سلطة الرجل وانمحاء الذات الأنثوية في رواية “غربة روح”

تبدأ قصّة العمل الروائي “غربة روح” (منشورات دار ومضة للنشر والترجمة 2020) -الذي يتناص عنوانه بشكل لافت مع عنوان غربة الياسمين لخولة حمدي-من مشهد تأمر فيه والدة زهرة ابنتها بإغلاق حسابها الفايسبوكي وترك الهاتف بسبب قدوم أخيها عائدا إلى البيت الذي تمتعض فيه على حبسه لهنّ، فَيَهُمُّ بضربها.

الرؤية الناقمة للرجل منذ بداية الرواية

تحمل الرواية منذ البدء رؤية ناقمة تجاه الرجل في حدّ ذاته. تبدو الروائية في كثير من المقاطع السردية غير قادرة على الفصل بين الذكورية كنسق اجتماعي مترسب ومتجذر بفعل عوامل ميثولوجية ودينية وسياسية والرجل كطرف يكرسها، الذي يعتبر هو الآخر ضحية هذا النظام التراتبي المتحجر.

ما هي غاية الروائية من كتابة هذه الرواية؟

لقد كشفت الرواية منذ أولى صفحاتها غاية الروائية من كتابة هذا العمل بداية بالإهداء الذي وجهته إلى والدتها مقصيّة كلّ الرجال بمن فيهم والدها، إضافة إلى التقديم الذي أبان عن نزعة التسلط الأنثوي الذي نقلته عن كريمة الشامي: “أتعلمون ما هو الحب؟ أن يكون في حياتك وليس في سريرك رجل. ما أكثر الذكور في وطني” وهو ما يمثل ضعفا فنيا ذلك أنّ العمل الروائي يجب أن لا يظهر هدف صاحبه بشكل مباشر.

يأتي رأينا هذا بعد ملاحظاتنا لعدة صفحات كاملة ضمّت فقرات مباشرة على لسان السارد العليم الذي لم يكن مشاركا في المسار السردي. توظيف هذا السارد المتباين حكائيا أقصى الشخصيات كلّها من إظهار أصواتها وحرمها من الحركية والتفاعل فبدت شخصيات مسطحة غير نامية بعدما تولى السارد العليم باعتماد الرؤية من خلف في معظم الرواية التعبير عن مكنوناتها ووصف اختلاجاتها النفسية، هذا ما يكشف انسياق الروائية تجاه رغبتها في الهيمنة لتمرير خطابات إيديولوجية.

تقسيم الرواية

قامت الروائية بتقسيم العمل الروائي إلى أبواب كثيرة تستهلها بتحديد مسبق لشهر وسنة أحداث ذلك الباب، معتمدة على السرد الآني المتسلسل وتقنية الفلاش باك، تستعرض في البداية شهر سبتمبر 2017 خروج زهرة من المشفى مرهقة وعودتها إلى بيت حماتها مريم وزوجها أحمد ثم يستعيد السارد وقائع تخصّ زهرة في معاناتها مع السلطة الأبوية المنغلقة قبل زواجها بعد لقاءها بأحمد الذي تعرفت إليه فاسيبوكيا ثم اكتشاف أخيها (دون أن يتّضح تحديدا من ناحية السرد كيف عرف بأنّها ستكون في لقاء) لهما ممّا يجعله ينفعل فيضرب أخته مسببا في دخولها المشفى ليقرر “أحمد” الزواج بها بعد تخلي عائلتها عنها.

كيف صوّرت الرواية الشخصيات الذكورية والأنثوية؟

صورت الرواية الأب والاخ في صورة سوداوية تغيب عنهما الرأفة والحنية وجعلت المرأة كائنا خاضعا. إنّ الروائية رغم محاولة تمردها ومهاجمتها الرجل بشكل صريح لم تتمكن فعليا من التحرر من ذاتها المهزومة فزهرة والأم وأسماء وكلّ الشخصيات الأنثوية عكست انهزامها النفسي وانكسار الذات النسوية.

تجتر الرواية مجددا نسق مهاجمة الآخر/الذكر وتستعيد مهمّة الدفاع عن الأنثى بعيدا عن استثمار التحليلات الاجتماعية التي تظهر في النهاية أنّ كلا من الرجل والمرأة ضحيتا تكرار للنسق الاجتماعي البطريركي نفسه. هذا ما يؤكد أنّ العمل قد انطلق من حالة نفسية وتجربة خاصة بالروائية.

شخصيات الرواية

وعليه تبدأ الروائية من خلال شخصية زهرة البحث عن الآخر لمعالجة رضوض الانكسار التي خلفتها الحالة التي عاشتها البطلة في عائلتها وهكذا تمثل كل من شخصيتي (أحمد) ووالده الدكتور خالد معادلا تعويضيا يجسد محاولة ترميم للذات الأنثوية المهزومة ويعيد طرح علاقة الرجل بالمرأة وحاجة الأنثى الى الاعتراف الذكوري بها (ينظر 126).

إنّ الروائية وإن بنت روايتها على تعرية العلاقات الأسرية من المثالية وتجريدها من الحنان الأبوي والعطف الأخوي لم تتمكن من التملص من حاجتها الذاتية الى الاعتراف بأن ترميم الذات يبدأ بالتصالح مع الآخر الذي لم يتحقق رغم كون شخصية أحمد مسالمة ومحبّة.

تميل الرواية الى النقم وتحمل حالات غضب واضحة تجعل الروائية تقع في كثير من المقارنات غير السوية ومن ذلك ربطها السلوك غير المتحضر وغير الواعي بالمستوى العلمي (ينظر ص47). الانفعال والغضب من المجتمع جعل بعض المقاطع السردية تبدو في صيغة شفاهية المنطلق (يمشيان معا) ص42 للدلالة على ارتباطهما في علاقة عاطفية.

كيف انتتهت حالة التمرد الأنثوي على الذكورية؟

تمثل الكتابة في هذه الرواية حالة استعادة للذات ومداواة لها تلجأ اليها زهرة فتدون قصصها المكبوتة لتقوم نورا أخت زوجها بإرسالها إلى مجلة لندنية دون معرفتها ثم تلتحق بأحمد في تيكساس لكنّها تغير رأيها فتتجه الى لندن لتحقق حلمها في العمل وإثبات الذات، هكذا تنتهي حالة التمرد الأنثوي على الذكورية بالانفصال عن الزوج لأنَّه يمثل بالنسبة للبطلة جانبا للرضوخ والانصياع.

غربة الروح التي عاشتها زهرة جعلتها تتخلى عن الحب وهذا ما يجسد فشل الذات في بناء علاقتها مع الآخر لأنّها لم تصلح نظرتها الفردية إليه ولم تعالج حالات النقم والغضب التي كونتها لها الظروف تجاه الذكر.

فيديو مقال سلطة الرجل وانمحاء الذات الأنثوية في رواية “غربة روح”

أضف تعليقك هنا