الانحراف الديني الجمعي

الانحراف الديني هو في مفهومه الحقائقي الابتعاد عن الأصل الأصيل التنزيلي. ويكون انحرافا جمعياً حينما يصبح هو السائد وأخطر اشكاله حينما يستند الى ما يشرعه سواء من جهة الأدلة المتوهمة او الاقوال المعتمدة على تلك الأدلة. والانحراف

مظاهر الانحراف الجمعي

الجمعي وبحسب القران له ثلاث مظاهر هي:

  • الأولى: مخالفة ملة إبراهيم عليه السلام الحنيف المسلم الموحد.
  • الثانية: مخالفة كتبهم التوراة والانجيل.
  • الثالثة: مخالفة الحق الذي يفرضه العقل والفطرة والوجدان.

وهذه المرجعيات هي مرجعات ثابتة لبيان الانحراف من عدمه؛ وهي ملة الأنبياء فان ملة إبراهيم كانت مثالا لملة الأنبياء الثابتة المعروفة المتفق عليها، والكتب وما هو ثابت منها ومتفق عليه، والثالثة ما توجبه الفطرة والعقل من موافقة وتناسب واتساق في المعرفة.

فحينما نريد ان نحكم على شخص ما، مسلم مثلا هل هو منحرف ام لا، فلا يصح ان ننظر الى المشهور والى السائد بل ولا الى الاجماع ولا الى مسميات مثل ضروريات المذهب ومسلمات الطائفة واصول المذهب وثوابت الطائفة فان هذه ليست مرجعيات يحكم بها على انحراف او عدم انحراف الشخص الديني. بل الواجب النظر الى ثلاث أمور:

كيف نحكم على شخص ما؟

  • الأول: ملة الأنبياء التوحيدية الحنيفية التسليمية المخلصة لله تعالى.
  • الثانية: القرآن بمعارفه الثابتة المحكمة المتفق عليها والسنة الواضحة البينة المجمع عليها من دون تأويل او تحكم.
  • الثالث: الاحكام الفطرية والعقلائية والوجدانية المتعلقة بالمعارف من حيث التوافق والتناسق والاتساق بالمصدقات والشواهد.

الفرق بين الانحراف الديني الفردي والجمعي

وإذا كان الانحراف الديني الفردي امرا افتراضه سهل بل وقوعه أيضا ليس بصعب جدا وان كان صاحبه من اهل التقوى، فان الانحراف الديني الجمعي ليس سهلا لا افتراضا ولا وقوعا الا انه وقع ويقع ويتكرر ولعوامل كثيرة اكثرها غير ديني. لكن لا بد ان يعلم ان الانحراف الديني الجمعي دوما يكون بعمل اما ستراتيجي مبيت او بسير جهلي غير مميز. وللانحراف الديني الجماعي مراحل متميزة أهمها ثلاث مراحل مفصلية مؤثرة جدا.وسأتحدث هنا عن الانحراف الديني الجماعي في الطوائف الإسلامية او على مستوى المذاهب لان الانحراف الإسلامي الجمعي ممتنع للحصانة التي يوفرها النص القرآني.

أنواع الانحراف الديني الجماعي

ان الانحراف الديني الجماعي – لدى طائفة او مذهب – يكون وفق ثلاث مراحل:

  • المرحلة الأولى: التقنين النظري (التشريع النظري للانحراف الجمعي) بأحاديث وتفاسير تتحكم في المعنى القرآني وتسحبه الى غير معناه الحقيقي.
  • المرحلة الثانية: التقنين العملي (التشريع العملي للانحراف الجمعي) بأحاديث وتفاسير توافق تلك الأحاديث والتفاسير التنظيري الا انها ذات طابع عملي اجرائي بممارسات واعمال تتكرر وعلى مستوى الجماعة.
  • المرحلة الثالثة: التطبيق النخبوي (التشريع التطبيقي) من خلال اعتماد المؤسسة الدينية المعتمدة تلك الأفكار النظرية والعملية ونشر تطبيقها والعمل بها وترسيخها.

ومن المعلوم ان العامة غالبا ما تكون منقادة الى النخبة والمؤسسة الدينية بل قد يتدخل عامل غيبي في الاتباع او عامل قانوني يمنع من المخالفة.ولا يصح مطلقا التقليل من أهمية المؤسسات الدينية في حياة الناس وانها مظهر اجتماعي متميز الا انه أيضا لا ينبغي مطلقا التقليل من خطورة تلك المؤسسات على العقل الديني الجمعي وإمكان شرعنتها لما هو ظني او باطل.

وأيضا يجب التأكيد ان من الواضح ان هذه المراحل لا يجب ان تكون حاصلة بنوايا شريرة او بمقاصد خبيثة بل ربما يكون الدافع هو التقوى والورع والتسليم والشهادة، الا ان اعتماد هذه المعارف نقلا او قولا، تنظيرا وتطبيقا مع عدم وجود ما يشهد لها ويصدقها يدخل في الحشوية وعدم النظر الى جوهر الدين وغاياته.

ان العمل بهذا النقل المنحرف والقول به قد يصدر أحيانا من جماعات كثيرة من العلماء الورعين التقاة ويصدر من باب الورع والتقوى. وان تبني هكذا أفكار والعمل بها من نخبة ورعة وتقية يجعل المناقشة فيها امرا مستهجنا وقبيحا عند العامة، وهذا ما يرسخ الانحراف ويديم استمراره حتى يأتي علماء لهم بصيرة يشيرون الى تلك المواطن وبأساليب أحيانا يسيرة وهادئة وأحيانا شديدة وعاصفة.

هل المنحرف شرعياً يُخالف الأنبياء؟

لكن لا بد من التأكيد دوما وعبر الأجيال وعير الازمان ان المنحرف دينيا هو من يخالف ملة الأنبياء التوحيدية وثوابت القران ومحكماته من لا يكون لقوله شاهد ولا مصدق منها، فلا اتساق ولا تناسق بل مخالفة وغرابة عن تلك الثوابت. لا بد ان تتعلم الأجيال انه ليس المنحرف من يخالف ما هو سائد وما هو معروف وما هو مشهور وما هو ضروري في المذهب وما هو مسلم في الطائفة بل ولا ما هو مجمع عليه، فكم مما هو موافق لتلك الاجماعات هو مخالف للمعارف الدينية الحقة،

فمثلا تقديس مراقد الاولياء من انبياء واوصياء وصالحين ، لو عرضنه على ملة الأنبياء الاخلاصية التوحيدية التسليمية وعلى محكمات القرآن وثوابته وعلى الاعتبارات والاحكام الفطرية والوجدانية والعقلائية المتعلقة بذلك من اتساق وتناسق فإنها ستكون غريبة وشاذة ولا شاهد لها ولا مصدق الا انها لها شهرة بل وعند البعض اجماعات متوارثة بل وتعتبر من المسلمات عند البعض بل من الضروريات التي يعد انكارها انحرافا فكريا وضلالا دينيا. وهكذا امثلة كثيرة هي منحرفة عن المرجعيات الاصلية الحقيقية الا انها مشهورة وسائدة بل ويعد انكارها انحرافا وضلالا فكريا وهذا هو الانحراف الجمعي.

يجب الكف عن الترهيب والإرهاب الفكري

يجب الكف عن الترهيب والإرهاب الفكري بحق الباحثين ويجب الكف بالتلويح بما هو موروث ومشهور بين العلماء والأوائل والسلف، فان المرجع ليس أيا من ذلك بل مرجع المسلم ثلاثة أمور ملة الأنبياء الاخلاصية التوحيدية وثوابت القران والسنة وما تفرضه الفطرة والوجدان واحكام العقلاء من الموافقة لذلك والتناسق معه بشواهد منه ومصدقات واضحة للأفكار، واما غير ذلك مما يعد ميزانا ومرجعا فلا هو ميزان ولا هو مرجع يرد اليه غيره.

فيديو مقال الانحراف الديني الجمعي

أضف تعليقك هنا