بداخلي طفلة

بقلم: ميرفت حسن أبو رزق

لا تتعجب مما سأقوله.. لست بطفلة ولكن بداخلي طفلة أبلغ من العمر الواحد والأربعين ولكني أشتاق إلى طفولتي المسلوبة، قلت لك لا تتعجب مما سأقوله..

من حقي أن أعيش طفولتي 

من حقي أن أعيش طفولتي التي سلبت مني منذ أمد بعيد، كم يأخذني الحنين إلى تلك السنوات التي مضت
حنيني لطفولتي لألعابي أصدقائي.. من حقي أن أعيش طفولتي التي سلبت مني بسبب زواجي المبكر.. أشعر بأن حياتي توقفت من ذلك اليوم الذي تزوجت به توقفت وأنا في ربيع عمري كنت أبلغ من العمر الخامسة عشر، هذا العمر الذي انتهت عنده مدة صلاحيتي كطفلة، لست الأولى ولست الأخيرة التي تزوجت بسن مبكر وحرمت حقها في كل ما يخص طفولتها. أنا هنا وما زلت لا أستوعب أي شيء رغم مرور تلك السنين إلا أنني لم أنسى ولو لوهلة طفولتي المسلوبة التي لم أتمتع بها.

اشتقت إلى طفولتي المسلوبة

اشتقت أن ألتمس جميع أشيائي ألعابي وعروستي الصغيرة وملابسها التي صنعتها لها بنفسي، بيتها وسريرها الذي كنت أرتبه لها، لصديقاتي التي كنا نلعب ونلهو سويا في شوارع الحارة نركض فرحين من هنا وهناك ونقوم بإزعاج الجيران بأصواتنا العالية، مدرستي التي حرمت من الإقدام عليها واكمال تعليمي، اشتقت إلى الشوارع المؤدية لمدرستي اشتقت لأيام الشتاء حيث كنا نذهب إلى المدرسة تحت المطر الغزير ونستبق مع بعضنا البعض والفرحة تملأ وجوهنا. كل هذه اللحظات الجميلة دفنت في ذلك اليوم الذي تزوجت به وذهبت إلى بيت غير بيتي وعائلة غير عائلتي وحياة غير الحياة التي كنت أعيشها.

الزواج والمسؤولية حرماني طفولتي

طفلة صغيرة في ذلك الوقت تحمل مسؤولية أكبر من عمرها بكثير، من هنا بدأت حياة جديدة لحياتي عائلة غريبة عني لم تحتضني ولم تتقبلني في ذلك الوقت، ليتهم احتضنوني كابنة لهم لم يلاحظوا مثلا أنني ما زلت طفلة وأحتاج إلى الاحتضان والاحتواء والاهتمام . زوجي الذي كان من المفروض أن يكون أبا لي بعد أبي وسندا مثل أخي وأما يحتضني بين أضلاعه ويعوضني عن حب العائلة التي فقدتها بزواجي هذا، ألم يلاحظ هو الآخر أنني ما زلت طفلة وأحتاج إلى الدفء والحنان، كل يوم كان يمر علي أتمسك بالطفلة التي تسكن داخلي أحب أن ألعب أن أركض هنا وهناك أن أغني أغنياتي المفضلة عاطفة الحنين إلى طفولتي كانت تأخذني دائما إلى عالم الطفولة التي في لحظة استفيق منها طرق الباب لأن أصحو فأنا أحمل مسؤولية عظمى وأكبر مني بكثير ، كنت أرى نظرات وثرثرة متكررة ونبذات وانتقادات من الجميع لماذا هل رأوني في عمر أكبر من عمري ليرمقوني بهذه النظرات والانتقادات. لماذا لم يتقبلوني بأني شخص ينتمي لهذه العائلة، أحرماني من الاهتمام والاحتواء بذلك الوقت هو من أسكن هذه الطفلة بداخلي أم ماذا؟

كنت مدللة أبي ومدللة جدتي رغم أنها كانت تكره البنات إلا أنها كانت تحبني، أبي وأمي كيف لكم ان تفعلوا بي هذا أين كانت عقولكم في ذاك الوقت الذي وافقتم على تزويجي بسن الطفولة وقتلتم بداخلي كل شئ جميل، وأعدمتم طفولتي  نعم أنتم لم تقصروا معي يوما واحتضنتموني طيلة الخامسة عشر سنة التي قضيتها بجانبكم، أرأيتموني كبرت كثيرا حتى تخطوا هذه الخطوة الكبيرة أرأيتموني كبرت كثيرا لتزوجوني وأنا وقتها لم أكن أعرف ما معنى كلمة زواج.. كيف ألم تلاحظوا أنتم أيضا أني مازلت طفلة، كيف هونت عليكم وأنتم تحملوني مسؤولية كبيرة لا طاقة لي على حملها..

طفلةٌ تربي طفلة

مرت الأيام والشهور وأنجبت أول طفل لي وأنا لم أتجاوز وقتها السابعة عشر من عمري، مسؤولية أصبحت أكبر طفل وزوج وعائلة لم تحتويني يوما، وقتها كنت طفلة وأحمل بين أحضاني طفلا، كنت أسمع همسات المارة وأنا أحمل طفلي بين أحضاني انظروا طفلة وتحمل طفلا وكنت انا في ذلك الوقت أمتلك جسدا نحيل جدا ولا أملك الكثير من الطول، كنت طفلة سنا وجسدا، كنت أبكي وأحزن على نفسي وعلى طفولتي الضائعة وكنت أحزن وبشدة عندما أرى من هم في نفس عمري يذهبون إلى المدارس ليتعلموا ويذهبوا أينما شاءوا لا يمنعهم شيء، عكسي انا تماما ارتبطت بأسرة وزوج وطفل، كنت أنظر إلى طفلي تارة أبكي وتارة أبتسم لبراءة هذا الكائن الصغير البريء..

مرت الأيام والسنين وأصبحت أما لخمسة أبناء بينهم ابنة واحدة، أحببت ابنتي وجعلتها أختي وصديقتي وعزمت في نفسي أن لا أظلمها مثلما حدث معي، سوف أجعلها تعيش فترة طفولتها بحرية وتحظى باللعب بألعابها، وتكمل مسيرتها التعليمية، والحمد لله أكملت ابنتي تعليمها سعيدة برؤية ابنتي تحقق ما لم أستطع أنا تحقيقه لنفسي..ولكن رغم مرور تلك السنين التي مرت كان الحنين للطفولة التي بداخلي يرهقني، عاطفة الطفولة التي بداخلي لم تهدأ يوما..

من السبب في حرماني من طفولتي؟

من كان السبب في حرماني من طفولتي؟ من كان السبب في سلب هذا الحق مني بأن أعيش طفولتي وأن أتمتع بها وبأحداثها وأن ألعب مع صديقاتي تحت زخات المطر، وتحت ضوء القمر وفي شوارع الحارة، من كان السبب في عدم احتضان عروستي الصغيرة وترتيب بيتها وملابسها التي صنعتها لها بنفسي.. من كان السبب في تركي لمدرستي وحرماني من إكمال تعليمي؟ من كان السبب في أني لم أستطع أن أختار كل ما يلزم حياتي وأن أختار العائلة والشخص الذي سأمضي بقية حياتي معه ؟ من كان السبب لدفن طفولتي؟ أهي الظروف أم العادات والتقاليد السيئة التي تتحكم في حياتنا بشكل كبير؟!

رفقاً بأطفالكم

أيها الآباء والأمهات رفقا بقلوب أطفالكم رفقا ببناتكم لا تقتلوا براءة الطفولة لديهم بزواجهم المبكر، رفقا بالقارورة التي تسكن بيوتكم وقلوبكم لا تكسروها من صغرها، لا تحرموها حقها في العيش والتمتع بطفولتها بسلام، لا تحرموها حقها في تعليمها واللعب بألعابها لا تدفنوها حية وتحملوها ما لا تطيق رفقا بهن.. لا أعلم لمتى ستظل هذه الطفلة تسكن بداخلي ولا أعلم متى ستنتهي عاطفة الحنين لطفولتي المدفونة؟ (شاهد بعض مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب).

بقلم: ميرفت حسن أبو رزق

 

أضف تعليقك هنا