إن من الكتابة لفناً

الفن لا يختصر على الفنون البصرية كالتصوير والنحت والرسم التشكيلي، ولا يشمل حصره على الموسيقى أو الأدب أو المسرح، وإن كانت هذه الأعمال أكثر إرتباطاً من غيرها بكلمة الفن، ولكن عندما نتعرف أكثر على مصطلح الفن بشكل عام نجده يرتبط بمعاني الإتقان والإبداع والجمال، الذي يضيف على من يراه أو يسمعه شعورا بالبهجة والفرح والسرور.

تعريف الفن اصطلاحاً

وقيل في تعريف الفن اصطلاحاً: هو مهارة شخصية يمتلكها الشخص بشكل محترف، الكتابة من المهارات المكتسبة، التي من خلالها يستطيع الشخص أن يتقنها بشكل يجعل كل من يقرأ أو يسمع يستمتع بالفن الذي يلمسه في الأسلوب السحري للكاتب، ويجد القارئ نفسه في انغماس كامل بمشاعره وأحاسيسه وفي راحة وسعادة، فما هي تلك المهارات التي تجعل من الكاتب فناناً، وكيف تكتسبها أو حتى تتعرف عليها لتزداد معرفةً وفناً.

تأثير الكتابة في حياة القارئ

الكتابه أمرٌ هادئ وجميل، وهذا الهدوء يشعر به القارئ في نبض كلمات الكاتب، ويستطيع الكاتب بهدوء الأسلوب ونقاء الفكرة في إيصال أفكاره للقارئ وللعالم كله في مختلف أصقاع الأرض.
إن الكتابة فعلاً أمراً مدهش ومذهل، وقد يكون له تأثير في حياة القارئ وسبباً في نجاح الكثير ودلالتهم الى الفهم الصحيح، أو يرشد البعض الى طرق لحل مشكلاتهم، أو تمنحهم صنعة جديدة، أو يتعلمون أسرار فن جديد في حياتهم، أو تغيير حياة آلاف من البشر، هل تعتقد أن هذا الأمر صعب ؟! انه لا يحتاج إلا للتدريب المستمر، والفهم الجيد للغة.

طرق ومهارات تجعل من الكاتب فنان

بعض المهارات التي سنذكرها، ولست بحاجة الى درجات علمية عليا ولا الى مدرسة أو جامعة للتتعلمها، فالكتابة فن ومهارة، ويمكن اكتسابها من حياتك الشخصية، إن فن الكتابة تحتاجه حتى ولو كنت تكتب في تخصصات علمية، فإن لم تمتلك حس الكاتب واسلوبه فلن تستطيع إيصال المعلومات للقارئ أو الطالب بشكل سريع وسهل، فهناك طرقاً وممارسات ومهارات تجعل منك كاتباً فناناً، نستطيع تلخيصها في خمس مهارات.

الفكر الإيجابي

حدث نفسك بإيجابيه كأنك تحدث أعز اصدقائك. نعم، انت كاتب ولديك رسالة سامية تريد ايصالها ليعلمها الناس، انت ملهم للآخرين وتعلمهم وتوصل افكارك وخواطرك وآراءك النيرة الهادفه، وكما قال الكاتب الأمريكي ستيفن بريسفيلد: “يصبح الكاتب كاتباً عندما يؤمن بقدرته “. لا تشكك في قدراتك بل بددها بالكتابه المستمره والتي تشتت مخاوفك وتتغلب عليها، ولا تقارن نفسك بالآخرين، لكن لاحظ تحسن مستواك اليوم بمستواك بالأمس، فلإنهزاميه وضعف الإرادة من أشد أعداء النجاح، لا أعني أن عليك القفز مباشره الى الكتابه قبل أن تنضج أفكارك ويتحسن مستواك، ولكن عليك أن تثق بنفسك حتى تصبح على تأهب واستعداد لخوض هذه التجربة الممتعة، ولا تتوقع الكمال في بداية مشوارك، فمن طالب نفسه بالكمال يعاني دائما من قلة الإنجاز، فلا تبالغ جدا في هذا الامر، افعل كل ما بوسعك، وانقل رسالتك في كلمات تنبعث من مشاعرك التي تكمن في اعماقك، وسوف يلتمسها ويستشعرها القارئ.

القراءة المنتظمة

استطيع أن أقول إن القراءة المنتظمة هي سر نجاح الكاتب، وهي أول خطوه تصنع منك كاتباً، فكل كاتب قارئ وليس كل قارئ كاتب، فقد تقرأ بدون فهم أو بدون استيعاب مجرد قراءه للتسلية وبدون هدف، فهذه لن تصنع منك كاتبا، الذي أٌريد أن تعرفه إن القراءة التي تجعل القارئ يفهم ويحلل ويستنتج من مدلولات الكلمات هي القراءة الصحيحة، التي تفيد القارئ وتجعله كاتبا؛ لأنه سوف يرى أثر هذه القراءة في كتاباته، ويجد خفه للقلم في يده  و الكلمات تسعفه، وستثري حصيلته اللغويه بالمفردات والعبارات التي تعطي طابعاً متميزاً في الكتابه، ومما يعين على القراءة الصحيحة تلخيص مافهمته من الكتاب الذي قرأته، وربما تكتب نفس فكرة الكاتب لكن المهم ان تكتبها بأسلوبك، ويمكنك ان تضيف فكره جديده أو تعليقاً مناسباً يثبت صحة الفكرة التي قرأتها، وانتبه عند القراءة الى بناء الجمل واختيار الكلمات وتسلسل الفقرات وما تحتويه من أفكار، فسوف يساعدك كثيرا هذا الأسلوب في فن الكتابه، وكما قيل في المثل: “فاقد الشيء لا يعطيه “. فكيف تصبح كاتباً وتضيف شيئاً جديداً للقراء إذا لم تكتسب أنت العلم مسبقاً! وأُركز على كلمة “منتظمة” أي القراءة المستمرة فهي الجوهر، وعليك ان تقرأ قراءه مفيده وصحيحه يومياً باستمرار ولو قدراً يسيراً، وهذا أفضل من أن تقرأ كثيراً لكن بشكل متقطع، وكما قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال الى الله ادومها وإن قل “.

تعلم أساسيات اللغة

عليك ان تتعلم اساسيات النحو والاملاء وعلامات الترقيم، ليس عليك ان تكون متخصصاً باللغة العربية، ولكن عليك ان ترفع مستواك التحصيلي المعرفي في اللغه لمستوى أفضل، تتمكن من خلاله الكتابه بإتقان ومهاره عاليه، ويمكنك الاستعانه في بداية مشوارك بمراجع لغوي مختص يراجع ما تكتبه وتتعلم منه تصحيح الأخطاء اللغويه، حتى تتمكن من تفادي تلك الأخطاء مستقبلاً. لذلك، لا تجعل ضعف مستواك في اللغه ان تثنيك عن الكتابه، فالكتابة في حد ذاتها تقوي مهارتك في اللغه، وبالتحسين المستمر والبحث عن النقد البناء والرغبه الجاده؛ سوف تزول هذه العقبات.

الكتابة المستمرة

إن تحسين المستوى في الكتابه يستلزم المداومه عليها والممارسه المستمره، فكثرة الكتابه تقوي اسلوبك الخاص وتعزز لغتك وتقضي على مخاوفك. اكتب دائماً في كل يوم أو كل أسبوع على الأقل، اكتب في مدونتك، أوفي دفتر يومياتك، اكتب في تلخيص الكتب التي تقرأها، اكتب في وسائل التواصل الاجتماعي، الهدف ان تكتب دائما لتصبح الكتابة عندك سهله ويسيره ومنها يتحسن مستواك.

إن التدريب المستمر على الكتابة بداية من النصوص القصيرة المناسبة مثل: كتابة الخواطر، أو الحكم، أو القصص القصيره؛ سوف تصقل مهارتك وتقوي لديك الخيال والإبداع، ثم تتدرج الى كتابة المقال، التي تعتبر من أهم وسائل تعليم الكتابه وخطوه فعاله في طريقك للكتابه وتمكنك حتى من تأليف الكتب؛ لأن المقال يشتمل على العناصر اللازمة للكتابة، ولا تتقيد في الكتابة بنمط يومي، فقد تتغير ساعات نشاطك من يوم الى آخر، ولكن احرص على ألا يقضى يوماً واحداً بدون أي كتابه، ولا بأس ان تتوقف عن الكتابه إذا شعرت بأن عزيمتك قل فيها الحماس والشغف، فهذا امر طبيعي، فلكل انسان ساعات يكون عطاؤه فيها بالذروه، وما عليك إلا أن تكتشف ساعات ذروتك واغتنمها وخصص ذلك الوقت للكتابة والابداع.

أما في الساعات التي يقل فيها الحماس والرغبة فقم بمراجعة افكارك وإعادة قراءة ما كتبته، وقم بالتحضير لما سوف تقوم بكتابته في الوقت الاحق. وفي حين قدح في ذهنك فكره احرص على كتابتها فوراً في دفتر مذكراتك، لتحتفظ بالأفكار في فورتها قبل ان تنساها؛ لأن الكتابه تدفعك دائماً للتفكير والبحث بين الحين والآخر  في الأفكار الصالحه للكتابه، وكما قال الكاتب المسرحي الفرنسي يوجين اونيسكو: “الكاتب لا يأخذ الاجازات. بالنسبه للكاتب، الحياة تتكون من كتابه، او تفكير في الكتابة”.

التحسين الدائم

لابد ان تسعى للتحسن الدائم في أسلوب ما تكتبه، ولا تركن الى مستوى نجاح معين وتتوقف عن التعليم والتطوير، حتى ولو نلت أرقي الجوائز في الكتابه. ان عملية التحسين المستمره تجعلك تأتي بالجديد والأحسن بشكل دائم، فالجديد والأفضل هما رمز التميز وبالتالي البقاء والاستمرار، ومن المهم ان تدرك ان ما تكتبه يقدم خدمه هامه للمجتمع، فلا تكرر ما فعله غيرك من قبل، بل يجب ان تقدم للمجتمع الجديد النافع والمفيد الذي ستضيفه لإثراء المعرفه، ومما يساعد الكاتب على التحسين المستمر هو الاصغاء للنقد الإيجابي الموضوعي، وتأخذ منه ما يناسبك ويطور اسلوبك.

الكتابة المبدعة فن جميل

لقد حان الوقت لكي تظهر على الناس بفن ما ستكتبه، وعند اتباعك لهذه المهارات المذكورة انفاً ستصبح كاتباً فناناً، تحلق في عالم الكتابه من كتابة خواطر، الى كتابة مقالات، الى كتابة روايات وقصص، الى تأليف الكتب. ولا تنسى النية الصالحة، وذلك بترك أثر جميل يغدق عليك من خيري الدنيا والآخرة، هذا الأثر يفيد البشريه وينفعهم ويساهم في رقيهم، فكن صبوراً، فالنجاح يحتاج الى جهد ووقت طويل، ولا يحصل النجاح في يوم وليله، ولولا الصبر لما نجح الكُتاب الكبار، التي مازالت كتبهم تطبع الى الآن من أكثر من خمسمائة عام.

الكتابة المبدعة فن جميل جدير بالمحاولة والتجربة، وماهي الا مجموعة من المهارات البسيطة، وتذكر أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

كتبه / ابراهيم عثمان آل فارس

فيديو مقال إن من الكتابة لفناً

 

أضف تعليقك هنا