شركة أبل ومعادلة صناعة التميز “APPLE TO APPLE”

جميعنا يعرف شركة ” أبل” تلك الشركة الأمريكية العملاقة صاحبة شعار التفاحة المقضومة، والتي تأسست في عام 1976 على يد مؤسسها الراحل “ستيف جوبز” وصديقه “ستيف وزيناك”. والتي تعمل على تصميم وتصنيع الإلكترونيات، ومنتجات برامح الحاسوب مثل أجهزة الحاسب الشخصية ماكينتوش (Mac)، وجهاز الموسيقى أيبود (iPod)، وجهاز الهاتف المحمول أيفون (iPhone) الذي تم إطلاقة في عام 2007 ليصبح أحد أكثر الهواتف المحمولة مبيعاً في العالم.

بالتأكيد سمعنا واستشعرنا النجاحات المتتالية والمكانة المتميزة التي استطاعت شركة “أبل” تحقيقها خلال مسيرتها حتى أصبحت العلامة التجارية لها هى العلامة التجارية الأعلى تصنيفاً بين الشركات على المستوى العالمي.

” أبل” وتاريخ طويل من الصعود والهبوط

قد يظن البعض أن ” أبل” قد امتلكت هذا التميز منذ نشأتها، ولكن هذا خلاف الحقيقة فشركة “أبل” قد مرت بفترات متفاوتة من الصعود والهبوط حتى وصلت الي ما هي عليه الأن ، وسوف نستعرض ذلك خلال السطور التالية:

  • في بداية عمل ” أبل” في سوق الحواسب الشخصية عام 1976م من خلال إطلاقها لجهازها (Apple 1) كانت تحتل المركز الثالث بفارق كبير خلف الشركتين المنتجتين لجهازى (TRS-80) و (Commodore PET)، لكن تبنيها لثقافة الريادة جعلها تنافس بقوة من خلال إنتاجها لجهازها (Apple 2) والذي تميز بتصميم أكثر حداثة، بالإضافة الي استخدامه وسائل تخزينية مبتكرة من خلال الأقراص المرنة Disk 5.25 inch، وواجهة أكثر رسومية.
  • ثم حافظت ” أبل” على الريادة من خلال استخدامها لأول برنامج جدولة في عالم الأعمال، وهو برنامج (VisiCalc).
  • وبعد تعرض ” أبل” للانهيار نتيجة عرض أسهمها للإكتتاب العام في عام 1980م ، والذي حقق أرباحاً هائلة لم تحدث منذ اكتتاب شركة فورد ، مما أغرى أصحاب رؤوس الأموال بسحب أموالهم بشكل مفاجئ للاستفادة من هذه الملايين التي هبطت عليهم فجأة.
  • إلا أن ” أبل” عادت مرة أخرى إلى ريادة سوق الحواسب الشخصية عام 1984 م من خلال إطلاقها لجهاز الحاسب الشخصى منخفض التكلفة ماكنتوش (Mac)، وكان ذلك من خلال حملة دعائية مميزة قام بها المخرج المبدع “ريدلي سكوت” والذي شكلت حدثاً فاصلاً في تاريخ “أبل”.
  • حافظت ” أبل” على ريادتها من خلال إنتاجها لأول طابعة ليزر بوست سكريبت منخفضة التكلفة (Laser – Post Script) .
  • ثم من خلال طرحها لبرنامج (PageMaker) للنشر المكتبي، والذي كان أحد أشهر البرامج في هذا المجال.
  • ثم من خلال استخدامها للغة البرمجة (Logo).
  • ثم إطلاقها لجهاز الباوربوك المحمول، والذي يعتبر أول جهاز حاسب ألي محمول وضع أساساً للشكل الحديث ، وكان ذلك عام 1991 م (وهو أحد الأعوام الذهبية في تاريخ أبل كما في عامي 1984و2007 ).
  • ثم إطلاقها لنظام (System 7) كتحديث رئيسي لأنظمة التشغيل المستخدمة في ذلك الوقت.
  • تعرضت أبل بعد ذلك لحالة من التخبط من خلال طرح عدد من المنتجات غير المرغوبة مما أدى إلي هبوط حاد في المبيعات، وانحدار في القيمة السوقية للشركة.
  • إلا أن أبل” استطاعت العودة من جديد من خلال تطوير منصات بديلة مثل A/UX)).
  • ثم قيامها بالاتحاد الثلاثي مع شركتي (IBM) و (Motorola) فيما عرف بتحالف (AIM)، والذي مهد لإطلاق الحاسب الجديد (باور ماكنتوش).
  • ثم افتتاح متجر “أبل” ضمن استراتيجية تصنيع جديدة لخدمة العملاء.
  • ثم إطلاق حاسب (iMac) ذو التكنولوجيا الحديثة والتصميم الفريد.
  • ثم إطلاقها لبرامج تحرير الفيديو والصورة (iMovie) و (iPhoto) لتكتمل بذلك مجموعة برامج (iLife).
  • ثم قيامها في عام 2001 بافتتاح محال بيع منتجات “أبل” بالتجزئة.
  • وفي نفس العام قامت بطرح مشغل السمعيات الرقمي المحمول (iPod)، والذي حقق نجاحا كبيراً في حينه.
  • في عام 2003 قامت “أبل” بافتتاح متجر (iTunes) لتنزيل الموسيقى عبر الإنترنت.
  • ثم إنتاج جهاز (iMac) مسطح الشاشة.

إلا أنه وحتى هذه الفترة كانت “أبل” تركض خلف منافسها الأقوى في سوق الحواسب الشخصية (مايكروسوفت).

  • شكل عام  (2007) فصل جديد في تاريخ ” أبل” حيث  شهد إطلاق أول جهاز لتليفون أبل المحمول (iPhone) كأول الهواتف الذكية بمفهومها الحديث. (توجد تصنيفات لهواتف سابقة من شركتي IBM و Nokia باعتبارها أول الهواتف الذكية، إلا أنها في الحقيقة لم ترتقي لفئة الهاتف الذكي بمعناها الحديث).

من تتبعنا السريع لتاريخ “أبل” ومحطات الصعود والهبوط ، و مع ملاحظتنا حرصها الدائم على الريادة، وأن تكون سباقة في مجالها. إلا أننا نتبين حقيقة أن شركة “أبل” لم تكن الشركة الأولى في مجالها (إلا في فترات زمنية محدودة) عبر تاريخها لأكثر من نصف قرن سواء في مجال الحواسب الشخصية أو الهواتف المحمولة، فهناك دائماً من يسبقها في حجم المبيعات أو الحصة السوقية، وهما المؤشران الرئيسان الذان يحددان المرتبة التنافسية في عالم إدارة الأعمال.

إلا أننا نفاجئ أنه وبالرغم من ذلك فإن شركة “أبل” تمتلك أقوى علامة تجارية على مستوى العالم ، وبدون منازع. حتى أن بعض الخبراء يتهمون “أبل” بأنها لم تقدم ما يكفي للحصول على ذلك. ولكنهم في الحقيقة يغفلون أو لا يدركون حقيقة ما صنعته “شركة أبل”.

” أبل” وصناعة التميز ( المحاور الثلاثة) 

تمتلك “أبل” أعلى معدل “ولاء من العملاء” بين جميع الشركات العالمية، فكيف حققت ” أبل” ذلك؟ حقيقة الأمر أن ” أبل” اعتمدت في ذلك على 3 محاور رئيسية.

المحور الأول: الحرص على الريادة

كما سبق ورأينا خلال سطور  هذا المقال ، فإن شركة أبل قد حرصت دائما على أن تكون صاحبة الريادة وأن يكون لها السبق في العديد من المجالات سواء على مستوى المنتجات أو الخدمات المقدمة إلى العملاء ، سواء من حيث الإبداع في تقديم منتجات وخدمات جديدة ، أو في تطوير المواصفات و التصاميم الحالية.

المحور الثاني: التفرد والقيمة المضافة

في رأيي الشخصي يعد هذا المحور هو الأقوى بين المحاور الثلاثة في صناعة تميز “أبل”.فطالما عملت ” أبل” خلال تاريخها على ترسيخ التفرد والقيمة المضافة. ومع أن عبارة ”Apple to Apple” التى عنونا بها مقالنا لا ترتبط في الأساس بشركة أبل، إلا أنها باتت تنطبق إلى حد بعيد على هذه الشركة.

فقد تعمدت شركة أبل أن تصنع لنفسها مواصفات خاصة لا يمكن مقارنتها بمواصفات منافسيها، فمثلاً عند مقارنة مواصفات الكاميرات المستخدمة في أجهزة الهواتف الذكية لشركة أبل (iPhone) بمواصفات الكاميرات في الجوالات الذكية للشركات المنافسة مثل سامسونج وهواوي وشاومي، نجد أن كاميرا 100 ميجا بيكسل من الشركات المنافسة تعمل تقريباً بنفس جودة كاميرا 12 ميجا بيكسل من أبل.

هذا ما تعمدته شركة “أبل” التي كانت تستطيع أن ترفع مواصفة كاميراتها لتعادل الأخرين، ولكنها قصدت بذلك أن 1 ميجا بيكسل من كاميرا “أبل” تعادل 10 ميجا بيكسل من الكاميرات المنافسة . وفي هذا علامة على التميز  والعلو، تماماً كما تفعل الدول التي تعتقد أنها أفضل، فتجعل قيمة مواطنيها بقيمة العشرات من مواطنى الدول الأخرى. وما تفعله الجيوش في تبادل الأسرى في قبول أن تبادل أسيراً واحداً لها بعشرات الأسرى من الدول التي تراها أقل مرتبة ومنزلة.

أيضاً حرصت “أبل” على أن تزرع في عقول عملائها أن منتجاتها تمتلك أعلى قيمة مضافة، فمثلاً : امتلاكك لجوال (iPhone) من أبل يعني دخولك في طبقة أعلى وشريحة مجتمعية أكثر رقياً، بالإضافة إلى أن امتلاكك لجهاز من أبل يعني امتلاكك لجهاز أكثر أماناً على العديد من المستويات سواء من حيث التعرف على العميل أو في التصدي لمحاولات الإختراق  أو في الوصول إلى جهازك حال فقدانه أو الحفاظ على معلوماتك في حال عدم العثور عليه. بالإضافة إلى أن امتلاكك لجهاز من أبل يعني الاحتفاظ بالقيمة المدفوعة ، فمنتجات أبل هي أكثر المنتجات احتفاظاً بقيمتها السعرية على مرور الوقت، وغير ذلك.

المحور الثالث: التسويق الفعال

تنتهج “أبل” سياسة تسويقية خاصة تدعم قيمة التميز والولاء بشكل كبير.  فمؤتمراتها السنوية التسويقية والتي تركز فيها من خلال استغلال المحورين الأول والثاني على تسويق ونقل هذه الريادة وهذا التميز، وإشعار العملاء بالقيمة المضافة التي سيحصلون عليها من خلال إقتنائهم لمنتجات أبل علامة الرقي والتميز والمستوى الاجتماعي الأعلى.  بالإضافة إلى تعزيز الانتماء من خلال العروض الخاصة بإعادة الاستبدال بين منتجات أبل.

كما حرصت أبل على استغلال رموز المجتمع في المجالات المختلفة للترويج لمنتجاتها من خلال الإعلانات والفعاليات المتنوعة. أيضاً حرصت أبل على توزيع منتجاتها على جهات حكومية وخاصة مميزة بهدف الترويج لتواجدها.

هذا بالإضافة إلى أن ” أبل” كانت وما زالت شديدة الحرص على ربط منظومة الحياة التكنولوجية بمنظومة منتجاتها المتكاملة، ليصبح العميل شديد الارتباط في كل لحظة من لحظاته بأحد هذه المنتجات داخل منظومتها الخاصة.

وختاماً..يمكن إيجاز معادلة التميز التي انتهجتها شركة “أبل” في الكبسولات التالية

  1.  الريادة .. إحرص على أن تكون الأول، أن تسبق ولو بخطوة بسيطة، أن تضيف شيئاً جديداً بشكل دوري. هذا سوف يجعلك أحد قادة السوق في المجال الذي تعمل فيه.
  2.   التفرد والقيمة المضافة .. إحرص على أن تقوم بعملك بشكل مختلف ومميز ، حتى ولو كان هذا العمل مشابهاً للأخرين. إحرص أن يضيف عملك قيمة حقيقية ملموسة لعملائك. هذا سوف يبنى صورة ذهنية مميزة لدى العملاء المستهدفين.
  3. التسويق الفعال .. إحرص على استغلال ما صنعته من خلال عملك في تحقيق “الريادة ، والتفرد والقيمة المضافة”  باستخدام منهجية تسويق فعال لخلق قاعدة من العملاء المتفانين للشركة وعلامتها التجارية. إحرص على خلق الإنتماء بين عملائك باعتبارهم جزء من هذا الكيان. هذا سوف يجعلك تمتلك قاعدة من العملاء المتفانين الذين ينتمون إليك بغض النظر عن القيمة التي سوف يدفعونها أو الأعباء التي سوف يتحملونها للحصول على منتجاتك أو خدماتك، تماماً كما يفعل مشجعي أحد الأندية الرياضية.

فيديو مقال شركة أبل ومعادلة صناعة التميز “APPLE TO APPLE”

 

 

أضف تعليقك هنا

د. أحمد حسنين

خبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .