تصحيح الامتحانات .. أمل وألم .. عقل وعاطفة .. بناء وهدم

قبل أن أدوّن كلماتي .. أودّ أن أقول .. رغم دور الامتحانات في تحفيز الطالب للدراسة والاجتهاد لتحصيل الدرجات، وفي ذاك المسار يكتسب الكثير من المعرفة والثقافة، ولكن لو نظرنا إلى الواقع، فكم نسبة الطلاب الذين يعرفون كيف يوظفون المعرفة في حياتهم؟؟

بالمقارنة مع عدد المتعلمين في جميع المؤسسات التعليمية فعدد من يستطيع التوظيف قليل، بل ونجد ان ما يتعلمه الطالب في المؤسسة ينفصل بشكل كبير عن الارتباط بالحياة، وفي النهاية نختبره بما يتعلمه لا بما يستطيع الاستفادة منه، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا لو ألغينا الاختبارات التي تعتمد على سكب المعلومات المتراكمة في الدماغ على الأوراق لتمزيقها فيما بعد، واستبدلناها لتركّز على فحص قدرة الطالب على توظيف ما تعلمه في الحياة أو لتكون فاتحة الطريق الذي يجعله يفكر في ذلك؟؟

الإمتحانات في أنظمتنا التعليمية

في ظل أنظمتنا التعليمية الحالية التي تبذل ما في وسعها لبناء مجتمع واع فكرياً وناضج ثقافياً، وفي ظل سياسة الاختبارات التي تعتبر الحكم على معرفة الطالب ومهاراته وخبراته، وبعد بذل المعلم لقصارى جهده مع طلابه لبناء عقولهم ومراكمة معرفتهم، يأتي وقت الاختبار، يتوتر الطالب وأسرته، وينتظرون منه ان يحقق أفضل الدرجات

يأتي دور المعلم في تصحيح الاختبار فيقع بين العقل الذي يقول أن الطالب تعلّم والمعلم تعب في تعليمه فمن الواجب أن يرى أثر ذاك التعلم في ورقة الامتحان الخاصة بالطالب، والعاطفة التي تدفعه إلى مراعاة ذاك الطالب وظروفه الخفية ورغبته بأن يكون والدي الطالب راضيين عن ابنهما، فقبل أن يكون معلما فهو أب،
وهنا يلجأ المعلم لمراعاة الطالب في تصحيح إجاباته، وهنا نسأل هل مراعاة الطالب تتم في حدود المنطق أم تصل إلى قبول الإجابة وإن كانت قليلة الارتباط بالسؤال أو لا تعبّر عن فكرة كاملة وواضحة على الأقل، وفي ظل نظام تعليمي يقوم على الترفيع الآلي لضعاف التحصيل ما يجعل عدم قدرة الطالب على التحصيل الجيّد ذنباً للنظام التعليمي اولاً قبل ذنبه وأسرته، وذنباً لمن يحكم على المعلم من خلال نتائج طلابه في تحصيل درجات استظهار المعلومات.

هل يعتبر مراعاة الطالب في تصحيح إختباراته بناء للمجتمع؟

ما بين مجتمع يجب أن يبنى على أساسات قوية ألا وهي عقول وسواعد أبنائه، وما بين بناء لهؤلاء الأبناء، بناء ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على النجاح والإنجاز، وما بين رغبة بتحفيزهم لبذل مجهود أكبر لتحقيق أهدافهم، وجعلهم أكثر قدرة على تحمّل مسؤولية اجتهادهم وتقصيرهم، وما بين وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لينهض المجتمع في الاتجاه الصحيح، فهل مراعاة الطالب في تصحيح اختباراته التي يعبر فيها عما تعلمه، تلك المراعاة المائلة للعاطفة والمجحفة بحق العقل والمنطق، تعتبر بناء أم هدم للمجتمع؟؟
ماذا لو عرف الطالب أنه لن يتنجح في الاختبار- على الأقل الاختبارات التي يتحكم فيها المعلم قبل أن يسيطر عليها نظام الترفيع الآلي نهاية العام – إلا إذا بذل مجهوداً، وكان لديه من المعرفة الكافية ما يسمح له بتجاوز الاختبار

تصحيح الإختبارات أمانة في أعناق المعلمين

نحن كمعلمين نرى ونعرف يقيناً الفرق بين معلم يتساهل في تصحيح الاختبار وبين آخر يشدد في التصحيح، فذاك الذي يتساهل بالتصحيح يجعل الطالب لا يبالي كثيرا بالاختبار والاستعداد الجيّد له فهو يضمن النجاح إذا كتب بعض كلمات او قوانين تشبه الصحيحة، بينما ذاك المعلم المتشدد في التصحيح يجعل الطالب موقن أنه لن يتجاوز الاختبار إلا إذا بذل مجهودا اكبر في التعلم، ما يدفعه إلى إعطاء المبحث الدراسي حقه كاملاً وإن كان على حساب مباحث أخرى، وبالتالي يخرج من العام الدراسي لديه حصيلة أكبر وإن لم تكن كافية، ولديه من الإيمان بأن من يسعى بجد ينال مسعاه، ولديه من الثقة بنفسه وباستحقاقه لما حصل عليه، فيصبح نهجه في الحياة.

لذا أوجّه رسالتي لكل معلم ومعلمة، الاختبارات وتصحيحها أمانةً في أعناقكم لا يترتب عليها نجاح طالب أو فشله فقط، وتبعاتها تتجاوز رضا أسرته عنه أو لا، فليس هذا ما يجب ان نركّز عليه، يجب ان نرى الصورة الأوسع، بعيون عقولنا لا عواطفنا، يجب أن نركّز على هؤلاء الذين سيصبح من بينهم الكثيرين من هم قائمين على خدمة البشر والمجتمع، كيف سنضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وفعليا وضعنا له من الدرجات ما لا يعبّر عن أهليته بالشكل الكافي؟؟ كيف سنضمن انشغال الطلاب وتركيزهم على بناء وعيهم وثقافتهم وطريقتهم ونحن نقدّم لهم النجاح على طبق من ذهب دون مجهود يستحق؟؟
عزيزي المعلم لا تبالغ في عاطفتك ولا تبالغ في رغبتك برفع نسبة تحصيل طلابك ليُقال انك معلم متميّز، بل انظر لأثر ما تفعله مستقبلاً وإلى ما يرضي الله في عملك، فكل أثر لنا إيجاباً أو سلباً مدوّن في كتابنا.

فيديو مقال تصحيح الامتحانات .. أمل وألم .. عقل وعاطفة .. بناء وهدم

 

أضف تعليقك هنا