مجالس قرآنية 11(سحر المال)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9). الهمزة 1-9

المال عصب الحياة .. المال هو الساحر الذي يسحر عقول الناس، وحين يملك الإنسان المال يشعر أنه يملك كل شيء ويفعل ما يريد، بل ويسعى الناس عموماً لرضاه، ولذا فإنه يصبح مغروراً متكبراً، هذا أنموذجٌ من البشر نعايشه ونراه، ولتجنبه لا بد من التذكير بحاله ومآله، وهذا ما تتحدث عنه السورة.

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)  بداية تهز النفوس وتحركها فهو تهديد بالعذاب الشديد “ويل ” لكل من يسخر من الناس وبأي أسلوب سواء بالقول “الهمزة ” أو بالفعل “لمزة “، وأيضا بالكلام على الشخص بحضوره ” همزة ” أو بغيابه ” لمزة “؛ فكل هذا ممنوع يرفضه الإسلام ويحاربه.

الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) لعل هذا هو السر الذي جعله يتحدث بالناس ويحتقرهم إنه “جمع مالاً “؛ فهو يسعى ويجتهد في جمع المال. ومن جميل التعبير القرآني قوله: “وعدَّده ” فهو يبالغ ويكرر في عده والتأكد من زيادته، فحجب عن نفسه عما خُلق من أجله.

يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)  هكذا هو يظن أن المال يمنحه الخلود والحياة الأبدية، وفيه إشارة إلى نسيانه الدار الآخرة، مع رؤيته لحقيقة الموت أمامه في كل حين، لكنه يراه بعين البصر لا بعين البصيرة؛ فالقلب مشغول فلا يسمح لنسمة الإيمان أن تدخل إليه.

كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) فلا خلود، وتأكيد على تلك النهاية المشينة بالقسم بمصيره الذليل، ومن هنا كانت كلمة “لينبذن “، أي يُرمى رمي الذليل هو وماله حيث كان يعتقد أنه من أهل الكرامة، وأين؟ في “الحطمة ” التي يحطم بعضها بعضاً من شدة الحر والعذاب، فكما كان يجمع سيرمى في نار تتفرق من شدة الحر والعذاب، فما أحسن اختيار “الحطمة ”

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) تهويل وتعظيم لشأنها، ثم يذكر خمس صفات لتلك الحطمة:

نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) هاتان صفتان من الحطمة: الأولى أنها “نار الله “؛ فهي ليست كنار البشر ولا مقارنة، وقد ذكر لنا الرسول  e شيئا من ذلك فقال: إن ناركم هذه التي توقدون عليها جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم [1]” أي أنها زيدت عليها بتسع وستين درجة، والثانية “الموقدة “، فهي مستمرة لا تطفأ أبدأ، فكما ظن أن ماله أخلده فعذابه سيكون خالداً، ثم أضاف صفة ثالثة فقال:

الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)    ألطف ما في جسد الإنسان هو الفؤاد، فتلك النار تتجاوز الجلد لا أن تصل إلى الفؤاد فقط، بل لتطلع عليه، أي تغطيه وتعلو عليه دون أن تحرقه، فلو حرقته لمات، لكنها تعذبه في مكان موطن الكفر والعناد والانشغال بالأموال وممارسة الهمز واللمز “الفؤاد “.

إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)  تلك هي الصفة الرابعة مغلقة محكمة الأبواب فلا يستطيعون الخروج منها.

فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)ﱠ أغلقت الأبواب، وشُدَّ عليها بأوتاد من حديد، وقد يكون فيها أعمدة من نار ممتدة ومنتشرة في “الحطمة “.

إنها رسالة نوجهها لكل من يحتقر الناس ولكل من غلّف قلبه حب المال وسيطر عليه، أمامك يوم عسير، وخطب جسير، والناقد بصير، والجزاء من جنس العمل.

اللهم أجرنا منها يا أكرم الأكرمين، وأدخلنا جنتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على سيد المرسلين.

 

[1] البخاري، صحيح البخاري رقم 3265

 

أضف تعليقك هنا