عزلة مدموجة بين ذكريات ذاتية

شيء من ذكرياتي..

بين أحضان عائلتي خطوت خطواتي الأولى

في يومِ الثلاثاء، بتاريخِ ٢٢ من شهر آب لعام ٢٠٠٠ للميلاد، في بدايةِ الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”، بين أحضان مستشفى الرعاية التخصصي وبالتحديد منتصف رام الله الحبيبة، بتمامِ الساعة السادسة صباحاً، ولدتُ أنا الفتاة المشاكسة، والتي لِطالما قد حُيِرَت أُمِها وأَبيها باسمها، حيثُ بقيا يبحثان لي على اسمٍ جميل ومناسب؛ ليختارا لي اسماً بمعنى قُبلةَ الشِفاء “لمى”.. مقال يتحدث عن ذكريات ذاتية ويمكنك قراءة المزيد من المقالات التي تتناول قصة من هنا.

مرَت الأيام وأنا بين أحضان عائلتي أَتنقل، فَكَما يقولون: “محظوظاً من يكون هو الطفل والحفيد الأول في العائلة”، وفعلاً كم كنتُ محظوظة بوجود عائلتي التي أُحب، وكم كنتُ نحسة في ذات الوقت، تقول لي أُمي:” في ليلةِ ولادتكِ قد توفي عمي في نفسِ اللحظة التي خرجتِ بها نحو الحياة، وعندما كنتِ في عمر السبعةَ أشهر قد توفي جدكِ”، لأرد عليها وأقول: “هذا القدر يا أُمي، وكل إنسان مكتوب له الموت في أي لحظة لم يتخيلها أو يتوقعها أحد، ولكنني فعلاً أشعرُ بأنني محظوظة جداً؛ لأنني قد سبقتُ القدر وخرجتَ للحياة، وألحقتُ غمرةَ جدي، حنانه، وبعضاً من الصورِ التي جمعتني به قبل أن يغادر الحياة؛ لتبقى ذكرياته وتفاصيله الصغيرة تكبر معي كل عام”.

بين رصاصات حاقدة اجتزت طفولتي الأولى

ومن هنا بدأت الطفلة المشاكسة تكبر يوماً بعد يوم، حيث كنت أول طفلة قد تدخل الروضة قبل موعدها لعدم تطبيق السن القانوني، فكما قال لي والدي: بأنه كان لدي بعض المشاكل في النطق؛ لذلك قاموا بتدخيلي الروضة وأنا في عمرِ الثلاثة سنوات؛ لتقوية شخصيتي والتخلصَ من هذه المشكلة، كنت الطفلة المحبوبة والمدللة لدى مُعَلِمَتي الغالية جداً على قلبي “مس منال”، والتي كانت تأخذني معها في كل حصة تُعطيها لباقي أطفال الروضة، وجعلت زاوية مخصصة لي مليئةً بالألعاب والدميات الجميلة التي كانت تُشاركني باللعب بها، فهي من جعلتني أُحِبُ الروضة وأتعلق بها كثيراً لدرجة أنني كنتُ لا أحبُ العطلة أبداً.

ومن ثم مر ما يقاربَ الثلاثة سنوات ونصف وأنا في الروضة والتي كان اسمها “روضة كوبر الإسلامية”، وجدير بالذكر بأنها كانت قريبة جداً على قريتنا كونها بقرية كوبر المجاورة لنا، في تلك الفترة أتذكر أحد الأيام التي لا يُمكن أن أنساها أبدا، وهي لحظة اقتحام بما يُسمى بالاحتلال الصهيوني لقرية كوبر، حيث قاموا بإغلاق الطرق وعدم السماح بالخروج أو الدخول لأحد، وبعضهم كانوا يقفون حاملين بين أيديهم السلاح، وجوههم كالشرير مُخيفة جداً، لا أتذكر جيداً ماذا كان سبب اقتحامهم كوني كنت طفلة صغيرة، ولكنني أتذكر كم كنا خائفين أنا وباقي أطفال الروضة كوننا أول مرة نراهم بها، كما أننا كنا غير مُدركين ما يحصل، لدرجة أنني في آخر أيامٍ لي بالروضة بدلاً من أن أشبع من تلك المرجيحة الزرقاء وباقي الألعاب التي كنت أُحبها، رفضت أن أُداوم فيها وذلك بسبب الخوف من أصوات القنابل والرصاص التي سمعتها وأرعبتني وقتها، ولكنني عدت في آخر يوم بالروضة والتي كانت تختتمه الروضه ك حفلة تخريج بسيطة للأطفال، لأتخرج بشكل نهائي من الروضة عام ٢٠٠٥م.

ما بين عسر ويسر تخطيت سنوات المدرسة

ومن ثم إنتقلتُ لمرحلة جديدة في حياتي، مرحلة غريبة نوعاً ما كونها مليئة بتفاصيل جديدة مختلفة عن مرحلة الروضة، وهي مرحلة المدرسة، حيث التحقت بمدرسةِ بنات بيرَزَيت الأساسية التابعة لوكالة الغوث في تاريخ: الثاني من شهر أيلول لعام ٢٠٠٦م، والتي تقع في مدينة بيرَزَيت خلف مصنع الأدوية، في أول يوم لي أتذكر فرحة أمي وأبي حين رأوني بمريول المدرسة، وحنان أبي حين كان يجهز لي المصروف اليومي على الطاولة، ولحماسة أُمي لهذه الأيام، حيث كانت تستيقظَ باكراً لِتُجهزني وتعدَ لي كوباً من الحليب الساخن، و وجبة صغيرة من الفطور، وحقيبتي التي كانت لا تخلو من ساندويشة صغيرة و بعضاً من حباتِ الفواكه أو الخيار لكي لا أجوعَ في الدوام، ومن ثم تجلسَ معي على طاولة المطبخ وأنا أتناولَ الحليب لتراجعني في دروسي، فكنت أشعر بأن أُمي هي من تدرس وتقدم وليس أنا، فكم كنتُ طفلة شَقِيةَ أُتَعِبَها وأرهقها معي في دراستي لساعاتٍ طويلة!، كنت شقية صحيح ولكنني كنت نشيطة أحب أن أُشارك بالأنشطة التي تعملها المدرسة، أكثر لحظة لا يمكن نسيانها في تلك الفترة لحظة تحليق أعداد كبيرة من طائرات الجيش الصهيوني، فكم كانت صوتها ترعبني لدرجة أنني كنت أكره العودة إلى المدرسة في اليوم التالي، كما أنني كنت أكره فترة انتهاء الدوام؛ وذلك لخوفي الشديد من شوارع بيرَزَيت المليئة بالقصص المخيفة، والاقتحامات المفاجئة من قبل الاحتلال الصهيوني، حيث كان العم أبو صافي يتأخر علينا كثيراً ليروحنا على بيوتنا، فكنا ننتظر كثيراً تحت أشعة الشمس المحرقة، ونحن خائفون من مرور جيب من الجيش فجأة، فكم كانوا والدية يقلقون علي، لذلك قام والدي بنقلي لمدرسة أخرى، و ذلك خوفاً من رصاصة طائشة تخترق جسدي، والمواصلات الصعبة جداً، كان قراراً صعباً للغاية، كوني أحب تلك المدرسة جدا، وكنت قد اعتدتُ وتأقلمتُ على معلماتي وصديقاتي، ولكن هذا القدر.

ومن ثم إنتقلت لمدرسةِ بنات أبو شخيدم الثانوية في عام ٢٠١٢م، والتي تقع في نفس القريةِ التي أَسكُن بها، كنتُ أحب أن أشارك في الأنشطة جداً، و المسابقات ك مسابقات الرسم والكتابة، كما أنني شاركت بعرافة الحفلاتِ أكثر من مرة، والغناء وإلقاء القصائد الوطنية في الإذاعةِ الصباحية بشكلٍ يومي، وكنت المسؤولة عن فريق الكشافة الفلسطينة في المدرسة، وعضو ضمن طالبات البرلمان الطلابي،ولكن مع مرور االسنين أصبحتُ أواجه الكثير من المشاكل التي لا أُحب أن أتذكر أو أتحدث بتفاصيلها أبدا، ومررتُ بفترة لا تُطاقَ أبداً؛ لذلكَ و بعد النقاش مع والدي قررت أن أنتقل من تلك المدرسة تاركة بها بصمة لن تُنسى أبداً.

إنتقلتُ فيما بعد إلى مدرسةِ بنات الماجدة وسيلة في مدينةِ بيرَزيت في نهاية عام ٢٠١٦ ، فكم كانت خطوة ممتازة بالنسبة لي!، فقد أعادت إليَ الروح و الحيوية من جديد، فدخلت الصف الحادي عشر، وإلتقيت مع صديقاتي بأيام الوكالة، وتعرفتُ على الكثير من الصديقات، و شاركت بالكثير من الأنشطة، و أكثر شيء لا يمكنني نسيانه، لحظة تشجيع معلماتا اللغة العربية لأستمر في الكتابة، و لحظة تشجيع المرشدة الإجتماعية لأستمر بالرسم، ومن هنا بدأت أمارسَ هواياتي في كل من الرسم والكتابة والقليل من الغناء، و الحملة التي إشتغلناها سويا أنا وزميلاتي التي حصلت على نتائج جيدة وهي حملة “مقاطعة البضائع الإسرائيلية”، ومن ثم إرتفعتُ نحو الصف الثاني عشر بما يسمى”التوجيهي”، لا أنكرَ بأنني كنتُ خائفة من تلك المرحلة كثيراً، ولكن إجتهدتُ، ثابرت، وتعبت جداً، و في نهاية المرحلة إستطعتُ أن أحصد جهودي، فكما يقولون:” ازرع تحصد”، فزرعتُ و حصدتُ، فتخرجت من المدرسة بشكل نهائي عام ٢٠١٨م،  واستطعتُ أن أنجح وأحصل على المعدل الذي يدخلني إلى جامعة أحلامي: “جامعة بيرَزَيت”.

وفي جامعةِ بيرَزيت نمت أحلامي

ومن ثم إنتقلتُ نحو مرحلة مختلفة كلياً عن باقي المراحل، فالطفلة المشاكسة الشقية قد كبرت وأصبحت طالبة جامعية، حيث إلتحقتُ إلى جامعة الشهداء “جامعة بيرَزَيت” في بداية شهر أيلول لعام  ٢٠١٨م، ودخلت إلى كلية الفنون والتصميم والموسيقى، وها أنا اليوم طالبة في السنة الثالثة أدرس الفنون البصرية المعاصرة، أُحب الجامعة كثيراً، كونها علمتني الكثير من الأشياء، وعتني لأمور كثيرة، عرفتني على الكثير من الأٌناسِ، فمنهم المثقفون الكاتبين الذين يشجعوني دائما على القراءة والكتابة، ومنهم الفنانون الذين يبثون الحياة المرحة بداخلي من خلال فنهم الجميل، والأساتذة والدكاترة الذين يساعدونني كثيراً لأتعلم وأصل، فتعلمتُ منهم بأن نقدهم دائماً لصالح الطالب، ليتعلم من أخطائه ولا يقعَ بها مرة أُخرى، كما أنني لا أنسى الحياة والإبداعاتَ الجديدة التي منحتني إياها بيرَزَبت، حيث أنني استطعتُ أن أدخل فرقة الغناء “فرقة سنابل” التابعة لعمادة شؤون الطلبة، والتي جعلت مني إنسانة واثقة من صوتها ونفسها تماماً، وأعطتني الكثير من الفرص لأخرج صوتي أمام الكثير من الطلاب والناس، كما أنها علمتني كيف أستطيع أن أُعبر بصوتي وأُغني لقضيتي فلسطين، و فريق التصوير الذين منحوني الفرصة لأوثق الكثير من اللحظات البيرزيتية الأكثر من رائعة، وقسم العلاقات العامة في مبنى رئاسة الجامعة الذين منحوني فرصة عظيمة ووثقوا فيي؛ لأتنقل بين أرشيف الجامعة العظيم جداً، حيث كان أكثر لحظات جميلة بالنسبة لي، كوني غرقت بأرشيف جامعة أحلامي واستطعتُ أن أكتسب الكثير من المعلومات القديمة جداً، والصور والمشاهد التي تبين مدى كمية استمتاع طلاب وطالبات بيرَزَيت في الجامعة منذ لحظة تأسيسها ليومنا هذا، لدرجة أنني أصبحتُ أخاف من سرعة الأيام ولحظة تخرجي التي ستمنعني من الغرق بكافة اللحظات الجميلة هذه، فاللحظات الجامعية لا تُعوضَ أبداً.

فيديو مقال عزلة مدموجة بين ذكريات ذاتية

أضف تعليقك هنا