الإعلام وتحديات اللغة

اللغة العربية هي من بين اللغات لغة عتيدة، ولغة حضارة، ولغة حيّة، هي لغة القرآن الكريم ووعاء العقيدة الإسلامية ثم هي أداة الفكر العلمي في مرحلة ازدهاره «العصر الوسيط العربي الإسلامي»، فكانت لغة العلماء في العالم على مدى قرون ولغة الثقافة الخصبة، بالإضافة إلى أن اللغة العربية هي أكثر اللغات السامية تحدثا وإحدى أكثر اللغات انشارا في العالم يتحدثها أكثر من 467 مليون نسمة وبذلك فهي تحتل المركز الرابع أو الخامس من حيث اللغات الأكثر انشارا في العالم.

المشاكل التي نواجهها في تعليم اللغة العربية

تواجه اللغة العربية وتعليمها العديد من المشاكل حالياً تسبب الثنائية اللغوية في الوطن العربي مُشكلة في تعليم اللغة العربية، فهناك بواق من لغات قديمة في العديد من البُلدان العربية.

وكما يتضح لنا أنه ومن مفارقات هذا الزمن، أن اللغة العربية كانت تعامل باحترام كبير حين كانت الأمية سائدة في مجتمعاتنا، حيث شملت ما متوسطة 80 بالمئة من السكان، وحين كانت أوضاعنا الثقافية ووسائل الطباعة والنشر والاتصال أكثر تواضعا بكثير مما هي عليه الآن، ولكن حين تراجعت نسبة الأمية، وتقدمت وسائل الطباعة والنشر، لقيت اللغة العربية ذلك المصير البائس الذي صرنا بصدده، وبالذات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بل إنها مع الأسف تجابه حربا في أماكن كثيرة، وتعاني من عدم التوقير.

اللغة العربية أصبحت لغة الإعلام

ومن هنا نقول أن اللغة العربية قد تمكنت بفضل خصائصها أن تصبح لغة الإعلام اليوم باستعمالها أداةً للتبليغ عبر مختلف القنوات الإعلامية المكتوبة منها والمرئية والمسموعة على حد سواء، مع الإشارة إلى دورها الإيجابي الذي أدته وسائل الإعلام في تقريب الهوة بين العامية والفصحى.

وفي تعريف لـ “اللغة الثالثة” يشير محمد سميسم، مدرب مهارات اللغة العربية والإلقاء للإعلاميين، إلى أنَّها لغة هجينة ما بين العربية الفصحى واللهجات، وهي أقرب للفصحى منها إلى العامية رغم اشتراكها مع الأخيرة بصفات وخصائص هامة، أبرزها التخلص من التشكيل الذي يجد كثير من الإعلاميين صعوبة في التعامل معه، لكونه يكشف عن أخطاء سماعية يعرفها حتى غير المختصين وربما غير المتعلمين أصلا.

وإذا كان للإعلام هذا الأثر الكبير في الحياة اللغوية والثقافية، فإن أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية حين تلتزم العربية السليمة فهي أحسن مصدر لتعليم اللغة ومحاكاتها، والتقريب بين اللغة السليمة واللغة المحكية وهي من أصلـح اللغات، ذلك لأنها تتمتع بالديناميكية أو الحركية التي تجعلها أصلح اللغات لطبيعة الإعلام.

اللغة الإعلامية أهم مظهر للمحافظة على المجتمع

لقد نهضت وسائل الإعلام الجماهيري بمهمة تعميم اللغة العربية الفصحى لما لها من تأثير في التعبير والتوجيه والإقناع، وخاصة الوسائل المسموعة والمرئية التي تعتمد اللغة المنطوقة في هذا الزمن الذي تلوح في أفقه نذر إضعاف اللغة العربية الفصيحة.

فاللغة الإعلامية أهم مظهر للمحافظة على كيان المجتمع، فوحدة الأهداف والمبادئ تدعو إلى البحث عن دلالة شاملة للأشياء والأفعال، وعناصر الوجود المختلفة تتجسد في لفظ واحد مشترك سيدل على هذا الشيء، أو ذاك الفعل.

والذين يتكلمون بالعامية في وسائل الإعلام، أو يلغون الإعراب بتسكين أواخر الكلمات، هم شركاء في دكّ عرش الفصحى، ويمهدون للتشرذم الثقافي والمعرفي في الوطن العربي.

من المفيد في نهاية هذا المقال أن أورد بعضاً مما قاله المفكر اللغوي “د. عبد السلام المسدّي” من مقالة له بعنوان كيف تموت اللغة؟

(تموت اللغة بالهلاك الجماعي للناطقين بها كما حدث في العصور البدائية وفي بعض العصور الحديثة، وإذا كانت الحفريات قد تمكنت من العثور على جثتها المحشورة في الألواح أو في أدوات العيش كشواهد القبور، وهي في أحسن الأحوال تصبح وثيقة لتسليط الأضواء على زمن الناطقين بها، وفي الموت اللغوي فناء بيولوجي للإنسان، قد يتخذ الاحتضار البطيء وذلك عن طريق انحسار لنفوذ أصحابها وتلاشيهم، إما تلاشياً مطلقاً، أو مسخاً يطول هويتهم)

بقلم: نوره المساعيد

 

أضف تعليقك هنا