صورتان

اجتماع الأسرة

على طاولةٍ مستديرةٍ و في قمة جبل أخضر جميل اجتمعت الأسرة: الأب بقميصله المتناغم مع ألوان الطبيعة وبنطاله الجينز الأزرق، والأم بلبسها المحتشم والذي لم يُظهر منها إلا عينيها، ومنى البنت ذات العشرين عاماً بلباسها الفضفاض لكن يظهر منه وجهها كاملا دون الشعر، وآدم الشاب ذو الخامسةَ والعشرين ببطلونه الأصفر وقميصه الأسود.

الكل يحتسي القهوة، ولكلٍ منهم قهوته الخاصة، وفجأة تظهر أمامهم امرأة كبيرة في السن شقراء بلباسها البسيط -بنطال وقميص أكمامه قصيرة- وهي تتحرك برشاقةٍ متسلقةً ما بقي من الجبل بخفةٍ ورشاقةٍ.

الحوار الذي دار بين الأسرة والمرأة الكبيرة

  • هذه بعمرك جدتكم. هكذا قال الأب.
  • آدم: لكن الفرق كبير بينهما، جدتي بالكاد تتحرك.
  • منى: وهذه تنطلق في الحياة تسافر تغير جو، بينما جدتي لا تتحرك إلا قليل، و إن تحرك ذهبت للجيران والأقارب فقط.
  • الأب:عرضت عليها أن تسافر معنا، لكنها رفضت.
  • آدم: هذه العجوز مستمتعة، ولا تحمل هموماً، أظنها أدركت طبيعة الحياة، كما يقولون الدنيا ما تسوى.
  • الأم: لكن جدتكم أفضل وأحسن.
  • منى: طبعاً لأنها جدتي،..
  • الأم: ليس لأنها جدتك فقط، بل لأنها تفهم طبيعة الحياة، بلا مقارنة مع تلك العجوز.
  • الأب: أظنك تقصدين لأنها مسلمة، ..
  • آدم: نحن لا نتحدث عن الدين، لكن عن النظرة للحياة والتمتع بها، لاحظي الفرق بين الروح ..
  • الأم: ومتى كنا نفصل الدين عن الحياة، أليست الحياة من الدين؟ فالكلام لاينطبق على جدتكم فقط، بل على كل مسلم ومسلمة…

الفرق بين الجدّة والمرأة المسنّة

  • منى: نحن نقصدالنشاط والحيوية، تلك العجوز منطلقة مستمتعة وجدتي غالباً في بيتها وفي أحيانٍ كثيرة في غرفتها، أما أيهما أفضل عند الله فبلاشك المسلمة.
  • الأم: وهل يختلف ما عندنا عما عند الله؟
  • آدم: تلك مقاييس وحديثنا عن مقاييس أخرى، لا ارتباط بينهما.
  • الأم: بل هما شيئاً واحداً؟
  • منى: ماذا تعنين!
  • الأم: أقصد أن المقاييس التي نتحدث عنها ترتبط بنظرتنا إلى الحياة وإدراك حقيقتها و هناك فرقٌ كبير بين مَن يكون غايته الحياة فقط، وبين مَن تكون الحياة عنده وسيلة وليست غاية، فالأول يسعى بكل جهده للاستمتاع بها وبدون قيود -إلا ماندر- والثاني يربط كل ما في الحياة بغايته الكبرى.
  • منى: وما الغاية الكبرى؟
  • الأمو الدار الآخرة، فكل مافي الدنيا يكون مزرعةً وقنطرةً للآخرة، وأيضاً حتى هذا الوسيلة (الدنيا) لها ضوابطها وقوانينها التي وضعها خالق الدنيا والآخرة.
  • آدم: ألايمكن الجمع بينهما؟
  • الأم: ومَن قال أن بينهما تناقض، هما مكملان لبعضهما فحياة الآخرة ثمرة حياة الدنيا، فعلى مقدار السعي في الدنيا تكون الثمرة في الآخرة؟
  • منى: لكن حتى أولئك يؤمنون بالآخرة؟
  • الأم: نعم لكنه ايمان محرف فالمسيحيون يكفي عندهم الذهاب إلى الكنيسة وطلب الاستغفار ، وبكلمات بسيطة يُغفر له، أو هكذا يظنون.
  • الأب: لكنهم سبقونا بمراحل فلا ينبغي لنا المكابرة والتعلق بالماضي وبالقيم النبيلة دون تطبيقها.
  • الأم: نعم سبقونا في الدنيا ونحن تخلفناوتأخرنابسب تقصيرنا، لكن هذا لا يعني الاستغناء والتنازل عن القيم النبيلة والعقيدة الصحيحة، لقد انبرهنا وسُحرنا بتلك الحضارة والبهارج والزخاف.
  • آدم: أظنك تقصدين أنهم بسبب تركيزهم على الدنيا فقط وبذل الجهد فيها أصبح لديهم المًبهرات من المآكل والمشارب والمصانع وغيرها والتي جعلتنانحاول تقليدهم فيها.
  • الأم: هذا جزء والجزء الآخر هو إدراك حقيقة الحياة واستيعاب طبيعتها والتعامل معها وفق المنهج الرباني وليس المنهج الإنساني الخالي من الوحي الإلهي.
  • منى: يعني ثقافة الهبرغر والكوفي والموضات والرشاقة والترفيه وغيرها والتي نمارسها بشكل يومي خطأ؟
  • الأم: نعم، حين تستولي على حياتنا وتكون جٌلَّ اهتمامنا، وتَحكم طبيعة علاقتنا مع الآخرين، بل تستولي على قلوبنا وهمومنا، وبعبارة أخرى نصبح عُبّاداً لها.
  • الأب: ليس إلى درجة العبودية!!

نصائح الأم لأولادها

  • الأم: العبودية ليس بسجود الجسدفقط، بل أشد منه سجود القلب واستسلامه لذلك بحيث تكون هي الموجه لحركاتنا وحتى حبنا وبغضنا، ومن راقب السوشا ميديا- وتلفتت إلى ابنائها- يعرف ذلك.
  • آدم: صحيح إلى حدٍ ما ولكن ليس نحن.
  • الأم: كل واحد يقول لست أنا، والحكم هو التدقيق في حياته ومراقبةرغباته وملاحظة اهتمامته وكيفية قضاء أوقاته، كم هو نصيب الآخرة في قلبه وعمله وميزانه؟، وما مدى يقينه بقوله تعالى “وإن الدار الآخرة لهي الحيوان” أي الحياة الحقيقة،فالتمتع في الدنيا جميل لكن بالقدر الذي لا يُلهينا ثم يُهلكنا.
  • آدم: أظن لك زمن ظروفه، فالزمن تغير والبشرية تطورت ، فلا نستطيع -نحن الجيل الجديد- أن نعيش كما عشتم .
  • الأم صحيح، الزمن تغير لكن المنهج لم يتغير والثوابت لم تتزحزح، فالدنيا تبقى دنيا والآخرة تبقى آخرة والمصير لكل واحد محتوم ونهاية الحياة للجميع هي الموت، لكن الأهم ماذا بعد الموت، بينكم صورتان : الأولى للمرأة العجوز وهي تمثل مَن جعل الدنيا غايته، والثانية لجدتكم الغالية وهي تمثل مَن جعل الآخرة غايته والدنيا وسيلة، ولكل واحدٍ منكم حرية الاختيار لكن … وصمتت قليلاً
  • الأب: ولكن ماذا؟
  • الأم: لكن عليك تحمل نتيجة اختيارك، فالعبد…وضع النادل الفاتورة على الطاولة. الأم: هيا لقد تأخرنا نهض الجميع، و أثناء مغادرتهم نشروا الابتسامة على وجوههم، قابلهم أهل المطعم بابتسامة.

فيديو مقال صورتان

 

أضف تعليقك هنا