مبتسمات رغم الإعاقة. .أقصد البطالة

ولدنا  فتيات في العالم الثالث

مشكلتنا الكبيرة، أننا ولدنا  فتيات في العالم الثالث، ليس الاول او الثاني، بل الثالث، نكذب على انفسنا وعليه و ندلعه  بوصفه ” في طور النمو”، سامحنا الله، والترتيب ليس عيبا، لكن العيب كل العيب هو الجهل
المستفحل، خاصة في طبقتنا السفلية هذه، والمزيج يعد كارثة عظمى. 

لك ان تتصوري معنى كونك فتاة، في العالم الثالث، وسط كمية من الجهل والتخلف، حيث لا يعترف لك بدراسة أو عمل أو أي إنجاز، ما عدا الزواج.

أثناء الدراسة، كان لدي ما يبرر رفض فكرة الزواج والارتباط، فأنا فتاة أدرس بجد، أحتضن محفظتي بجذل، أتوجه الى الصف الدراسي بفستاني الكلاسيكي وبشعري الغجري المجنون، بكريم “فير اند لوفلي” وأحمر الشفاه الوردي..

ظاهري كان يقول بأني فتاة تبذل النفس والنفيس من أجل إسقاط رجل، فأنا لم أكن أبخل على نفسي  بشيء، لهذا كنت أواجه مضايقات كثيرة ” لماذا تتأنقين إذا كنت ترفضين التحدث معي؟” ،” لماذا لا تريدين ربط علاقة حب معي؟”..

نعم، سمعت مثل هذه العبارات  المقرفة  كثيرا، فأنا  فتاة كبرت بحي شعبي، حيث الحب سبيل للحصول على الفتيات، وهذا أكثر ما كان يحفزني على حمل شعار ” الله الغني”، لم  يكن لدي وقت للتفكير بطريقة للإلتصاق بقفا رجل، للغوص معا في مجاري الصرف الصحي، لنخلف أولادا وبنات، ونعيش في ثبات ونبات..

ثم انتهت الدراسة، و فجأة وجدت  نفسي عارية من دفئ غطا المبرر، بادية للعيان، ليس بيني وبين التلميحات والتصريحات من حاجز، لكن ربك لهم بالمرصاد، جاء الفرج ووجدت فرصة عمل، ما كان مني إلا أن  أمسكت بزمارة رقبتها بشدة..

لم أكن اتغيب أو أتأخر، كنت نعم الفتاة البروليتارية، التي لا تملك أي وسائل إنتاج وتعيش من بيع مجهودها العضلي، على رأي كارل ماركس، لكن يبدو أن هذا لم يكن كافيا، كانت هناك محسوبية ولم أتمكن من تقبل الغش
والتزوير، ككل من فتح عينيه على قصص عطية الابراشي، ترعرع جنبا الى جنب مع أعداد ” رجل المستحيل” ثم ختم بالرحيق المختوم ، مرورا بمسلسلات هادفة وكرتون، تسقي فيك بذرة الخير، تربيك على أن الخير هو المنتصر وأن الشر عمره قصير، لكن يبدو أن كل ذلك كان مجرد كلام، فقد وجدت نفسي عاطلة عن العمل لفترة محترمة، قبل أن أجد عملا أفضل  ..

أثناء البطالة، لا يتغير شيء كثير، ما عدا بعض التفاصيل البسيطة، كل ما يلزمك هو فقط صبر أيوب، حكمة لقمان، دعاء يونس، ومعجزة تمكنك من الاحتفاظ بسلامة عقلك..

نحن في شمال افريقيا، لابأس ان تغيرت الأجواء فالجو متقلب، سيبدأ الموضوع بالمناداة عليك مرة واحدة قبل وضع الطعام، بعد ان كان الكل ينادي بلا انقطاع، ثم بعدها، و في مرحلة متقدمة لم اختبرها ، ستنسى و لن ينادي
عليك احد، وهذه سنة الحياة..

ستُخرجين من كل الأنشطة الإجتماعية للعائلة

فمن حقك ان تشعري بتلك الغصة في حلقك، غصة لا ينزلها لا ماء ولا أي سائل، وأنت تتذكرين الأيام الخوالي، قبل ان تصري على تطبيق العدالة وتلعب دور ” النمر المقنع” الذي يحارب كل الشرور، لك أن تبكي وتتألمي بأناقة وكبرياء، و من حقك السهر بعد كل كلمة جارحة، ينام قائلها قرير العين ولا يغمض لك جفن، لكن الحياة تستمر..

نحن في مجتمع قد يقسو على الضعيف، لا داعي للتبرم من نصيبك، قبلي وجه كفك وظهره اذا تذكروك بعظمة، البلد لا تنسى النخب السياسية من المساعدات في كل مناسبة دينية أو وطنية، في الوقت الذي يسحل فيه المواطن من أجل الحصول على قنينة زيت، و أهلك يتدينون بدين البلد، لذلك لا تستغربي إذا كان نصيب من يعمل أكثر من نصيبك  أنت ايتها العالة على المجتمع، ولا داعي لسيل مخاطك ودمعك، ففي آخر النفق المظلم نور، او هي نار اشعلها متشرد ما بحثا عن الدفيء.. لا اعلم.

لن يرحب بذهابك الى أي مناسبة ، فأنت ابنة البطة السوداء

عار على الانسانية، لا عمل ولا ذبلة، الايجابي هو أنه سيكون لديك متسع من الوقت للتأمل والخلوة بنفسك، لا ضير من مصادقة الأفلام والقصص، ولا بأس من ربط
اواصر الاخوة والقرابة  على خصرك وتفريغ كل الطاقات السلبية بالرقص والهز..

سيجدها بعضهم فرصة سانحة لتمريرك إلى عصمة أي عاهة بشرية، سيجلبون لك كل متردية ونطيحة وما أكل السبع، فانت عاطلة عن العمل، يعني في حكم الاعاقة، ليس من حقك ان تضعي شروطا، من أنت لتتزوجي رجلا يحبك ويقدرك؟

اما إذا كنت من محبي “السندريلا”، ومقتنعة بفكرة وجود الأمير الذي يختطفك من الهم، ليزرعك في قصره المنيف، فأسفة لو خيبت ظنك وقلت لك أنه وحسب الإحصائيات ليست هناك اي زيجة ناجحة لفتاة هاربة من الزفت، من هربت من الويل لن تجد غيره، كما لم يعد هناك امراء يزورون طبقتنا منذ زمن القصص القديمة..

في مراحل متقدمة سمعت بها ولم أصل اليها لحسن الحظ، قد توضع مائدة الطعام ولن تجدي لك مكانا، قد تمدين يدك الى الصحن فيبعد عن متناولك عمدا، قد تشتمين بما ليس لك دخل فيه، قد ينزع من قدمك حذاء لبسته بالغلط، قد تنهرين وتوبخين بلا سبب، سيطلبون منك السكوت رغم أنك لم تتكلمي، ستحاسبين على اللقمة، ستضيقين ذرعا وقد تقررين المغادرة، ولن يطلب منك أحد البقاء..

المسيء يا عزيزتي لا يشعر بأنه يقوم بعمل سيء، كل ما يفعله يراه واجبا إنسانيا، هو فرد من مجتمع، شخص يحمل جينات وذاكرة أجداد لا يعرفهم، ونحن يا عزيزتي أشخاص حساسون للغاية، رومانسيون وحالمون، نفهم كثيرا، اذكياء جدا، وتلك مشكلتنا..

البطالة والجلوس على الحديدة، يعلمان الكثير

قد لا تشعرين آنذاك الا ببرودة الحديدة  وتلك الغصة المؤلمة، لكنك ستكتشفين عند الخروج أنك تغيرت بشكل مهول، ستصبحين أكثر صمتا، أكثر هدوء، ستفضلين الوحدة والخلوة على كل الملذات،  ستصبحين أنانية جدا، لأنك من قبل لم تجد إلا نفسك، عانيت من نوبات الفزع ولم تجدي من يضمك، بكيت ولم يمسح دمعك أحد، صرخت أن “آآآآآآه”  والكل نائم. وبعد نجاتك سيحاولون إقناعك بضرورة التغير، أن تكوني اجتماعية، حاولي إخفاء ابتسامتك  الساخرة ولا تضيعي أي “كالوري” في الرد.

 

أضف تعليقك هنا