سجين المستشفى الأسود 4

بقلم: هاني المختار القادري

جاءت ثورة الحرية والكرامة، وبدأ برجلية فرفر يفكر في الفرار من سجن المستشفى الأسود، لقد وقع حرق جميع الملفات الطبية التي انتهت أوراقها ليقع استبدالها، وأولها ملف التقارير الطبية لبرجلية فرفر، الذي مزقه الممرض ليقع استبداله بآخر جديد، بعد سنوات قبل الثورة قضاها برجلية فرفر بين قسم التحرير بالصحيفة الأسبوعية كسكرتير للتحرير وبين أدغال مستشفى السجن الأسود للاضطرابات العقلية.

لماذا كان برجلية فرفر تحت مراقبة شديدة من قبل الأمن؟

كان برجلية فرفر تحت مراقبة شديدة من طرف الأمن،بعد أن وقع تسجيلة في القائمة السوداء، للمفروزين أمنيا، والمحرومين من الشغل إلا بعد موافقة المهدي الدكتاتور، لقد تألم برجلية فرفر كثيرا بعد تحطيم أنف أخيه يردقا ألوزي، من طرف عصابات السطو على البرتابل بالحافلات، لقد اعترضوه في ساحة برشلونة بعد أن سلبوه وهو هائم بالصعود إلى المترو ولكن تفطنه إلى هذه العصابة العنيفة لم تجد نفعا بحكم أن أحدهم سدد له ضربة رأسية عنيفة على مستوى أنفه مما سبب له كسور بليغة وعمليات ترميم وجراحة عميقة من المستوى الثالث.

روتين برجلية فرفر 

كان برجلية فرفر يجلس عند الظهر عند نهاية الحصة الصباحية الأولى لالتهام كسكروت “كفتاجي ” وهو خليط بين البيض والبطاطا والفلفل الأحمر المخلوط والسلائط الخفيفة، لاسترجاع حيويته التي فقدها من كثر اشتغاله على الحاسوب لرقن المقالات الصحفية الجاهزة باللغة الفرنسية، وتحويلها لقسم المراجعة الفنية من طرف العم حمادي ، أستاذ الجيدو والذي أصيب بشظية على مستوى الجبهة في حرب بنزرت، والتي طالها عدد طرائفها ووفجائعها التي أدت بعشرة آلاف من الشهداء.

بينما قسم التحرير منشغل بالقسم الثقافي وتحضير مقدمة رئيس التحرير، الذي يراقب محتوى المقالات ومدى صلوحيتها للنشر، كان قسم التحرير هو الصوت الناطق لحزب قلعة السياسة”، بزعامة عالم اجتماع، يجد صعوبة في تمويل جريدته وحزبه.كانت المعنويات مرتفعة استعداد للانتخابات التشريعية، بحكم حظوط حزب قلعة السياسة للفوز بمقاعد عديدة ، وأسبقية العلاقات الوطيدة مع السلطة الحاكمة.

كل ذلك تفكره برجلية فرفر إثر ثورة الحرية والكرامة وكل ما جرى في المقر وراء مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية بشارع الحرية، تنفس برجلية فرفر السعداء إثر تخلصة من العيادات المفروضة عليه من طرف السلطة للابقاء عليه في مستشفى السجن الأسود وتلك المتاهات العديدة في سين وجين مع المختصين النفسيين وخاصة منهم الجيل الجديد الصاعد، الذي يقدم أدوية مختلفة وإبر ثقيلة تلك التي تغرس في بطن الحصان قبل دخولة لمسابقة الفروسية أو سباق الخيول.

لقد كانت الثورة فرصة لبرجلية لإعادة ترتيب حياته من جديد

لقد كان الثورة فرصة لبرجلية فرفر لإعادة ترتيب حياته من جديد، في أفق جديد وأمال أرحب، ويسر أكبر وأقل معاناة من سنوات “الشهيلي التي قضاها في كر وفر من منزله إلى سجن المستشفى الأسود للاضطرابات العقلية. لقد هاله مشهد مخيف وهو عائد إلى المنزل: ثلاثة توفاهم الأجل في ستة ساعات تقريبا وبين الواحد والآخر ساعتين، إثر العثور عليهم ملقيين في دار صغيرة بزنقة ضيقة بحي الانتصار، كان المشهد مرعب كأننا في صبرة وشاتيلا، وأجساد مساجين المستشفى الأسود منتفخة رغم الحلاقة الحديثة البادية على شابين وامرأة يعيشان تقريبا حياة الغرباء وأصحاب الكهف في نفس الوقت.

كان المشهد مقززا لبرجلية فرفر الذي كان يمكن أن يلقى نفس المصير لولا ألطاف الله وتدخل اخوته لانقاذه من المهدي الدكاتور،.. لقد كان التلاعب بالملفات وتدليس التقارير والمراوغات من كلتا الفريقين ، فريق المهدي الدكاتاتور والبوليس السياسي، ومن طرف أصدقاء وإخوة برجلية فرفر من جهة أخرى وخاصة أخوه الطبيب يردقا الذي رد الصاع صاعين وتلاعب بأطباء المهدي الدكاتاتور حتى يقع رقع الأثقال على برجلية فرفر الذي دخل في غيبوبة متواصلة بين المرض والموت بعد عملية الاختطاف الكبيرة التي تعرض لها في ليلة من ليالي مارس في مدينة قبة عبد العزيز.

ظهور العلامات الإيجابية على برجلية بعد الثورة

كان برجلية فرفر وتظهر عليه علامات إيجابية بعد الثورة، وسجين آخر يروي له قصة الذئب الذي كان أن يفترسة وهو في طريق العودة للبيت في سليانة، وأبدى توصياته لبرجلية فرفر بالتهام أكبر كمية من اللحم لأنها الوحيدة بإخراج الجسد من حالة الكساد التي يعاني منها.

كان سجناء المستشفى الأسود يتناقص عددهم يوما بعد يوم بسبب أو بآخر، وبرجلية فرفر يحسب الأيام  والسنوات العجاف التي قضاها في مستشفى السجن الأسود وقرابة الثلاثمائة طبيب الذين تداولوا عليه:

-كفانا كميات زائدة من الأدوية، إننا نتناول الديناميت” سيدي، وليست أدوية فعالة بل زادت في بأسنا وتعاستنا وعمقت في نحولنا وسلنا وآفتنا هكذا تحدث برجلية فرفر مع الطبيب الخذير الذي كان يحرض برجلية فرفر على الخروج بأقل الأضرار من الورطة التي وقع فيها والمهزلة التي تعرض لها منذ الخمسة عشر عاما.فرصتك برجلية فرفر لتسدد وتنقض نفسك، لا تخف سوف نقف معك ونعيد لك كرامتك التي فقدتها منذ عشرات السنين.

بقلم: هاني المختار القادري

 

أضف تعليقك هنا