تحليل الحوادث المرورية

الحوادث المرورية أصبحت مشكلة تعاني منها معظم دول العالم، وذلك لما تسببه من آثار اقتصادية وإجتماعية تؤثر على مقومات المجتمع وتحصد الأرواح وتتلف الممتلكات، لاسيما ان الغالبية العظمى من ضحايا الحوادث المرورية من فئة الشباب والتي تعد من الفئات السنية ذات الأهمية لتطوير المجتمعات، ويتوقع البنك الدولي أن الحوادث المرورية ستكون أكبر سبب للوفاة بحلول 2020م مما أدى الى زيادة الاهتمام العالمي بالحوادث المرورية، وفي البلدان النامية فإن مشكلة الحوادث المرورية تضع أعباء كبيرة على اقتصادها بتكلفه 2% الى 4% من الناتج المحلي الإجمالي السنوية.

أهمية السلامة المرورية على الطرق

لقد أدركت كثير من الحكومات أهمية السلامة المرورية على الطرق، وعملوا على وضع الخطط الاستراتيجية والتي تهدف الى رفع مستوى السلامة المرورية ومنع أو الحد من وقوع الحوادث المرورية، ولذلك فإن السلامة المرورية هي إرادة سياسية وخطط واستراتيجيات لتوفير أقصى درجات السلامة الممكنة، و الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة التي تقوم بتخصيص مشروعات كبيرة للسلامة المرورية، والتي تشمل على إجراء الدراسات والبحوث والتحليل العلمي الممنهج لغرض تنفيذ التحسينات اللازمة ومعالجة المواقع الخطرة وزيادة الوعي وسن القوانين والأنظمة الفعالة.

وكانت نتائج تلك المشروعات تحسن مستوى السلامة المرورية وقلة احتمالية وقوع الحوادث المرورية، فعلى سبيل المثال دول أوروبا الغربية قامت بتدابير وإجراءات لخفض الحوادث المرورية حيث انخفضت الحوادث المرورية في تلك البلدان الى 10% على مدى السنوات العشر الماضية، وتدرس بريطانيا حالياً فرض نظام ذكي للتحكم بالسرعة بجميع المركبات إعتباراً من عام 2022م ويهدف النظام بمرحلته الأولى الى تقليل أرقام الحوادث المرورية الى النصف بحلول 2038م قبل الوصول الى صفر وفيات في أوروبا مع سنة 2050م.

في المقابل ارتفع عدد الحوادث المرورية في دول الشرق الأوسط بنحو 20% خلال العشر سنوات الماضية حيث ان السلامة المرورية لاتزال تعاني من عدم الاهتمام من الجهات ذات العلاقة.

العوامل التي تساهم في وقوع الحوادث المرورية

إن نجاح تدابير السلامة المرورية يعتمد على تحليل الحوادث المرورية التي تعد خطوة حاسمة للمساهمة في رفع مستوى السلامة المرورية، ويسمح للتدابير والخطط المناسبة ان تنفذ بدقة، ويتمثل تحليل الحوادث المرورية في التعرف على عناصر الحادث المروري وهي العنصر البشري والمركبة والطريق، ويوجد تفاعل بين هذه العناصر يجعل من الواجب التحليل لتحديد نسبة تأثير كل عنصر في وقوع الحادث المروري، وقد أثبتت العديد من الدراسات ان العوامل المتصلة بالعنصر البشري لايزال العنصر الأكثر نسبه في وقوع الحوادث المرورية لعدم المبالاة وخرق قواعد المرور، من ناحية أخرى يمثل عنصرا الطريق والمركبة نسبة أقل في وقوع الحوادث المرورية مثل وجود انحناءات في الطريق او وجود التقاطعات، وأما عنصر المركبة يمثل السبب في وقوع الحادث المروري عند وجود عطل بالمركبة او انفجار احدى الإطارات اثناء السير.

كما تشير الدراسات والأبحاث المتقدمة ان هناك عوامل أخرى تسهم في وقوع الحوادث المرورية مثل الكثافة السكانية والحركة المرورية وأماكن العمل والمناطق الفقيرة والعوامل البيئية والمناخية وعوامل الظروف المكانية والزمنية وغيرها من العوامل المساهمة التي تحتاج مزيداً من الدراسة والأبحاث.

تأثير الجانب الجغرافي في الحوادث المرورية

في الحقيقة ان تحليل الحوادث المرورية بمفهومه الشامل والواسع يأخذ في الاعتبار جميع الجوانب المؤثرة في الحوادث المرورية وأهمها الجانب الجغرافي المتعلق بموقع الحادث وربطه بالظرف الزمني والعوامل الاخرى، فعندما ندقق في الحوادث التي تتركز في موقع معين يلاحظ وجود علاقة بين الجانب المكاني وبين العوامل الأخرى المساهمة التي تحيط بالحادث، مثل الكثافة السكانية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية وغيرها التي يمكن ان تفسر تكرار الحوادث في موقع محدد.

وعند ربط التحليل المكاني بالتحليل الزمني يكشف الأنماط الزمنية المحتملة والتي تشترك بعوامل اخرى بمكان الحادث ليعطينا تفسير دقيق عن تلك العوامل التي ساهمت في وقوع الحادث وعلى سبيل المثال تركز حوادث المرور على الطرق السريعة عند مخارج المدن في اليوم الاخير من أسبوع العمل دليل على وجود علاقة بين الظرف المكاني المتمثل في الطرق السريعة لمخارج المدن وبين الظرف الزمني المتمثل في وقت نهاية الأسبوع  والعامل الاجتماعي المتمثل في سفر بعض الموظفين لأسرهم خارج المدينة.

وبذلك أسهم تحليل الحوادث في هذا المثال في تنفيذ خطط تقلل من احتمال وقوع الحوادث بتفعيل وتكثيف جانب التواجد المروري لضبط المخالفين في أوقات ذروة الحوادث، وأسهم ايضاً في تحسين مستوى سلامة الطريق من قبل الجهات ذات العلاقة وذلك من خلال وضع الدهانات المحددة للطريق والمسارات وتركيب اللوحات التنظيمية والتحذيرية والإرشادية وغيرها من التدابير ذات الفعالية للحد من الحوادث في تلك المواقع.

العلاقة بين الكثافة السكانية وزيادة معدل الحوادث

ولا يقتصر التفاعل بين عناصر الحوادث المرورية وبين الظرف المكاني والزمني والاجتماعي، فهناك تفاعلات أخرى مثل تفاعل العامل الزمني مع حركة المرور، فقد أثبتت الدراسات وجود علاقة بين حركة المرور في وقت محدد من اليوم مع احتمالية وقوع الحوادث المرورية، وتؤكد تلك الدراسات وجود فترة زمنية من اليوم تظهر فيها زيادة معدل الحوادث مقارنة مع فترات أخرى  وهي الفترة ما بين الساعة الثانية عشر ظهراً حتى الساعة الثانية مساءاً وذلك نظرا لزيادة الحركة المرورية في هذه الفترة، فكلما زادت الحركة المرورية زاد معدل الحوادث المرورية والعكس صحيح، غير انه كلما قل حجم الحركة المرورية تميل الحوادث الى ان تكون اكثر جسامة، ويعود السبب الى زيادة معدل السرعة عندما تكون حركة المرور اقل كثافة، كما اثبتت الدراسات إيجابية العلاقة بين الكثافة السكانية وزيادة معدل الحوادث المرورية، فالمناطق السكانية عالية الكثافة هي اكثر عرضة لإرتفاع معدلات حوادث السير وعلى وجه الخصوص حوادث الإصابات.

العوامل المناخية تساهم في وقوع الحوادث

أيضا العوامل المناخية والطقس تتفاعل وتساهم في وقوع الحوادث المرورية، فقد أثبتت الدراسات أن فصل الربيع في بعض البلدان أعلى نسبة حوادث بين المواسم، في المقابل فصل الصيف في تلك البلدان اقل نسبة حوادث ويعود ذلك لعامل انخفاض حركة المرور خلال موسم الصيف وزيادتها خلال موسم الربيع. كذلك آثار العوامل المتعلقة بالجو من الضباب والعواصف الرملية تزيد من احتمالية وقوع الحوادث المرورية، وهناك العديد من البحوث درست عوامل أخرى مثل خصائص المجتمعات المادية والاقتصادية والديموغرافية، وجميعها لها مساهمات في وقوع الحوادث المرورية، فالاختلاف في أنماط الحوادث المرورية تحتاج الى إجراء تحقيقات وتحليل أكثر دقه لفهم كيفية تفاعل انماط العوامل المتعدده مع عناصر الحوادث المرورية.

استخدام نظم المعلومات الجغرافي GIS في تحليل الحوادث

ومن خلال استعراض الدراسات والأبحاث التي تهتم بتحليل الحوادث المرورية نجد ان استخدام نظم المعلومات الجغرافي GIS يسهم في تحويل البيانات المتعلقة بالحوادث المرورية الى نتائج ومعلومات جاهزة للتحليل، ويعتبر نظم المعلومات الجغرافي هو أداة قيمة لمعاينة بيانات الحوادث المرورية ويجعل جهود الحد من الحوادث أكثر نجاحاً، ومن خلال أدوات نظم المعلومات الجغرافي  تكتشف المواقع الخطرة والنقاط الساخنة التي تتكرر فيها الحوادث والبؤر الباردة، ليعطي الباحث معلومات ذات قيمة عالية لدراسة خصائص تلك المواقع وربطها بخصائص الحوادث المرورية لغرض استهدافها في خطط السلامة المرورية وتحديد مؤشرات الخطر المحتملة التي تسهم في وقوع الحوادث المرورية، كما ان نظم المعلومات الجغرافي GIS يهدف بشكل أساسي على تحديد ارتفاع معدلات الحوادث والعوامل المساهمة في وقوعها ويقدم النتائج على شكل رسومات بيانية.

إن جودة عمل نظم المعلومات الجغرافي GIS يعتمد في الأساس على جودة البيانات المسجلة عن الحادث والتي يتم رفعها من قبل رجال المرور الذين باشروا مكان الحادث، ومن تلك البيانات المهمة تسجيل يوم ووقت الحادث ورمز الطريق ونوعه ومكان الحادث وأقرب معلم لموقع الحادث ووصف المنطقة المحيطة، كما تشمل البيانات أعمار السائقين وجنسياتهم وحالة الطقس والإضاءة ونوع السيارة وموديلها وغيرها من البيانات التي تتعلق بالحادث المروري.

لقد أظهر نظم المعلومات الجغرافي GIS بفضل مرونته ودقته وكفائته النتائج التي يحتاجها الباحث او المختص لصياغة خطط فعالة ومناسبة للحد من الحوادث المرورية، وربما لا يمكن الحصول عليها من دون استخدام هذا النظام، ويمكن الاعتماد عليه كأداة فعالة في تحليل الحوادث المرورية للوصول الى معلومات ونتائج يستفيد منها صناع القرار والباحثون في مجال دراسات السلامة المرورية.

إبراهيم عثمان آل فارس

فيديو مقال تحليل الحوادث المرورية

 

أضف تعليقك هنا