سياسة الاختيار كمدخل للأداء المؤسسي المتميّز

المقدمة

إن العصر التنافسي الذي تخوضه المنظمات اليوم، يحتم عليها أن تركز على نوع المورد البشري لديها، وبذلك فهي ملزمة بالتركيز على سياسة اختيار متميزة لموظفيها و تطوير قرارات التعيين لديها. فمن البديهي أن الأفراد العاملين ھم الثروة الحقيقة وسلاح التميز للمنظمات، أي أن سياسة الاختيار الجيدة والسليمة للكوادر البشرية، و التوجه نحو توظيف سياسات جذب الموظفين الملائمین للعمل، تعد من أھم أدوار إدارة الموارد البشرية. (اقرأ المزيد من المقالات على موقع مقال من قسم إدارة).

عند الحديث عن السياسة المتميزة لاختيار الموظفين، يجوب في أذهاننا فورا أن الاختيار يأتي على مبدأ التنافسية بين شروط قبول الموظفين، مما يدفع المنظمة إلى اختيار الموظف الأفضل والأجدر، صاحب الكفاءات والمهارات العليا، ينتج عنه بلوغ المنظمة لمستوى الأداء المؤسسي المتميز في إنجاز الأعمال.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لسياسة الاختيار أن تلعب دوراً هاماً في الأداء المؤسسي المتميز؟مما لا شك فيه أن عصر العولمة بكل مقتضياته، أوجب على أصحاب المنظمات، التركيز على فكرة تأمين العناصر البشرية المميزة، من خلال أسس وإجراءات عملية في اختيارهم وتعينهم، والتي تقوم على أساس التوافق بين واجبات ومسؤوليات الوظيفة ومؤهلات وقدرات وخبرات المتقدم لها.

وهنا يتطلب منا الوقوف عند مفهوم عملية الاختيار “فهي عبارة عن سياسات وإجراءات من شأنها ضمان اختيار الأفراد وفق مبدأ الجدارة من خلال التنبؤ بأفضلية المتقدمين للعمل وأي منهم سيحقق النجاح إذا ما تم تعيينه”(الطائي و العبادي،2015).

لماذا يجب على المنظمات الاهتمام بسياسة الاختيار ؟

وبناء على المفهوم السابق يراودنا سؤال ، لماذا يجب على المنظمات الاهتمام والحرص على سياسة الاختيار؟لقد أكدت جميع الأدبيات أن أهمية سياسة الاختيار ترجع إلى (توفيق، 2011) :

  1. وضع الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة في الوقت المناسب، بما يُمكن الفرد من الاستغلال الكامل لإمكاناته وطاقاته.
  2. الفرز الفعال للأشخاص المتقدمين للعمل يوفر التكاليف العالية للتدريب والتأهيل.
  3. إظهار الوظائف التي تناسب راغبي العمل من حيث مهاراتهم وقدراتهم مما يؤدي إلى اختيارهم للوظيفة التي تناسبهم(القحطاني، 2015).

أهداف سياسة الاختيار

كل هذه الأهمية لسياسة الاختيار ، توجهنا ناحية التعرف على أهداف الاختيار التي تصب في مصلحة المنظمة وهي كالأتي(القحطاني، 2015):

  1. تحديد مدى توافر الخصائص الفردية كمتطلبات لازمة لشغل الوظيفة.
  2. وضع أسس سليمة لعملية التدريب، حيث أن الفرد المناسب للوظيفة يسهل تدريبه وتقل تكلفة تدريبه عن الفرد غير المناسب.
  3. إعداد قوة عمل فعالة ومنتجة من خلال الاختيار الفعال.
  4. تحقيق درجة رضا عالية بين العاملين من خلال شعورهم بالتكيف مع وظائفهم وإمكانيتهم تحقيق بالتقدم في المسار الوظيفي.

هل توجد معايير محدّدة تقوم عليها سياسة الاختيار ؟

مما لا شك فيه أن هناك معايير عامة تقوم عليها سياسة الاختيار وهي(توفيق،2010):

  1. الخبرات السابقة: وهي ما اكتسبه الفرد خلال فترة حياته العملية من معارف ومعلومات.
  2. مستوى التعليم والدورات التدريبية السابقة: وهي توافق معارف الفرد الدراسية مع متطلبات العمل وجزئياته مما يقلل من التدريب اللازم له.
  3. المهارة: وهي قدرة الفرد على الربط بين قدراته العقلية والبدنية وتوظيفها لحسن أداء العمل.
  4. القابلية: وهي قدرة الفرد على التعلم واستيعاب الأعمال الجديدة بحكم ما يملك من معارف وقدرات.
  5. المسؤولية: وهي مدى إمكانية تحم الفرد تبعات الواجبات المكلف بها.

العوامل المؤثرة في عملية اختيار شاغل الوظيفة

أشار كابور (Kapur,2018) إلى أن هناك عوامل داخلية وخارجية تؤثر في عملية اختيار الموظفين وهي:

العوامل الداخلية

  1. حجم المنظمة أي كم احتياجاتها من الموظفين.
  2. سياسة التوظيف أي تحديد أهداف وبرامج التوظيف.
  3. سمعة المنظمة الإيجابية تؤدي إلى سهولة جذب الموارد المختصة والكفاءات.
  4. صورة الوظائف من حيث الأجور والترقيات والاعتراف وبيئة العمل الودية مع فرص التطوير الوظيفي.

العوامل الخارجية

  • أما أهم العوامل الخارجية التي أشار إليها كابور هي  المنافسين: أي عندما تتنافس المؤسسات في نفس المجال على أفضل الموارد المؤهلة، تكون هناك حاجة لتحليل المنافسة وتحليل الوظائف للوصول إلى وصف وظيفي ذا كفاءة عالية لشاغل الوظيفة.

إجراءات عملية الاختيار

تبدأ عملية الاختيار، بعد الانتهاء من عملية التخطيط للموارد البشرية، ومن ثم عملية توصيف الوظائف فعملية الاستقطاب التي تُعنى بجذب الأفراد ذوي الخصائص المعينة لتقديم الطلبات للوظيفة الشاغرة، وبذلك يتم تطبيق عملية الاختيار من خلال  التعرف على مقتضيات ومتطلبات الوظيفة، و اختيار الاختبارات المناسبة لقياس شخصية وقدرات ومواهب ودافعية شاغل الوظيفة ، وبعد ذلك يتوجب على إدارة الموارد البشرية أن تقوم باختيار مجموعة من الاختبارات السيكوتقنية التي يتم تطبيقها على المتقدمين للوظيفة، من خلال وضعهم في مواقف وظروف محددة للتنبؤ بسلوكهم، وتحديد خصائصهم الفيزيولوجية والأكاديمية، والثقافية، وحالتهم المدنية.

خطوات عملية الاختيار

كما لعملية الاختيار خطوات هامة في المنظمة هي (منظمة العمل الدولية،2016):

  1. مراجعة رؤية الشركة وأهدافها الاستراتيجية.
  2. مراجعة أهداف واستراتيجية الموارد البشرية.
  3. تقييم الموارد البشرية الحالية: العدد المتاح من الأفراد في المنظمة مع تحديد مؤهلاتهم.
  4. توقع احتياجات الموارد البشرية: عدد الأفراد المطلوبين ومؤهلاتهم.
  5. تطوير وتنفيذ خطو الموارد البشرية لتطبيق الافراد مع الوظائف المطروحة :
  • التعيين والاختيار.
  • التدريب والتطوير.
  • التعويض المالي والفوائد.
  • علاقة العاملين بالإدارة.

المنافسة بين المنظمات في اختيار المورد البشري للوصول إلى الأداء المؤسسي المتميز

إن التنافس اليوم بين المنظمات يوجهها لتقديم منتج وخدمات تنافسية ، قائمة على مدى  الأداء المتميز المستند إلى نوعية موظفي المنظمة، وقدرتهم المختلفة على فهم احتياجات العملاء وتقديم الخدمات التي تلبي هذه الاحتياجات بشكل أكثر إتقان وجودة . إن واقع اليوم والغد سيطالب أصحاب المنظمات بالحكمة في اختيار الموظفين وضرورة إدراك أن الأفراد الذين يعملون معهم هم الذين سيحددون نجاحهم أو فشلهم، كما سيطالب الموظفين بالالتزام والولاء والموهبة والنزاهة والتميز في الأداء، خاصة في عالم أكثر صعوبة وأكثر قدرة على المنافسة (كالدويل وأندرسون Caldwell & Anderson,2018,)

وهذا يوصلنا إلى ضرورة التطرق إلى مفهوم الأداء المتميز حيث عرفه (ورد، 2020) ” أنه أعلى مستوى من مستويات الأداء التي يمكن أن يقدمها أفراد المنظمة ، والاستغلال الكامل للموارد المتاحة من أجل الوصول إلى الابتكار و تحقيق أهداف جديدة ، كما أنه مدى قدرة المنظمة على إرضاء زبائنها وخلق قيمة لها بين المنظمات المنافسة”.

وهنا أكد (بخليلي وشلالي، 2020) أن فلسفة التميز تحتاج مقومات أهمها:

  1. وجود نظام متطور لإدارة الموارد البشرية يبين الطرق والآليات للتخطيط والاستقطاب والاختيار و، تدريب الموارد البشرية وتنميتها وتوجيه أدائها بما يكفل تنميتهم وتميزهم ونجاح مسارهم الوظيفي.
  2. ضرورة وجود نظام لإدارة الأداء يتضمن قواعد وآليات تحديد الأعمال والوظائف وتقويم الاداء.

الأداء المؤسسي المتميز بوابة للمنظمات المتنافسة

الأداء المؤسسي المتميز من أكثر الموضوعات حداثة وأهمية في مجال إدارة المنظمات، وخاصة في ظل التحديات العالمية، وازدياد حدة المنافسة لتقديم خدمة ذات جودة عالية للمستفيدين، لذا فقد أصبح التميز من الأهداف التي تسعى لتحقيقها المنظمات، فهو المنظومة المتكاملة لنتائج المهام والأعمال المنوطة بالوحدات الإدارية في المنظمة، والذي يؤدي إلى تفوقها وتميزها وتفردها في العمل، ويضاعف من قدرتها على إنجاز تلك المهام والأعمال بكفاءة وفاعلية عالية (حتاملة ودراوشة، 2019).

 وهذا يجعلنا نتوقف برهة، لاستعراض عناصر الأداء المؤسسي، التي من خلال تقييمها نستطيع الحكم ،عما إذا كان هذا الأداء متميز أم لا؟

وفي هذا الصدد أشار (صبيح، 2014) أن هناك عناصر محددة للأداء المؤسسي وهي:

  1. الربحية: التركيز على تحقيق الربحية ليس فقط من الناحية المالية، بل والتركيز على تلبية احتياجات الزبائن بشكل أفضل من المنافسين ،واستقطاب زبائن جدد.
  2. الإنتاجية: التي تحمل العديد من المعاني فهي مقياس لكفاءة العمل والمخرجات المطلوب تحقيقها من مجموعة الموارد المتاحة.
  3. كفاءة التشغيل: وهي حسن استخدام الموارد المتاحة أو القدرة على استخدام المدخلات، وقدرة المؤسسة على تحقيق أكبر قدر من الأهداف المطلوبة، باستخدام أقل موارد ممكنة.

المورد البشري سلاح ذو حددين

وكي تحصل المنظمات على كل ما سبق يجب عليها تبني سياسة اختيار لكوادرها البشرية مبنية على التفرد بالخبرات والمؤهلات والثقافة والمعرفة و السمات الشخصية، للحصول في النهاية على موظف مثالي متميز لديه القدرة على :

  • اتخاذ القرار المناسب.
  • تنسيق وتوزيع الأعمال.
  • التخطيط المميز الهادف.
  • تقييم وتطوير أدائه بذاته.
  • التغلب على صعوبات العمل.
  • تحمل المسؤوليات.
  • التفكير خارج الصندوق للوصول إلى الإبداع في العمل.

وفي نفس المسار وبالاتجاه ذاته، إذا لم تنجح إدارة الموارد البشرية في تبني سياسة جدية وسليمة لاختيار شاغل الوظيفة؛ فإنها ستضع المنظمة في مأزق يؤثر على مستوى الكفاءة الإنتاجية لديها ، و يؤثر بدوره على سمعتها التنافسية في سوق العمل ، ويرهقها بتكاليف مادية إضافية لدفع أموال للتدريب، أو وصولها إلى دوران العمالة ،والبحث عن قوى عاملة جديدة.

الخاتمة

تعتبر سياسة الاختيار هي أحد عوامل النجاح الحرجة في المنظمات، والتي تساعدها على بلوغ أهدافها؛ لأنها تتعلق بأهم عنصر في المنظمة وهو المورد البشري، رأس المال الفكري ، اليد العاملة ، القادر على الارتقاء بالمنظمة من خلال أدائه المتميز، وإنجاز مهامه بكفاءة عالية تصل به لمستوى التنافسية بين المنظمات.

وفي اتجاه آخر قد يكون عبء ثقيل على المنظمة، في حالة الإخفاق باختياره (الموظف الغير مناسب في المكان الغير مناسب)، لما ستتكبده المنظمة من خسائر يلحقها بها ؛ نتيجةً لقلة جدارته وخبرته في العمل ، وضعف  أدائه مما سيدفعه لإنجاز الاعمال بدرجة غير مرضية، وليست على مستوى عالٍ من الأداء المتميز و التنافسية.

المراجع العربية

  1. بخليلي، محمد الأمين و شلالي، عبد القادر.(2020). المرونة الاستراتيجية والأداء المتميز للمؤسسة الاقتصادية، مجلة مجاميع المعرفة، 6(2)، 467- 480.
  2. توفيق، أمنية خير.(2011). إدارة الموارد البشرية للمكتبات، دار الثقافة العلمية ،الإسكندرية، جمهورية مصر العربية.
  3. حتاملة، حابس محمد و دراوشة، نجوى عبدالحميد.(2019). الأداء المؤسسي ودوره في تحسين إنتاجية الجامعات الخاصة في شمال الأردن من وجهة نظر القادة الأكاديميين، مدلة دراسات العلوم التربوية، 46(2)، 269- 281.
  4. صبيح، خالد جمل.(2014). أثر عمليات توليد المعرفة التنظيمية كمتغير وسيط بين أبعاد المنظمة الساعية للتعلّم وتحسين الأداء المؤسسي، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الأردن.
  5. الطائي، يوسف حجيم و العبادي، هاشم فوزي.(2015).إدارة الموارد البشرية قضايا معاصرة في الفكر الإداري، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
  6. القحطاني، محمد بن دليم.(2015). إدارة الموارد البشرية نحو منهج استراتيجي متكامل، العبيكان، الرياض، السعودية.
  7. منظمة العمل الدولية.(2016). نظام إدارة الموارد البشرية(دليل تدريبي و تطبيقي للشركات)، منظمة العمل الدولية،القاهرة، جمهورية مصر العربية.
  8. ورد، حسين فلاح.(2020). أثر التوزيع على الأداء المصرفي المتميز، مجلة مركز دراسات الكوفة، 57، 252-211.

المراجع الأجنبية:

  1. Caldwell ,Cam & Anderson, fereall .(2018). Recruitment, Testing, and Selection: Strategic Essentials for Successful Performance, Modern College of Business and Science, Muscat, Oman.
  2. Kapur , Radhika.(2018). Recruitment and Selection, puplished article , University of Delhi.

فيديو مقال سياسة الاختيار كمدخل للأداء المؤسسي المتميّز

أضف تعليقك هنا