالأولى دراسات النقد الثقافي لأنَّها تتمحور حول ثنائية المركز والهامش بالدرجة الأولى وبقية الثنائيات (الأنا والآخر، الشرق والغرب، المهاجر والمجتمع، المثقف والسلطة،…).تندرج ضمنها.

أما سرديا فترد تقاطبات مكانية (البيت/الشارع، البلدان الغربية والجزائر) وزمنية (الذاكرة/ الحاضر) وثنائيات لفظية (الشياطين، الملائكة) وهي مكررة بشدة تنسجم مع صراع الذات مع الوطن واغترابها فيه وهي مداخل أخرى تسمح بالتعمق أكثر نقدا وتحليلا في الرواية.

فيديو مقال خطاب العنونة في رواية “كلانداستينو صقيع البلقان الحارق” لعبد القادر بعطوش

أضف تعليقك هنا