مفاتيح لقراءة رواية “اسمي بوبلاد” لعبد القادر بعطوش

رواية “اسمي بوبلاد” (إصدارات دار يوتوبيا 2020) للروائي الجزائري “عبد القادر بعطوش” رواية الهامش التاريخي والمضمر بامتياز. رواية تُقدَّم لفضح الصمت الممارس على الحقائق التاريخية وتعرض وقائع من التاريخ بصيغة فلسفية تحليلية أدبية. تضمّ سيرة شخصية تاريخية منسية هي شخصية بوبلاد أو “يحيى العربي الشريف” المولود في 1962 بآفلو.

لماذا سمّى الكاتب روايته باسم “بوبلاد”؟

وقد انتقى الاسم بما يوحي باهتمام مسبق بدلالاته (بوبلاد تسمية تقدم لمن يأت من المناطق الداخلية لاحتقارهم ممَّا يعني أنّ الكاتب يختار من الاسم السلبي عنصر تأكيد على ذات الشخصية ووجودها، فيما يدل اسمه الحقيقي على انتماءه واديولوجيته). إنّ بوبلاد يفقد وجوده التاريخي وتمحى ذاكرته من السجلات بسبب النظام الداخلي للمنظمة الحربية لكنّه يستعيده سرديا.

كيف قسّم الكاتب روايته؟

الرواية مقسمة بنيويا إلى فصول منها ما عرض على شكل رسائل (رسالة زورو السكير إلى بوبلاد 2002، الذي استلم مخطوط بوبلاد، رسالة أخي بوبلاد أعالي المحروسة 2016، رسالة مستهلها أعزائي آل أودباشي كتبها الجد الأكبر، رسالة المحروسة في 19 يناير 1853 مرسلة إلى مصطفى باشا، رسالة إليك أيُّها الرفيق لاماس) ومذكرات (لا يغلب الأقوام إلاّ الكلام، كيف فقدت اسمي، كيف أوجدت له اسما، الأمم التي تقتل أسودها تسوسها الحمير، أغلق المحضر، قدح نبيذ مملوء بالوطنية، آخر فصول البعث، الرابع من أفريل 1952، مخاض أمة).

السرد الاستذكاري الذي استخدمه الكاتب

تقوم على السرد الاستذكاري التاريخي حيث يتمازج الفنّان بشكل مرتب ومقصود بحيث تعرض الرسائل بعض المعلومات وتستكمل الفجوات الحدثية في المسار العام لقصة بوبلاد وجدّه. المذكرات تنتقل بصورة تواترية من الجد الأكبر مصطفى الأودباشي بن صالح أفندي إلى الجد مصطفى الثاني ثم الأب مصطفى كمال لتصل إلى مصطفى كمال الحفيد الأصغر والملقب بصافا لامغسياز والذي يُستقدم إلى الجزائر من أجل تنفيذ المهمة الخاصة للمنظمة ومن خلال بحثه عن الرجال الأقل وطنية مظهرا يلتقي ببوبلاد الذي هو الآخر يكتب مخطوط حكايته. وهو ما يخلق تعددا للراويين والمرويات. الرواية تعود لبناء تاريخ الأجداد لا تاريخ الوطن المؤسس.

إنَّ هاجس الكاتب يبدو واضحا وهو يسعى الى تقديم الحقيقة التي يختار لها قارئا نوعيا يلتزم بالعقد المضمر في رسالة زورو السكير. تلك الحقيقة التي يجب أن تقدم لأشخاص لا يدخرون جهدا من أجل البحث عنها (ينظر ص11) حتى لا يقع الانسان في الخطيئة تلك التي تعني في تصور الكاتب “عبد القادر بعطوش” “لجم الحقيقة أو تحريفها أو المزايدة عليها”.(ص11)

لماذا لم تقف الرواية عند حد عرض الحقائق؟

“إن المعرفة تدرك بالسؤال” (ص37) وهذا يعني أنّ الرواية لم تتوقف عند حدِّ عرض الحقائق بقدر ما تُعتبر عملا مسائلا للتاريخ الرسمي. هو في عموميته دعوة إلى البحث عن المعرفة التاريخية والنظر في صحة ما تمَّ سرده خصوصا ما كان على لسان الأودباشي. وهنا يضعنا الروائي مجددا أمام إشكالية العلاقة بين الرواية والتاريخ فهل يجب على الرواية التاريخية أن تعرض بالضرورة الحقيقة التاريخية؟ أم أنَّها محاولة لإيهام القارئ بحقيقة المعطى التاريخي السردي؟

هل كانت الرواية تاريخية وتعيد الماضي القديم؟

“اسمي بوبلاد” رواية تنتشل التاريخ المنسي وتستعيد المسكوت عنه. انتشال الحقيقة لم يكن فعلا محددا عن سبق الإصرار لدى “بوبلاد” الذي آمن أنَّ التاريخ هو “ذلك الغريق الذي لا تنتشله أيادي المنقذين وإنَّما تقذفه أمواج الدهر على ضفاف بحر الأجيال العطشى للحقيقة…” (ص12)، لكنّه محدد مسبقا لدى الكاتب المهتم بالحفر التاريخي ليعيد للإنسان الجزائري وجوده لأنّ الانسان ما هو إلاّ ذاكرة. (ص22) إذا شوهت أو غابت فُقد معها الوجود.

تقدم الرواية وجهة نظر تكمل التاريخ الرسمي وتختار بعض الحقائق (مشاركة بعض الفرنسيين الجزائريين الحرب (ممثلا في شخصية صافا لامغسياز)، مشاركة الأتراك في الذودّ عن الجزائر(مصطفى باشا)، الدور السلبي لليهود، الجرائم الفرنسية المحرّمة دوليا والمسكوت عنها،…) ولأن “الصمت خطيئة” ص18 فلا يجب نكرانها أو تجاهلها. رواية اسمي بوبلاد هي رواية الأخطاء التاريخية التي لا تغتفر والهفوات التي ارتكبت فتسببت في تسليم الجزائر في طبق من ذهب لفرنسا والمفاهيم الفلسفية (مفهوم الحقيقة، الصمت، الذاكرة، الكلمة،… إلخ).

أحداث الرواية

يقوم السرد فيها على تبئيرات متعددة، وعرض الأحداث من زوايا مختلفة ومتداخلة: رؤية من خلف، من الخارج وبنسبة أكبر السرد باعتماد الرؤية مع ولعل ذلك يتماشى وطبيعة السعي المسبق إلى فرض الأنا (أنا الشخصية) واستعادة تاريخ الفرد واثبات الوجود التاريخي لشخصيات تم تناسيها وامتدت أياد إلى تخوينها. تعرض الرواية أيضا حقيقة الترسب التاريخي للتأثيرات الفرنسية على اللاوعي الجمعي، الفكرة تستنتج من رمزية الخطاب واستعارته لملفوظ “الأنفاس الفرنسية” (ينظر ص45). الرواية تأخذ على عاتقها “نحن نعمل من أجل طردهم اليوم ونكتب لأجل تطهير أنفاسهم غدا” (ص46).

ثورات الشمال كاذبة” (ص35) قول على لسان جدّ بوبلاد عبارة صادمة والقارئ الجزائري يدرك تمام الإدراك ما قدمته جبال جرجرة وخراطة والزبربر من تضحيات، لكنّ غاية السارد في اعترافاته تثبت رغبة الروائي إعادة الاعتبار إلى المكان الهامش تاريخيا، ركز التاريخ الرسمي بشكل بارز على ثورات الشمال بينما ركزت الرواية على ثورات السهوب وما قدمه أهلها لقاء الوطن انتهت ببعضهم مجهولين وغير مذكورين.

فيديو مقال مفاتيح لقراءة رواية “اسمي بوبلاد” لعبد القادر بعطوش

 

أضف تعليقك هنا