منهج حياة

يتصف العرب قديماً بالصدق والكرم والشجاعة والمروءة، وكانوا أهل خطابة وبلاغة في الكلام، حتى أن أشعارهم كانت مرجعاً تاريخياً لوصف أحداث زمانهم، ولكنهم كانوا شعوباً متخلفة في تقدير الأمم، وهذا ما نقله المستشرقون إلينا، يتقاتلون لأجل فرس (داحس والغبراء) وتستمر الحرب أربعين عاماً.

كما يتقاتلون لأجل ناقةٍ (الناقة سراب) فيما تسمى بحرب البسوس فتبيد الحرب الكثير من فرسان تغلب وبكر وتستمر الحرب بضع وعشرون عاماً وقيل أربعون عاماً، ويتفاخرون في أشعارهم بالقوة والشجاعة والكرم ودحر الخصوم، ولكن كان أغلب الخصوم من العرب أنفسهم.

ما هو سبب قتال العرب في الجاهلية في حرب داحس والغبراء؟

في حقيقة الأمر لم يتقاتل العرب لأجل فرس (داحس والغبراء)، حيث كان السبب الرئيسي لهذا السباق هو اتفاق قيس بن زهير  العبسي الغطفاني (الذي يملك الحصان داحس) وحذيفة بن بدر الذبياني (الذي يملك الفرس الغبراء)، على أن من يفوز بهذا السباق يكون له الحق في حماية قوافل ملِكُ حمير وهو النعمان بن المنذر، وذلك لأن القبيلة التي تحمي قوافل النعمان تحصل على أعطيات وامتيازات مقابل هذه الحماية، واتفق الطرفان على السباق ليعطي الأحقية في حماية هذه القوافل.

وكانت مسافة السباق كبيرة تستغرق أياماً للوصول إلى نهاية هذا السباق، تقطع خلالها الخيول صحاري وأودية وشعاب، ولكن حدث مكر وخداع في هذا السباق، حيث كان في الأمر مكيدة، كان الحصان داحس متقدماً في السباق ولكن تم ترويعه في أحد الشعاب من قبل مجموعة متخفية من قبيلة ذبيان، مما حقق للفرس الغبراء الفوز بهذا السباق، وانكشف هذا الأمر لقبيلة عبس، ولأنه لا توجد قوانين تحق الحق لهذا السباق، نتج عنه اندلاع الحرب بين قبيلتي عبس وذبيان.

ما هو سبب حرب البسوس؟

وكذلك حرب البسوس لم تكن لأجل ناقة ولكنها كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، تكبّر الملك كليب وغطرسته حتى أنه أمر بأن لا توقد نار إلا ناره، وعدم حرصه على كرامة أتباعه وهذا ما لا ترضاه العرب، ومن هنا يتضح أن الحرب في حقيقتها حرب كرامة، وسبب اندلاع هذه الحرب هو أنه لا توجد قوانين متفق عليها تنظم حياتهم، بل كان كليب يفرض ما يريد ويرغم العرب عليه، وهذا جعلهم في حالة عدم استقرار ونفور منه.

يمتلك العرب في عصر الجاهلية مقومات الدولة العظمى لكنهم لم يؤسسوا دولة عظيمه، وكانوا يتألفون زعماء الروم والحبشة بالهدايا والأعطيات حتى يسلموا منهم عند تجارتهم بين الشام واليمن، وما أن يعودوا إلى ديارهم حتى تحمر أنوفهم ويتفاخرون فيما بينهم.

ما الذي كان ينقص العرب ليكونوا أمّة عظيمة؟

يرى ابن خلدون في مقدمته أن الدولة لا تقوم إلا على أساسين وهما:

  • الشوكة والعصبية المعبر عنها بالجند.
  • المال الذي هو قوام أولئك الجند.

والعصبية عند ابن خلدون لا تشمل أبناء الأسرة الواحدة الذين تربط بينهم صلة الرحم فحسب، بل قد تكون العصبية عرقية أو إقليمية أو دينية؛ والعصبية الدينية هي الأكبر والأفضل اتساعاً.

هل كان ينقصهم اتحاد الكلمة والتحاكم إلى قوانين تسير حياتهم؟

بالتأكيد كان ينقص العرب اتحاد الكلمة والتحاكم إلى قوانين تسير حياتهم وتضمن حقوقهم، وخلال فترة وجيزة لا تتعدى العشرون عاماً استطاع العرب تنظيم دولة نظمت حياتهم واتسعت حتى استطاعت القضاء على مملكة فارس وطرد الروم من الشام والقضاء عليهم، بل ودخل بها غير العرب لما وجدوا بها من قوانين تضمن وتنظم حقوق الفرد والمجتمع، وهذه الفترة بدأت ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أتى صلى الله عليه وسلم للناس بمنهج حياة ألا وهو الإسلام.

ينضم الإسلام الأمور الدنيوية وحقوق الفرد والمجتمع ويضمن الخلود في جنة الخلد إذا حُقّقت تعاليمه، نظم الإسلام حياة الأمم ولا فضل بين الناس إلا بالتقوى، بلال أبن رباح وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، كانوا من خيرة الناس ولكن مجتمعات الجاهلية كانت تقلل من شأنهم ولا تجلسهم أو تشركهم في مجالس القوم، وبعد الإسلام كانوا من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخلد التاريخ ذكرهم العظيم حتى يومنا هذا.

الشيء الذي اتّفق عليه العرب

لا يختلف العرب قديماً الذين عاصروا زمن الجاهلية والإسلام (مسلمهم وكافرهم)هم بأن عزة العرب كانت بالإسلام، حتى في يومنا هذا لا يوجد عزة للعرب بدون الإسلام، وفي جزيرة العرب بالتحديد يتضح هذا المثال، قبل حوالي قرن من الزمان كانت جزيرة العرب صحراء لا توجد بها تنمية على المستوى الإقليمي على الأقل، وكانت القبائل متناحرة لم يتم توفير التعليم لهم على المستوى المطلوب.

فوحد الملك عبد العزير رحمه الله مناطق المملكة العربية السعودية، وأهتم بشؤون الدين وتسيير الحياة على منهج الإسلام، وأحدث هذا نهضة هائلة على جميع المستويات، وفي نفس الوقت كانت أقطار أخرى من العالم العربي والإسلامي تعيش أوجه الحضارة والثقافة، ولكنها بعد تبنيها لأفكار عقيمة تعتبر الدين الإسلامي رجعية، بدأت نكستها وانحدارها وتجد أن ماضيها أفضل بكثير من حاضرها، والسبب تخليها عن الإسلام كمنهج حياة أصبح حاضرها لا يحقق أدنى مستويات الحياة الكريمة للفرد والمجتمع.

ولا شك بأن خير من يصف حال العرب هم من عاشوا فترة الجاهلية والإسلام، لذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نحن قوم أَعَزَّنَا الله بالإسلام فمهما ابتغينا الْعِزَّة في غيره أَذَلَّنَا الله».

المراجع

  • الحكواتي. (2021). داحس والغبراء بين عبس وذبيان. تم الاسترداد من قصص وسير شعبية:
  • http://al-hakawati.net/Stories/StoryDetails/230
  • اللجنة الدائمة للبحوث العلمي. (12 10, 2007). كيف تكون العزة للمؤمنين ؟ تم الاسترداد من الإسلام سؤال وجواب: https://islamqa.info/ar/answers/105473/
  • سامح المحاريق. (23 07, 2012). حرب البسوس .. لم تكن لأجل ناقة. تم الاسترداد من صحيفة الرأي: https://alrai.com/article/528598.html
  • سهيلة زين العابدين. (13 05, 2016). نظرية الدولة عند ابن خلدون. تم الاسترداد من جامعة أم القرى: https://uqu.edu.sa/ahsharif/4584
  • محمد مروان. (17 04, 2020). صفات العرب قبل الإسلام. تم الاسترداد من موضوع: https://mawdoo3.com/

فيديو مقال منهج حياة

أضف تعليقك هنا