بقلم: مهند فارس
يرتبط العراق وتركيا بروابط تاريخية قديمة تعود الى العهد العثماني حيث استقطب الحرفيين والعسكر العراقيين الى عاصمة الدولة إسطنبول أنذاك حسب المصادر التاريخية وإزداد هذا التواجد في السنوات القليلة الماضية نتيجة لإرتفاع وتيرة التوترات الأمنية وضعف الخدمات كما أشار الدكتور فارس عبدان أحد المقيمين في تركيا وأضاف إن التقارب الثقافي بين البلدين وقلة التكاليف المعيشية نسبة لدول أخرى بالإضافة لهدوء الحياة فيها وجمال طبيعتها كل هذا يعد حافزاً مهماً لإختيارها.
وقدرت إحصائيات وزارة الهجرة العراقية عدد العراقيين المقيمين في تركيا بأكثر من 700 ألف, محتلين المرتبة الثانية كأكبر جالية عربية بعد الجالية السورية حسب تصريحات دائرة الهجرة التركية, كما يأتي العراقيون بالمرتبة الأولى بشراء العقارات, حيث أصبحت تركيا قبلة اللاجئين العراقيين بعد الأزمة السورية كما أشار الدكتور فارس في حديثه إضافة لتوافد المئات سنويا للإستقرار فيها لمختلف الدوافع الأمنية والإجتماعية.
عدد السياح العراقيين في تركيا
عمدت تركيا خلال السنوات العشر الماضية الى جذب السياح الأجانب من خلال منح التسهيلات للراغبين بزيارتها وزيادة عدد المرافق السياحية في المدن الكبرى كما عبر السيد علي عبد الواحد أحد السياح القادمين من بغداد وأشار الى إنها إستطاعت تشغيل ماكنتها الإعلامية في الترويج عن سياستها السياحية المتساهلة لجذب المزيد ويأتي العراقيون بالمرتبة الأولى بعدد السياح العراقيين حيث قدر عددهم عام 2019 بـ 550 الف وافد الى مطارات أسطنبول فقط حسب إحصائيات نشرتها وكالة الأناضول الرسمية التركية.
التسهيلات التي تقدمها تركيا للمقيمين في أراضيها
-
الإستقرار
قول السيد فارس إن رخص المعيشة وتوفر كافة الإحتياجات كانت سبب لإختياره تركيا حيث تتراوح أسعار الإيجار ما بين الـ200 والألف دولار في المدن الكبرى وينخفض هذا المبلغ في أطراف المدن والولايات الأخرى وأشار الى إن الطابع العائلي هو الغالب في هذه الهجرة وخاصة فئة المتقاعدين, وصرح السيد عمر الجبوري أن البعض يعمد تأجير بيوتهم في بغداد أو المحافظات الأخرى والعيش بمردودها الشهري حيث تتطلب المعيشة حوالي 500 دولار شهرياً من إيجار الشقة وفواتير الخدمات والمعيشة وقال إن هذا المبلغ قليل مقارنة بأسعار المعيشة في العراق فضلاً عن الأمن والهدوء الذي تتمتع فيه تركيا, وتوفر الحكومة التركية تسهيلات للحصول على إذن الإقامة في أراضيها مقابل ضرائب سنوية تتراوح بين الخمسين والمئة دولار سنوياً.
-
التعليم
وعبر السيد عمر الجبوري في تصريحه إن أهمية التعليم وصعوبة اللغة التركية ومفرداتها لم تعد تشكل عائق أمام هذه الهجرة لمرونة البدائل كالمترجمين الفوريين وتطبيقات الهاتف المحمول, كما عمد العديد لدراسة اللغة التركية في المعاهد المختصة المسماة تومر وأسس بعض العرب معاهد لتعليم اللغة التركية تحت إشراف مدرسين عرب وأتراك كما هو معروف في ولاية سامسون وأضاف إن هذه المعاهد تستقطب مئات الطلاب سنوياً تمهيداً للدراسة في الجامعات الحكومية والخاصة, كما تعلن الحكومة التركية سنوياً عن منح دراسية للطلاب الأجانب الراغبين بالدراسة في جامعاتها, وتقدر إحصائيات وزارة التعليم التركية عدد الطلبة العراقيين بأكثر من 7000 طالب يدرسون بمختلف الإختصاصات العلمية والأدبية, وعمد العديد من الطلبة لتأسيس تجمعات طلابية تساعد الوافدين الجدد في التقديم للدراسة والإستشارة, كما تتواجد عدد من المدارس الإبتدائية والثانوية العراقية والعربية المعترف بها من وزارتي التربية العراقية والتركية والتي تدرس مناهج عربية وتركية كما قال الدكتور فارس.
توافر بيئة تجارية ومستشفيات للعلاج في تركيا
-
الأعمال التجارية
أشار السيد عبد الله العلي وهو صاحب مشروع تجاري إن توزع العراقيين في مدن مختلفة كسامسون وسكاريا وقيصري وغيرها وفر بيئة تجارية داخلية رغم أزمة البطالة التي تعاني منها تركيا, حيث تنتشر المشاريع التجارية العراقية الخاصة في أماكن توزعهم, كشارع العراقيين في مدينة سامسون وأشار الى إن سبب تسميته بهذا الإسم هو لإنتشار محلات المواد الغذائية والمخابز العراقية بشكل خاص إضافة لمكاتب السياحة والسفر والعلاقات العامة التي تقدم خدماتها للزبائن, وعبر في كلامه الى إن هذه الأعمال رفعت من القيمة السوقية كما شكلت ضرائبها مورداً إضافياً للدولة بالإضافة الى إن الحكومة التركية قد ألزمت أصحاب الشركات الأجانب بتوظيف خمسة موظفين أتراك على الأقل كشرط لمنح رخصة مزاولة العمل وشددت من شروط منح إذن العمل للأجانب للتخفيف من أزمة بطالة الشباب الأتراك.
-
الصحة
تعتبر إيناس عبد الله إن المستشفيات التركية معروفة بأهليتها ورخصها وبالأخص إستشارياتها الطبية وعمليات التجميل والليزر وقالت “إرتفعت نسبة سفر العراقيين الى تركيا للعلاج بدلاً من الهند وإيران ولبنان في السنتين الماضيتين لهذا السبب”, قلت هذه الزيادة مطلع العام الماضي نتيجة للأزمة الوبائية لتتصاعد تدريجياً هذا العام حسب الإحصائيات الرسمية.
سلبيات الحياة في تركيا
يؤكد الدكتور فارس وهو يقطن تركيا منذ أكثر من 6 سنوات إن إزدياد عدد الجاليات الأجنبية بشكل عام أدى الى الإخلال في توازن الحياة الإجتماعية التركية حيث قلل من نسبة إندماج العراقيين في المجتمع التركي وعزوفهم عن تعلم اللغة التركية إضافة لمشاكل فردية أخرى, وأشارت التقارير الإعلامية الى إرتفاع نسبة البطالة بين الشباب الأتراك بسبب ميل أصحاب الأعمال لتشغيل الحرفيين العرب بأجر زهيد مقارنة بنظيرهم الأتراك, أدى ذلك الى زيادة النزعات العنصرية ضد العرب كما عبر السيد عمر الجبوري, وقال السيد عبد الله العلي أن الوباء ترك الكثير من الأثار السلبية فالإغلاق الكلي والجزئي قلل قيمة الوارد الإقتصادي للأعمال التجارية العراقية وعدم شمول محلات ومكاتب الأجانب بالمنح والقروض الإقتصادية التي توفرها الحكومة التركية للمواطنين الأتراك رغم إستمرارنا بدفع الضرائب المترتبة علينا.
كما إن أزمة اللاجئين العراقيين لا تزال مستمرة منذ أكثر من 5 سنوات بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق بعدم إستقبال اللاجئين وإغلاق مقرات الأمم المتحدة في تركيا حسب تصريحات دائرة الهجرة التركية, ويقول الدكتور فارس إن الكثير من هذه العوائل لا تعرف مصيرها في ظل هذه الأوضاع وبالأخص إن بعضهم لا يستطيع العودة الى العراق لأسباب أمنية والبعض الأخر لا يملك مورداً يكفل له أقل متطلبات الحياة.