ما يبحث عنه الأغنياء في قلوب الفقراء

يعتبر النظر في العلاقة بين السعادة والمال واحدة من القضايا الأكثر إثارة للجدل في مجال بحوث الرفاه الذاتي، ولطالما كان البحث عن السعادة هو الشغل الأول للإنسان، حيث تعتبر فئة كبيرة من أفراد المجتمع أن المال هو السبب الرئيسي لتحقيق السعادة، لذلك يقضون معظم أوقاتهم في العمل مع إهمال حياتهم الخاصة.

هل المال يضمن للشخص السعادة؟

وتعيش فئة من الأغنياء وفق مبدأ يقول أنّ تأجيل التمتع بالحياة الخاصة لمطاردة المال بشكل أعمى هو حماقة، وأنّ الحصول على المال دون التقيد بالوقت والموقع يجعل الأموال تساوي تلقائيا أضعاف قيمتها.

ولنفترض جدالاً أن المال هو أساس السعادة إذاً لماذا نرى حالات الانتحار في أغنى دول العالم مثل الدول الاسكندنافية، ولماذا أصدرت الحكومة اليابانية قراراً بتخفيض ساعات العمل في المؤسسات الخاصة والحكومية ؟؟
ننظر هنا إلى إحدى الدراسات البحثية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي عملت على قياس مسببات السعادة فقارنت بين الأحوال المالية للأفراد الذين يتمتعون غالبًا بهذه المشاعر الإيجابية الاستمتاع والاحترام والعطف والثقة والحماسة والحب والفخر.

المال أحد مصادر السعادة وليس الأساس

حيث وجد الباحثون أن الأفراد الذين يمتلكون ثروة كبيرة يشعرون بالإيجابية تجاه إنجازاتهم ومكانتهم ونجاحاتهم الشخصية، بينما الأفراد الأقل ثروة غالبًا ما يجدون سعادتهم في علاقاتهم بالآخرين، ومدى قدرتهم على التواصل مع الآخرين والاعتناء بهم، أما الحماسة باعتبارها أحد عوامل السعادة، فلم يجد الباحثون فرقاً ملحوظاً بين الفريقين في الشعور بها، وخلاصة القول في هذه الجدلية أن الثروة لا تضمن للشخص السعادة بل تهيئك لتجربة أشكال مختلفة منها، أما محدودي الثروة فتزداد لديهم الرغبة في تحسين علاقاتهم بالآخرين، لأن ذلك يُزيد من الشعور بالأمان لديهم، وثقتهم في القدرة على مواجهة تهديدات البيئة من حولهم، وفي قول الله تعالى : ” المال والبنون زينة الحياة الدنيا “، فبإمكاننا القول بأن المال هو أحد مصادر السعادة وليس هو الأساس.

مخالطة السعداء تجعلنا نشعر بالسعادة

وكما يبدو أيضاً فإن روح الدعابة لدى الأفراد على اختلافهم تجعلهم دائمًا مبتسمين، وتمدهم بمصدر إضافي من مصادر السعادة، فمخالطة السعداء ينعكس الشعور بالسعادة بشكل إيجابي على الوسط المحيط، ما يعني أن مخالطة السعداء تجعلنا نشعر بالسعادة، وتجعل المحيطين بنا يشعرونا بها أيضا، لنا أن نضرب مثلا بالشعب المصري والملقب في كثير من الأحيان “بأصحاب النكتة”، حيث يعيش معظم أفراد الشعب المصري تحت خط الفقر، ولكن لو أننا حاورنا أي مصري وناقشناه في أي موضوع فسيرد علينا بطريقة بسيطة وممتعة وأحياناً هزلية.

وأيضاً لا ننسى مصدراً رئيسياً للسعادة ألا وهو الرضى والقناعة والحياة البسيطة المجردة من التكلف والتصنع، فنجد سكان القرى هم أصحاب قلوب بيضاء وابتسامة غامرة، في حين سكان المدن وهم أكثر غنى، تعتلي وجوههم الكآبة والبؤس، وهذا نتاج الحياة المعقدة وأساليب العمل التي تفرض عليهم الانشغال الدائم والبحث عن المال وغيره.

القناعة والرضى وبساطة العيش من أهم اسباب السعادة

وأنا أعتبر أن من أهم أسباب السعادة مضافة إلى الرضى والقناعة هو العطاء، وهنا مثالنا بسيط فعندما نقدم هدية لأحد الأشخاص مهما كانت هذه الهدية فإننا نشعر بسعادة غامرة وراحة نفسية كبيرة، وفي ذلك قول رسولنا الكريم ” تهادوا تحابوا “، وعندما نسهم في مساعدة الآخرين بحل بعض مشاكلهم فسنحصل على الكثير من الامتنان الداخلي والتصالح النفسي وبالتالي الرضى فالسعادة.

وأخيراً نٌقر بأن المال يصنع شيئاً من السعادة ولكن تبقى ناقصة لأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يحتاج الحب والعائلة والأصدقاء والعلاقات الاجتماعية الجيدة، وفي النهاية فالسعادة قد تكون بالقناعة والعطاء والرضى وبساطة العيش بعيداً كل البعد عن التكلف والتصنع والثروة.

فيديو مقال ما يبحث عنه الأغنياء في قلوب الفقراء

أضف تعليقك هنا