قد أكون مجنونًا .. لكن فلسطين تستحق

هل يؤثر سحب الأموال العربية من البنوك الأمريكية الداعمة لإسرائيل سلباً على أمريكا وإسرائيل؟

قرأت في إحدى الصحف مؤخراً حديثاً لكاتب فلسطيني يرى أنه بإمكان العرب تحرير فلسطين إذا قاموا بأمرين أولهما سحب جميع أرصدتهم المالية من البنوك الأمريكية، وثانيهما هو تكوين لوبي عربي في الولايات المتحدة على غرار اللوبي اليهودي المسيطر على القرار الأمريكي -كما يبدو- سواء في الكونجرس أو في البيت الأبيض، ويبدو لأول وهلة أنه بالإمكان القيام بذلك لأن المال مال العرب ويستطيعون استثماره في أي مكان آخر غير الولايات المتحدة. ولكن السؤال الأهم هو هل يستطيع العرب أن يقوموا فعلا بسحب أموالهم من جميع البنوك الأمريكية!؟ هل الحكام العرب وأولياء أمورهم قادرون فعلا على القيام بذلك. وحتى إذا تحقق ذلك، وتم تحويل تلك الأموال وإبقائها كما هي أي دولارات أمريكية ولكنها مودعة في بنوك أخرى خارج أمريكا، ألا تظل الولايات المتحدة هي التي تتحكم فيها سواء من خلال تصرف الدول العربية المالكة لها أو من خلال تصرف تلك البنوك الأخرى فيها أو من خلال عمليات إعادة استثمارها في البنوك الأمريكية من قبل البنوك التي حولت إليها تلك الأموال. وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. ثم كم هو حجم الأموال العربية التي يمكن أن يؤدي سحبها من سوق المال الامريكي إلى التأثير سلبا على اقتصاد أكبر دولة في العالم ويجبرها على تغيير سياستها الخارجية رأسا على عقب.

هل تؤثر الضغوطات الاقتصادية في تغيير الموقف الأمريكي اتجاه الشعب الفلسطيني؟

إن القيمة الإجمالية لجميع الأموال العربية المودعة في بنوك الولايات المتحدة قد لا تتجاوز عشرة في المائة فقط من ميزانية إحدى الوزارات في الحكومة الأمريكية. كما أن مجموع الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول العربية لا يتجاوز الواحد ونصف في المائة إلا بقليل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي حسب الأرقام المنشورة من البنك الدولي لعام 2020. بينما يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة وحدها وفقا لتلك الأرقام ما يقرب من خمسة وعشرين في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ثم إن اللوبي اليهودي في أمريكا إنما يعتمد على أموال اليهود التي تحرك البنوك الأمريكية فكيف يمكن أن يكون للعرب لوبي عربي في أمريكا إذا لم تكن لديهم أموال كافية في البنوك الأمريكية. لا اعتقد ان هذه الفكرة حتى لو أمكن تطبيقها يمكن أن تؤدي إلى أي تغيير يذكر في الموقف الأمريكي الداعم الدائم للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والحامي والمدافع عن كل جرائم بني إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

تحرير فلسطين يتطلب تضافر ووحدة الشعوب العربية 

أرى أن هناك فكرة أخرى لتحرير فلسطين قد تبدو للبعض أنها فكرة مجنونة ولكنني أراها أكثر واقعية وأقرب للتحقيق من الفكرة المالية السابقة. إن عدد العرب الان قد يتجاوز المائتين وخمسين مليونا من البشر يعيش معظمهم عالة على العالم وقد لا يتجاوز الناتج القومي لمجموع الدول العربية بما في ذلك النفط والغاز والمياه والأبراج والقصور والتمور والجمال وخلافه أقل من واحد في المائة من الناتج المحلي العالمي، ولكنهم -أي العرب- يملكون هذه القوة البشرية الهائلة. فلو قرر جميع هؤلاء الزحف على فلسطين المحتلة مشياً على الأقدام في يوم تاريخي يختارونه وقد يكون يوم ١٥ مايو هو اليوم المناسب لذلك فإن كل ما تملكه “إسرائيل” من الأسلحة والقوة العسكرية بما فيها الأسلحة النووية قد تستطيع القضاء على نصف مليون مواطن عربي من هؤلاء، ولكن لن يبقى بعد هذا الزحف المهيب الرهيب غير المسبوق، لن يبقى إسرائيلي واحد على أرض فلسطين بينما يبقى الملايين العرب كما هم لأنه سيلد منهم قبل انتهاء عملية التحرير ما يقرب من نصف مليون مواطن عربي جديد ليحلوا محل الذين استشهدوا بحق هذه المرة من أجل تحرير فلسطين.

كيف سيكون الحال بعد تحرير فلسطين ؟

وعندما ينتهي الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة وتعود دولة فلسطين إلى اَهلها من النهر إلى البحر فسيجد العرب أن أول دولة تعترف بدولة فلسطين الحرة المستقلة هي دولة الولايات المتحدة الأمريكية لأن دولة فلسطين أصبحت أمرا واقعا ولم تعد محلا للتفاوض لا مع اليهود ولا مع غيرهم. ولن تكون هناك ضرورة لا لسحب الأرصدة العربية من أمريكا، ولا لإقامة لوبي عربي فيها وحتى اللوبي اليهودي قد لا يكون له معنى بعد تحرير فلسطين إلا إذا قرر اليهود البحث عن بقعة أخرى في الكرة الارضيّة لتكون أرض الميعاد الجديد لهم وربما وجدوا من يعينهم على ذلك من كثير من العرب، فالعرب واليهود جدهم واحد هو سيدنا إبراهيم الخليل، فولده إسماعيل كما يقال: هو أبو العرب، وأخوه إسحق كما يقال أيضا: هو أبو اليهود وابنه يعقوب اسمه أيضا إسرائيل. فلا ينبغي أن تكون بينهما عداوة أو بغضاء.

كم من العرب يريدون تحرير فلسطين؟

ترى كم من العرب يوافقون على هذه الفكرة المجنونة ويقبلون الزحف على فلسطين المحتلة مشيا على الأقدام وبدون سلاح لتحريرها وفيها بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي محمد و مهد المسيح عليهما أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وإعادة فلسطين إلى أهلها. كم يا ترى من الحكام العرب سينضمون إلى هذه المسيرة المقدسة لتحرير فلسطين بعد ثلاثة وسبعين عاما من الاحتلال. كم من العرب حكاما ومحكومين يريدون فعلا أن تتحرر فلسطين.

أما بعد فإنني أعترف لكم أنها فكرة مجنونة، ولكن أليس كل ما نسمعه ونراه في عالمنا العربي حول قضية فلسطين وغيرها إنما هو من صنع المجانين بما في ذلك اتفاقية أوسلو، والمبادرة العربية وحل الدولتين و اسراطين والطلب أخيرا من مجلس الأمن أن يحل القضية وهو الذي عجز عن حلها طوال ثلاث وسبعين عامًا خصوصا ونحن نعلم مسبقا أن هناك “فيتو” أمريكي معتبر سيمنع صدور مثل ذلك القرار. وهذا العبث المجنون الذي يجري هذه الأيام في فلسطين وبرعاية بعض الحكومات العربي هو الذي دفعني لكتابة هذه الخاطرة المجنونة. يقول المثل العربي: “المجانين في راحة”؛ فاستريحوا ايها العرب. ولك الله يا فلسطين.

فيديو مقال قد أكون مجنونًا.. لكن فلسطين تستحق

 

أضف تعليقك هنا