نشر الطاقات الإيجابية فريضة إسلامية

دائما نحن لسنا وحدنا، بل نعيش مع الناس ونختلط بهم، في الطرقات والمواصلات والأعمال وفي كل جزء من حياتنا.ما تلاحظه على العيون دوما هو الشرود والوجوم والكآبة والهم، إنها عيون تملكها الحزن واليأس، ووجوه تشبعت بالقنوط فراحت توزعه على الآخرين بؤسا وطاقات سلبية تقتل فيهم كل حماس.

هذا نراه في بيوتنا وطرقاتنا ومواصلاتنا، هذا نجده في العمل، هذا ما نجده حتى في آحاديث الناس في كلماتهم التي تبعث الشعور بالإحباط.حتى وأنت ترى الناس يسيرون إلى عملهم في الصباح، أو الطلبة إلى جامعتهم ومدارسهم، قلَّ أنت تجد من يسير بهمة ونشاط، أو يبتسم في وجوه الناس أو تبدو عليه مسحة من البشرى.

آثر الكآبة على النفس

كل هذا عواقبه وخيمة من حيث لا ندري، فهذا الكسل والوجوم وهذه الكآبة التي تطل من الوجوه العابسة، تقتل كل نشاط عند كل من نقابله أو نلقاه، حتى أنها تزيد المريض مرضا والحزين حزنا والمهموم هموما فوق همومه. تلك الجمل المحفوظة التي كثيرا ما نرددها عن الظن السيء وعدم الفائدة من كثرة المحاولات، والتأكيد دوما على الفشل، والشكوى من الواقع المرير، والنظر إلى كل شيء على أنه مستحيل التحقق، كل هذا يقتل آمالا وليدة عند الناشئة والمستمع.

هل من أخلاق الإسلام تجسيم الأخطاء الصغيرة وتعنيف صاحبها؟

تجسيم الأخطاء اليسيرة أو حتى الكبيرة، وتعنيف المخطيء وعقابه وتثبيطه، يجعله يستصعب الصواب ويظنه غاية لن تدرك، مع أن الخطأ هو أول سبيل الصواب وطريق التعلم.فهل الإسلام فيه هذا، أو حتى بعض هذا؟! إن في نصوص ديننا معان نحن كثيرا ما نغفل عنها، وهي كلها تجعل من نشر الطاقة الإيجابية في المجتمع ضرورة حياتية إسلامية.

الأحاديث النبوية التي تدعو للسرور والتفاؤل

إننا حين نسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:” وتبسمك في وجه أخيك صدقة”. وحين نسمع قوله صلى الله عليه وسلم:” إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق”. وحين نصغي إلى حديثه صلى الله عليه وسلم :” أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على المسلم”.

إننا نفهم من هذه الأحاديث: أن طلاقة الوجه والبشر وتآلف الناس مطلوب، ولكن ماذا إذا نظرنا إلى الواقع وأنزلنا الأحاديث عليه، واترك لنفسك العنان تفكيرا، وأنت تقابل الناس في الطرقات وفي وسائل المواصلات وفي المدرسة والعمل والجامعة والمستشفى والمصنع والمعمل إلى آخره.

لو أنك قابلت هذا بطلاقة الوجه، وهذا بمسحة من البسمة يستبشر بها وجهك، وهذا بكلمة طيبة تملؤه رضا وسرورا، فبالله عليك كيف يكون حال كل من تقابله؟ بل كم من مهموم فرجت بطلاقة وجهك همومه، وكم من محزون بكلمتك الطيبة طيبت خاطره؟ ثم أليست هذه كلها طاقات إيجابية تنثرها ورودا وياسمينا على الناس.

كثرت الآيات التي وردت في القرآن وفيها البشارات

حين نقرأ القرءان نجد أكثر من خمسة وسبعين موضعا من الذكر الحكيم فيه نحو:” وبشر”،” فبشر”،” لهم البشرى”، ” وبشرى”، يستبشرون”،” يبشرهم ربهم”. أليست هذه ثقافة أراد القرءان نشرها على أفواه المسلمين في كل مواقف حياتهم، وأحاديث مجالسهم؟ وأليست هذه طاقات إيجابية تملأ النفوس بالتفاؤل، وتعمل على تحسين المزاج العام الذي يعود نفعه على الجميع.

فماذا علينا لو نثرنا هذه المعاني على مسامع الطلبة والعاملين والمجدين في مؤسسات مجتمعنا، بل وفي بيوتنا، إنها مزارع أمل تريح النفس ويظهر أثرها خيرا على حياة الناس أجمعين. إنه ليس أشد على الإنسان من ملاقاة الشدائد والأهوال في الحياة، والحياة قامت على هذا، وفي الشدائد والصعاب يحتاج الإنسان إلى طاقة تثبته وتدفعه إلى الأمام. وهذا كله نجد القرءان قد مليء به.

المواقف التي مرّت مع الصحابة والصحابيات وبشّرهم الله بها

فهل رأيت موسى عليه السلام في موقف التكليم لما رأى الحية “كأنها جان”. كيف كان شعوره وكيف ناداه ربه؟” يا موسى لا تخف”،” أقبل ولا تخف”. فهذه طاقة إيجابية ملأت موسى باليقين.أم موسى عليهما السلام في أشد لحظات محنتها، يناديها الملأ الأعلى” فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين” فأي طاقة تلكم التي سرت في قلبها فملأته يقينا، أقبلت بعده على رمي ولدها إلى حيثما أمرت.

وهذه مريم عليها السلام قبل أن تكلف بمولود بلا أب، يكون توجيه الحديث إليها”إن الله يبشرك”. وفي أحرج اللحظات وآلمها على النفس والجسم يأتيها النداء الرقراق كالماء،” ألّا تحزني”،” قَرّي عينا”. فهذه طاقة إيجابية نتعرف منها حالها حين”أتت به قومها تحمله”.

ما أشدها من لحظات مرت على سيدنا أبي بكر حين نظر إلى المشركين وقوفا تجول أعينهم سهاما بحثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، إنه يخشى أحدهم أن تقع عينه أثناء جولانها إلى حيث تحت قدميه، فيأتيه هذا الخطاب” لا تحزن إن الله معنا”. فهذه طاقة أذهبت كل نفسة خوف شعر بها الصديق رضي الله عنه.

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاع الخندق يبشر بفتح الروم وفارس، بل أثناء الهجرة يوزع الغنائم مكافأة لسراقة بن مالك، ويهديء من روع الخباب، ويطمئن قلب عدي بن حاتم. ففي لحظات المحنة ما أحوجنا إلى نشر مثل هذا حتى نثبت به النفوس والقلوب، ونملؤها سكينة وثقة ويقينا.وكثيرا كثيرا هي النماذج التي مُليء بها القرءان والسنة من نحو هذا ومثله.

ماذا لو كنّا متفائلين وتخلّقنا بأخلاق القرآن والصحابة

فماذا لو كانت هذه ثقافة تسير بها حياتنا، ويكون عليها أمرنا، وبها نخاطب من يصارع الشدائد حتى يصرعها ويجلد بها الأرض منتصرا منتشيا، إنها طاقات تحيي موات القلوب وينتفض بها المهدود.حتى في المشية والكلام نجد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كانوا إذا مشوا أسرعوا وإذا تكلموا أسمعوا، وفي الحديث” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم…إذا مشى تكفأ كأنما ينحدر من صبب”،”وكان عمر إذا مشى أسرع وإذا تكلم أسمع”، وحين رأى ذلك الشاب المتماوت تخشعا وتصنعا علاه بالدرة حتى يستقيم.

إننا ننظر إلى الحجيج الأعظم في تلبيتهم الضعيفة، وفي طوافهم بلا رمل ولا نشاط، وفي سعيهم بلا هرولة بين الميلين الأخضرين، إنهم بهذا لا يميتون سنة فقط، بل يميتون روح الإسلام وحماسته. أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر الصحابة بالرمل، ألم يكن ذلك حثا للطاقة الإيجابية في نفوس المسلمين، ورميا بالطاقة السلبية في نفوس المشركين.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استجاش هذه الطاقة في نفوس الصحابة حين قال:” رحم الله امرأ أراهم القوة من نفسه” فكان الصحابة إذا كانوا في مرأى المشركين رملوا، وإذا كانوا بين الركنيين مشوا، فأين هذا كله منا ونحن نتخذ التماوت دينا نتعبد به، وكأن الضعف بضاعة نصدرها عنا.

بل هذه أم إسماعيل لم يمنعها الإعياء من نفاد الماء من الهرولة والسعي، فدينها النشاط وزادها الحماس، وهي امرأة مرفهة متعبة، فمابالنا نميت السنن ونتغافل عن جوهرها.إن الإسراع في المشية عنوان الحماسة والنشاط، يقبل به المسلم على الناس فتنتقل إليهم العدوى منه، فيدب النشاط في المجتمع كله.

أثر الكلمة الطيّبة على النفس

إن العجب على اتساع طرقنا وأرصفتنا، إلا أننا نعاني فيها من الزحام، وذلك بسبب التماوت في المشي الناتج عن الكسل وعدم الإحساس بالوقت، فينقل كلٌ منا لصاحبه كسله وضعفه. إن حداة الإبل يوجهون موسيقاهم العذبة إلى الإبل لا إلى المسافرين، فهذه الأهازيج تبعث النشاط في جسد الإبل المنهكة من السفر وقلة الزاد، وبدلا من ضربها نحدو لها، فإذا كانت الفطر السليمة تخاطب البهائم بهذا لتستنفر فيها الطاقة، فكيف بها في معاملة الآدميين.

والكلمة الطيبة في البيوت تذهب كل تعب قد كان، والكلمة الطيبة مع الأبناء تخلق جيلا لا يعرف الفشل ولا الإحباط، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل ويشرب من موضع فم السيدة عائشة أيام حيضتها، فماذا في هذا من رعاية الشعور والإحساس؟ وما الذي تفهمه الزوجة من رفق زوجها بها؟ وماذا فهمت السيدة صفية حين صعدت على ركبة النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوت على هودجها، أو حين رافقها حتى حجرتها حين زارته في معتكفه.

كم من طبيب كانت كلماته دواءً للمرضى

كم مريض أقعده المرض وحبسه الهم عن الكلام، فلما جاء زواره وخففوا عنه ومازحوه برفق، قام يعدو أمامهم طارحا مرضه على فراشه. وكم من طبيب كانت كلماته دواء شافيا طبب بها علة مريضه، فذهب عنه الإعياء ودبت في جسده الصحة بعد أن أوشك على اليأس.إن هذه المعاني نحتاج إليها نطيب بها خواطر الناس، ونخاطب بها طاقاتهم، فيعود نفعها علينا جميعا.

أرأيت إن دخل عليك أخ لك في الإسلام، فعبست في وجه، وكسرت خاطره كم قتلت فيه، وكم أذهبت من روحه، بل فأعلم أن الله تعالى لم يرض بالعبوس في وجه الأعمى الذي لا يرى، فما بالك بمن رأى وسمع، كيف بعد ذلك ننتظر منه خيرا ونحن كسرنا فيه كل نفس. إن نشر الطاقات الإيجابية دين من الدين، ونشر السلبيات جريمة لا يقبلها الإسلام بحال.

فيديو مقال نشر الطاقات الإيجابية فريضة إسلامية

 

أضف تعليقك هنا