حلم اندثر

كان حلمها الوحيد والأوحد أن تشتغل في الصحافة، درست لسنوات طويلة شاملة السهر والاستيقاظ الباكر، العمل الجاد، آلاف الامتحانات، مرت من مستويات مختلفة وحصلت على شواهد عديدة، إلى أن توقفت عند شهادة الماستر، وتوجهت لتحقيق حلمها، لكن الواقع مر، خصوصا واقعنا العربي في بعض الدول المتذيلة الترتيب في أغلب الأشياء والإنجازات، اندثر حلمها وفجأة تلاطمت أمواج حياتها في وسط لم تختره ولم يكن لها علم به وبمتطلباته.

بداية ظهور العقبات في حياة الفتاة بعد فقدانها لوالدها

في طريقها لتحقيق حلمها وجدت أبا رائعا ساندها حتى وصولها الثانوية العامة لتأتيه الساعة الموعودة لكل انسان، توفي الدرع القوي، والقلب المانح بسخاء، توفي ذلك الانسان الذي تحتمي كل طفلة وبنت وفتاة وامرأة وزوجة، كل انثى. لتجد نفسها وسط عالم لأول مرة تعرف شيئا من حقيقته، وشيئا فشيئا حاربت وانكسرت، فازت وخسرت، إلى أن عادت لوجهها ابتسامة بريئة، فرحة الحصول على البكالوريوس، التي لا يوجد شخص لم يفرح بها، لكنها مجرد مفتاح لسكة جديدة مليئة بالآلام.

وجدت العديد من العقبات في الجامعة، لكن مع ذلك حاربت حتى آخر رمق، ونالت مرادها في الأخير وباستحقاق، وبجهد يذكر، فكان حلمها الأبدي أن تحصل على عمل وظيفي في مجال الصحافة، غاية في نقل معاناة الناس البسطاء الذين عاشرتهم طيلة عمرها في حيها الفقير، وفي كل مكان رأت فيه غياب الوعي والمنطق، ذهبت للمشفى، وذهبت للإدارات العمومية، خرجت للشارع وتنقلت بين الأحياء، لكن ما وجدته ثابت، كان ذلك الشيء الثابت هو القانون المسطر والغائب، ذلك النداء القوي في جميع الصحف والقنوات الإعلامية، داعيا الناس للالتزام بالقانون، لكن ما وجدته مخالف، غياب النظام والعمل بالقانون حتى من قبل من يدعون تمثيله، أمر عجيب، فكان لنظرتها سحر خفي، كما لهدفها الدفين، الذي حاربت من أجله للفوز به، والوصول إلى المراد الأكبر.

هل تحقق هدف الفتاة بدخول عالم الصحافة؟

لكن بعد توجهها للشركات الإعلامية، وبعد تقديمها الملف الشخصي للعديد من الجهات الإعلامية، لم يكن في علمها أن الأمر أولا يأخذ وقتا، لكن وجدت نفسها حتى بعد مرور أسابيع عديدة أمام وجهات أربعة من بين العشرات، ففرحت واختلج قلبها العزم والإسرار، لكن بعد إجراء المقابلات وجدت نفسها أمام وجهتين تم قبولها فيهما، قدم لها الأول ثمنا بخسا استضعافا لها، ومن نظرتهم للأنثى باعتبارها ضعيفة وستوافق بأي شكل من الأشكال رغم استحقاقها، ولن نتحدث على قدرتها، لأنها تتحدث عن نفسها.

فبقي لها مكان آخر وأخير ربما، لتجده أكبر فجيعة ستنهي حلمها للأبد، فبعد المقابلة كان كل شيء تمام وتحدث معها المدير بنفسه، وقدموا لها عرضا جميلا ومبلغا محترما جدا، فكانت سعيدة لكونها لم تيأس، وصبرت إلى أن نالت فرصة من بين العديد من الأماكن التي زارتها دون أمل ودونما جدوى، كل الأماكن ممتلئة، أو أنها غير مناسبة لذلك العمل، أو أنها وأنها، دائما هنالك نقاط تشكل عقبة أمامها، لكنها ليست إلا حيل من أصحاب الشركات لتفادي قول (لا) مباشرة.

اندثار أحلام الفتاة بسبب فساد نفوس المتسلطين واستغلالهم لحاجتها

الأهم أنها اعتزمت العمل، فاشتغلت مع شركة مرموقة لتجد نفسها شيئا فشيئا تنحاز عن المراد الأكبر، والذي يهم الكادحين والبسطاء الذين لا صوت لهم غير واحد منهم نجى ووصل، آملين فيه الخير، وإيصال أصواتهم المدفونة في القاع، أصبح موجهون داخل الشركة يحددون لها المواضيع والتقارير، أمسى ذلك الحلم شيئا فشيئا يتلاشى، ومع ذلك حاولت باعتبارها انسانة قوية، وصبورة.

أما الحدث الهام والمهدم لحياتها، جاء بعد ثلاثة أشهر من اشتغالها، حين بعث لها المدير ، وتوجهت لمكتبه ذات أمسية، لم يكن حينها إلا بضعة موظفين في الطابق الثاني، والمدير يمتلك مكتبا فخما في الطابق الثالث، في الممر المؤدي لمكتبه كانت المكاتب فارغة، السكرتيرات في الخارج يتناولون الغداء حسب ما أبانت الحقائق به من بعد، تفضلت بالدخول لتجد المدير المرحب ليس إلا ذئبا جائعا جنسيا مهتاجا. كانت تلحظه دائما يرمقها بنظرات غريبة، ومع أنها متفهمة، لم تلقي ببال لذلك، ولتصرفاته الرخوة معها، وكذلك لقول العديدات من الموظفات أن ذلك طبعه ومن واجبها التأقلم معه، لكنها غيرهم.

استدرجها وأغلق الباب باستفهام منها، ثم أمسك بيديها وقيدها لتكون فريسة له، بعد محاولات منها لصده باءت بالفشل، لينال مراده، ويتحطم قلبها، وتندثر أحلامها وأمانيها، وأمسى تعب السنين مجرد ذكرى عابرة، أو مجرد باب فتح عليها براكين الجحيم والوحدة، والعذاب النفسي، ونظرة المجتمع المعاقب، أمست ضعيفة مثل الضعيفات اللواتي غُدِرن بشتى الطرق ولم يجدوا من يوصل شكواهم وآلامهم، فكانت منهم وأصبحت مثلهم، والعزاء على مجتمع فاسد.

فيديو مقال حلم اندثر

 

أضف تعليقك هنا