ذبول في القلب

بقي العم حسن في منزله  وحيدا كئيبا شاحب الوجه،منكسر القلب، شعر ذات يوم بتضايق أنفاسه، فلم يسعه بيته، ثم خرج ليتنسم عبير الصباح ،متوكئا على عكّازه ،يلقي نظراته العابرة على من حوله، لعله يجد من يؤنس وحشته ويخفف وطأته.مشى  خطوات قليلة، فإذا به يلحظ طلعة رجل طويل القامة، وكث اللحية، مقصر الثياب، محلق الرأس يمشي ولا يبالي بأحد، إقترب منه الشيخ الحزين رويدا رويدا وعيناه جاحظتان لا تكاد تنفك عن الحدق تجاه الرجل  ،و فجأة تأكد  انه إبنه الأكبر الذي غادر البيت منذ زمان ،أمسك بيده، ولسانه يرتجف قائلا:

لقاء الأب بابنه 

يا ولدي منذ أن رحلت أمك وانا أعاني في صمت ، تركتني  وحيدا كاليتيم في مأدبة اللئام…بيت بلا زوج(ة) حنون كالبيت الخرب…خمسون عاما مضت من الدفئ والرعاية والحضن… وما رأيتني يوما أشعر معها بالضجر والسأم…ياولدي ألا يحن فؤادك إلى أبيك، حاله يغني عن السؤال…أما علمت أن الرجل حرام عليه أن يبيت ليلة واحدة بلا أنيس…نظر الرجل  (الإبن) إلى وجه أبيه  -وقد فهم قصده- لكن قبل أن يتفوه بشيئ، سبقته رنات هاتفه المحمول، فأردف قائلا :آسف ياأبتي، زوجتي تنادي علي، سأنصرف و أراك قريبا!!!

كيف تعامل الابن مع والده المسن؟

أصيب الأب بدهشة!!!، وأتبعه بصره حتى اختفى عن الأنظار،لتعود به الذاكرة إلى الوراء، تحكي له قصة زفاف ولده؛ أما نسيت  حين قدمت لك ليلة زفافك أجمل ما أملك من الخرفان والثيران، وكل الدرهم والدينار، عسى أن يثلج صدرك ،وتظهر بين أقرانك، وتسمو هامتك…لطالما خدمتك يوم زفافك بلا كلل ولا ملل، لانك كنت الأكبر في عيني، وكنت أراك أثرا من بعدي، به تستمر حياتي …

 ومع توالي الذكريات التي تحضر تباعا وكأنها حدثت صبيحة هذا اليوم، تنهد العم حسن وأخذ أنفاسه طويلا ثم طأطأ رأسه وانحنى على عكازه  ليعود إلى بيته يجر معه أذيال الحسرة و الوحشة… خافضا صوته… منكسرا قلبه … يخاطب نفسه في صمت؛ وا أسفاه على يوسف…!!!لم يمر من الزمن إلا قليلا حتى جاء الولد بهندمه (الملتزم) يقرع باب بيت أبيه بيده اليسرى ،بينما يده اليمنى لا تنفك عن السواك!!!

ماذا حصل بعد ندم الابن وعودته إلى أبيه؟

أطل عليه الجار من فوق ،بعد أن أزعجه قرع الباب الذي لا يكاد يتوقف، مخبرا إياه :إن الذي جئت تطلبه الآن، بالأمس حملناه إلى المشفى وتركناه هناك كأنه مودع!!… لم يتمالك الرجل نفسه من شدة هول مايسمع !! ثم انصرف موبخا نفسه، ياإلهي أنا الإبن العاق لأبيه ، هجرته منذ زمان… تركته يعاني وحيدا …ياإلهي حتى لما جاءني به القدر على غير ميعاد ، أدرت له ظهري ، و تخليت عنه، فلم أوفه حقه!!!

للاسف لقد مات الأب

وصل الإبن إلى المشفى، والقلق باد على محياه…  حزنه العميق يمزق أحشاءه…يكاد ينفطر قلبه …لسانه لا يتوقف عن الصياح …ياأبتي!! ياأبتي!! أتاه مدير المشفى يهدئ من روعه، ويخبره خبر الصاعقة؛ يابني تمهل قليلا و(البركة في راسك) وإنا لله وإنا إليه رجعون. ضاقت عليه الأرض بمارحبت، وامتزج كلامه بالبكاء، ولا يكاد يبين، سوى تمتمات متقطعة: واأبتاه واأبتاه… ليتني نلت رضاك!!!

فيديو مقال ذبول في القلب

أضف تعليقك هنا