سجين المستشفى الأسود 5

بقلم: هاني المختار القادري

التقى برجلية فرفر القط الوردي مع القطة البيضاء ياقوتة في أول استدعاء رسمي في مبيت سجن المستشفى الأسود، وكان لقاء بين عالم في العلوم الطبيعية وعالمة في العلوم النفسية، مناسبة ودية، ولكن برجلية فرفر، بدأ هذه المغامرة بابتسامة عريضة، وكأنه تعرف عليها رغم أنه أول مرة يقابلها، بينما الدكتورة ياقوتة كانت ترى قط منهك القوى فاقد لكل مداركه تقريبا وأجرت له اختبارات على الحاسوب تمارين في الذاكرة البصرية والسمعية والانتباه واليقظة وسرعة البديهة وسرعة رد الفعل.

التمارين الذهنية الاتي قدّمتها الطبيبة لبرجلية

كان المشهد طريف بحكم أن التمرين يقوم على التفاعل مع مصنع يلقي منتوجات وأنت تسجل المنتوجات التي تأتي إليك، ثم تمرين آخر في الذاكرة البصرية يقوم على تذكر ثمانية أرقام، بطريقة منظمة ومدروسة الرقم وراء الرقم الذي يليه. بينما برجلية فرفر في شبه غيبوبة بين المرض والموت وفقد تماما علاقته بالعالم الخارجي حول محيط سجن المستشفى الأسود.

من جراء مفعول المخدر والأقراص التي تقدم في الليل إثر وجبة العشاء، ولو يبقى في ذاكرة برجلية فرفر سوى الجمع الغفير ليلة الأمس حول سطل الماء الذي يشرف عليه الممرض في آخر الليل مع تسجيل شرب الأقراص كان الصف طويل،أشبه بطوابير المواشي والأبقار في الوحدة الصناعية التي تنتج الحليب. وبعض مشهد ممرض يحرس المكان عند نزول الليل وهو يشاهد التلفزة وسط الساحة التي تتوسط المبيتات المحيطة بها وهو مستلفى على أريكة وقد أنهكه التعب من كثرة السهر، والقلق من حالات الاضطرابات النفسية التي تكاثرت هذه الأيام بطريقة غير مسبوقة.

كان اللقاء الأول لم يفهمه برجلية فرفر، ولكن كان له تأثير إيجابي على مشاعره وأحاسيسه، على إثر ذلك رجع برجلية فرفر إلى الساحة لمشاهدة الجمع الذي يجتمع في القيلولة لمشاهد كأس إفريقيا للأمم بمصر، ولكن برجلية فرفر كان متعبا جدا ، وفقد شاهية الطعام.

الحالة السيئة التي أصابت برجلية فرفر

ولم يكن في حالة جيدة فخمد للنعاس والتفكير الطويل والأحاديث الجانبية في المبيت رقم إثنين بعد أن وقع نقله من المبيت رقم واحد، كان المبيت رقم إثنين أكثر حماسة وأكثر اضطرابات وأكثر مناوشات وعنف وتبادل للتهم ووقت لتبادل الحكايات والطرائف والنكت. وأول ساعة تمر دون سلام بطبيعة المكان،

فقد انهال الجميع بالضرب على أحد المرضى بالضرب إثر اتهامه بسرقة أدوية غالية الثمن من شخص آخر له سوابق عدلية فعند إكمال الأخير للصلاة إنهال عليه بالضرب والركل والصفع والكلام البذيئ حتى لا يعيد فعلته الشنيعة ويكون عبرة لمن يعتبر .. ممن تسول له نفسه الاعتداء على ممتلكات غير في مبيت المائة مليم لها قيمة لا تقل على دينار خارج المبيت في المحيط الاجتماعي العادي.

خوف برجلية فرفر من الأحداث القادمة

وبهذه الحادثة اشتغل جهاز الإنذار لبرجلية فرفر وعرف على ماذا هو مقدم في الأيام القادمة، فتوجس برجلية فرفر خيفة من أن تحدث له نفس الحادثة ويبقى محل سخرية من الجمع الغفير، بينما انفرد برجلية فرفر بسجين آخر كبلت رجلاه ، وهو يحكي بطولته إثر تدبيره عملية هروب من سجن المستشفى الأسود، فاسترسل في حكايات وهستيرية مع ثلة من “المحلقين به في دائرة على فراش هذا الأخير وحكايات اللواط والممارسات الأخرى المشابهة في محيطه القريب في قرية من قرى الوسط.

وفي آخر المساء بدأ برجلية فرفر يحس بالاختناق وبدأت أنفاسه تنقطع شيئا فشيئا، وشعور غريب بالغثيان وقلة الشاهية ، وأفكار سوداء تزامنت مع انخفاض معنوياته التي وصلت إلى حالة أن برجلية فرفر أيضا أصبح يفكر في الهروب ،، وراودته فكرة الهروب من سجن المستشفى الأسود، رغم أن الأجواء في العموم كانت عادية وتحت السيطرة ، ولا تدعو للاستغراب.

العنف الذي كان يلقاه سجناء المستشفى الأسود

وفجأة، اندفع سيل كبير في عنف متبادل مع الممرض “عم سعيد”، حول سرقة هذا الأخير للنقود التي تركها أحد أقارب سجين من سجناء المستشفى الأسود واتهامه بسرقة أموال أخرى تركها أصحابها لاشتراء السجائر للمساجين، واتهام آخر بالابتزاز، المفرط اتجاه المساجين، بتركهم يخرجون إلى المقهى التابع لسجن المشتفى الأسود لشراء السجائر، من النوع الرديء “بوستة ” ذو الألوان الصفراء والزرقاء والذي كانت علبته توحي باقتراب وصول الملائكة عزرائيل لقبض أرواح الجميع وإعلان الموت الرحيم للجميع دون تردد.

ماذا حدث عندما انقطعت أنفاس برجلية فرفر

كان برجلية فرفر يشعر وسط هذه الأجواء أن ذراعيه تخونه ورجلاه أيضا، وأنفاسه انقطعت بإحساس غريب بنقص الأكسجين، وارتفاغ رائحة أخرى تساعد على دوران الرأس والتهيج العصبي العنيف، فأصبح برجلية فرفر يضرب بساقيه ويديه خبط عشوائي، فمرة يجلس القرفصاء ومرة يستلقي ومرة يصلي إلى أن فقد السيطرة على أعصابه نهائيا وبقيت ترن كلمات المهدي الدكاتاتور وأصوات غريبة أخرى من قبيل السخرية والكوميديا الإلاهية: – هذه ديمقراطية؟ أنظروا كيف يمشي؟ أعطيه إعدام برجلية فرفر.. ليس عادي بالمرة…أعطيهم الإثنين إعدام برجلية فرفر والتيمومي القابسي،..

أحس برجلية فرفر والأصوات الغريبة لا تفارقه وأصبح يفكر في أصدقاء الكلية كيف سينظرون إليه بعد خروجه من هذ المستشفى الغريب والمليئ بالأشباح والعفاريب والجنون والخرف المرضي ، والهلوسة، وأشياء أخرى من قبيل الهراء المتواصل والنظرات الشاكة والمشبوهة والأحاديث الملفقة والمتنمرة لإخفاء حقيقة كل سجين من مساجين المستشفى الأسود.ل

لقد كان وراء كل سجين حكاية مؤلمة

قد كانت وراء كل سجين حكاية مؤلمة، ولكن تدعو للشفقة بحكم أن الحقيقة تختلط بالخيال في مخيال كل سجين، وكيف سيقدم حكايته للدكتور أو المعالج النفساني الذي يشرف على حالته فإذا كانت إمرأة أصبح هناك حديث ذو شجون وفرصة لتبادل المودة والأحاسيس بطريقة صبيانية تلك التي يلتقي فيها المعلمة بالتلميذ في سنة أولى ابتدائي وتعلمه منهجية العمل. أما إذا كان رجل  فإن العلاقة تختلف فالسجين ينظر إليه على أساس أن والده رجع من جديدة وله منصب مهم ومكانة اجتماعية محترمة

يمكن للسجين أن يتحدث على مصائبه وعدائيته الشخصية للحياة والأشخاص بدون حرج ولا إهانة، ولقد حدث أحدهم برجلية فرفر أنّه يعاني كدر حب حاد بعد أن لفظته إحداهن لسواء حالته الصحية وكثرة اضطرابه في الكلام وعدم قدرته على التسيير والسيطرة على نفسه في مقابلته لعشيقته  حيث قالت له أنّه غير ظريف ولا يوحي لها بأنّه شخص مسؤوال وكلام آخر لا يشجعها على التعاشر معه والبقاء معه لمدة طويلة يمكن أن تنتهي بزواج وسعادة أبدية.

بقلم: هاني المختار القادري

 

أضف تعليقك هنا