الحوكمة في التعليم وأثرها على نتائج الطلبة

لا يجادل أحد في كون التربية هي المدخل الحيوي للتنمية الشاملة، والرهان الذي ينبغي كسبه للانخراط في مجتمع المعرفة، والاستجابة لتحديات العولمة. لذا أصبحت نظم التعليم بحاجة إلى سياسات تربوية وإدارية حديثة، تساعدها على تحقيق الكفاءة والتميز باعتماد أساليب ومفاهيم متطورة. ومن بين تلك المفاهيم مفهوم الحوكمة بوصفه آلية لتجسيد مبادئ الشفافية، والفاعلية، وكفاءة العاملين. (الحوكمة في التعليم).

مفهوم الحوكمة

تشير الحوكمة في مفهومها العام إلى النهج الذي يعتمد ممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق التنمية الشاملة. ويستند على ثلاث ركائز أساسية: الركيزة السياسية من خلال صنع القرار المؤثر في مختلف القطاعات، والركيزة الاقتصادية التي تتضمن بدورها عملية صنع القرار المؤثر، ثم الركيزة الإدارية التي توفر النظم الإدارية اللازمة لتنفيذ تلك السياسات.

فالحوكمة إذن هي انتقال بالإدارة من وضع هيكلي جامد ، إلى وضع اكثر تفاعلية وتكاملية بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وأكثر ارتباطا بعملية صنع القرار. لذا يعتبر قطاع حكومي ذا حوكمة جيدة إذا امتلك الأطر التشريعية والتنظيمية التي تمكنه من:

الأطر التشريعية والتنظيمية للحوكمة الجيّدة

  • إدارة البرامج وتقديم الخدمات بكفاءة وفاعلية.
  • تحقيق المطابقة بين الإجراءات الإدارية والتشريعات، وفق مبادئ الشفافية والنزاهة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
  • الوصول إلى الإدارة الإبداعية على مستوى التخطيط، والتنفيذ، والمتابعة.

أما فيما يتعلق بالنظم التعليمية، فإن الحوكمة لا تقتصر على التنظيم الإداري، بل يمتد مدلولها ليشمل العلاقة مع المتدخلين والمستفيدين، من طلبة، وأولياء الأمور، والمجتمع المحلي؛ والإسهام في توفير بيئة تنظيمية تتسم بالثقة والوضوح والمشاركة الفعالة.

دور الحوكمة في العملية التعليمية

تُحدث الحوكمة تغيرات جذرية في عمق العملية التعليمية، سواء من حيث تحقيق المساواة في فرص التعلم، أو من حيث جودة التحصيل الدراسي، مما يحقق نقلة نوعية في المخرجات التعليمية تتوافق بشكل كبير مع مهارات الألفية الثالثة. غير ان اعتمادها يتطلب إرساء جملة من المبادئ والقواعد  التي تعد بمثابة مؤشرات لتبني المؤسسة نهج الحوكمة من عدمه. ورغم التباين الحاصل بشأنها بين الباحثين، إلا أنه يغلب الاتفاق على ثلاث مبادئ أساسية هي: الشفافية، والمشاركة، والمساءلة.

تقتضي الشفافية انفتاح المؤسسة التعليمية على باقي الشركاء والمتدخلين، وإتاحة المعلومات والبيانات لتحريك نقاش حر وموضوعي حول أوجه القصور في الأداء العام. كما تُحيل على الوضوح في تصميم وتطبيق النظم و التشريعات التي تكفل حقوق العاملين والطلبة، وسهولة تدفقها واستخدامها من قِبلهم.

ومن شأن هذا المبدأ أن يعزز الثقة بين العاملين، ويسهم في تقليل الغموض وما يترتب عنه من فساد، كما يسمح بتوعية المواطنين واطلاعهم على الخيارات المتاحة.أما مبدأ المساءلة، بوصفه آلية للرقابة والتحكم، فيهدف إلى تثمين الممارسات الجيدة، وتحجيم الممارسات السيئة. وهو أيضا نوع من الضمان الذي يفضي إلى حسن إدارة العاملين، وخفض السلبية في الأداء.

بينما يعني مبدأ المشاركة إتاحة الفرصة للمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، قصد المشاركة في وضع السياسات والقواعد التنفيذية للعمل. وتتضح أهميتها من خلال جعل القرارات أكثر واقعية، وزيادة منسوب الثقة لدى العاملين، مما يساعد على الاجتهاد وتوليد الأفكار. ومن شأنها أيضا أن تحد من الصراعات وتؤَمّن مزيدا من الانسجام وتحسين الأداء، خاصة حين ترتبط بنظام متنوع من الحوافز.

كيف يؤثر تطبيق الحوكمة على تحسين التعليم؟

يتموضع التعليم في قلب رؤية الإمارات2021 لتمكين أجيال المستقبل من تعليم ابتكاري، يحقق خطة التحول من اقتصاد النفط إلى اقتصاد المعرفة وريادة الأعمال. لهذا الغرض تم تطوير نموذج وطني بمواصفات عالية أطلق عليه “المدرسة الإماراتية”.

وتكشف وثيقة السياسة العامة لنظام التعليم، التي تعد مرجعا مستقرا للعاملين في قطاع التعليم بالإمارات خلال السنوات( 2017-2021)، عن انتهاج حوكمة رشيدة، تستند إلى حزمة من التدابير و الآليات لتحسين التعليم، أهمها :

تدابير وآليات الحوكمة الرشيدة

  • يتولى إدارة المؤسسة مجلس أمناء، ورئيس تنفيذي من ذوي الكفاءة الأكاديمية والإدارية، ومجموعة من اللجان التي يشارك في عضويتها أعضاء هيئة التدريس والطلبة.
  • ملاءمة البرامج التعليمية ومخرجاتها لمجالات لمنظومة الوطنية للمؤهلات الإماراتية، وتوافقها مع الاتجاهات العالمية، بما في ذلك صناعة الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد المبني على المعرفة.
  • إرساء قواعد مناسبة لدعم التعلم الذكي، وتحديد آليات استخدامه وتطويره من قبل المدرسين والطلبة.
  • الالتزام بسياسة خاصة بأنواع الغياب وتعويض الدروس والامتحانات.
  • إجراء مراجعة دورية لنتائج مؤشرات الأداء، والتدقيق المستمر في كافة الوحدات والبرامج، ودمج حصيلته في التخطيط المؤسسي ووضع الميزانية.

تعزز الحوكمة قدرة النظام التعليمي على ترشيد الإنفاق والاستخدام الأمثل للموارد. ومن خلال مؤشر الإنفاق على التلميذ الواحد في التعليم الابتدائي، نجحت بعض الأنظمة التعليمية في ترجمة الموارد إلى مقاعد دراسية إضافية. وتعد السنغال إحدى الدول الإفريقية التي سجلت تقدما ملحوظا في زيادة الإنفاق على التعليم الابتدائي بفضل اعتماد نهج الحوكمة.

أهم النتائج التي حققتها الحوكمة التعليمية

وكان من أهم النتائج التي حققتها هي زيادة نسبة القيد الصافية في التعليم الابتدائي، بعد أن تمكنت من توفير مقاعد دراسية لجميع المتعلمين، بالإضافة إلى إكسابهم المهارات الأساسية في مجال القراءة والكتابة، وتحسين أجور المدرسين. وعلى مستوى المناهج قررت التركيز على تدريس مناهج الإدارة الحديثة بالمدارس المتوسطة، وتصميم برامج لتدريب المدرسين على ثقافة الإدارة الرشيدة والتعلم المدني.

ينعكس تبني الحوكمة كنهج إداري على النشاط التعليمي، حيث يتعين بموجبه إعادة النظر في مركزية إعداد المناهج والوسائل التعليمية، وملاءمتها مع ظروف المتعلمين ومستوياتهم. ففي الدول المتقدمة تم التخلي منذ زمن بعيد على المناهج المركزية الموحدة، والاكتفاء بالتوجهات الكبرى التي يُعهد للمجالس البيداغوجية بالمؤسسات مهمة تحويرها وتكييفها مع المحيط السوسيو-ثقافي للمتعلمين.

ومن شأن الحوكمة على هذا الصعيد أن تتيح للمدرسين توخي طرق تدريس قوامها النشاط الجماعي، والتعاون المشترك، والتجديد المتواصل في مجالات تصور وضعيات التعلم، واستنباط وسائل وطرائق تعليمية حديثة، ناهيك عن تطوير أساليب تقويم المكتسبات.

عززت الحوكمة أيضا قناعات المسؤولين التربويين بأهمية التكوين المنهجي الشامل لمديري المؤسسات التعليمية، وإكسابهم المهارات والاتجاهات الحديثة التي تتلاءم من جهة مع الواقع التربوي العربي، وتؤسس من جهة أخرى لقيادة تربوية رشيدة.

الغايات التي تم تسطيرها للتلاؤم مع مقتضيات الحوكمة

  • تطوير أساليب العمل وتفويض جزء من المسؤولية باعتماد مبدأ الكفاءة.
  • تطوير ثقافة التقويم والتقويم الذاتي لكافة العاملين.
  • تطوير مشاريع كفيلة بتطوير المدرسة وإيجاد حلول لمشاكلها الخاصة.
  • التصرف في الموارد المالية، وما يتطلبه ذلك من برمجة وتنفيذ ومتابعة دقيقة.
  • التمكن من تقنيات التواصل مع كل المتدخلين والمستفيدين، والتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الذين يشكون صعوبات نفسية أو اجتماعية.

بالرغم من تلك الجهود والمبادرات، لا يزال من المبكر الحديث عن تطوير ممارسات جيدة للحوكمة . فجل الأنظمة التعليمية تفتقر للآليات الضرورية للمراقبة والمواكبة، ولتدابير ناجعة على مستوى اتخاذ القرار التربوي. فبلوغ نمط الحوكمة الرشيد يقتضي المزيد من تفويض الصلاحيات والاختصاصات، في أفق منح استقلالية أوسع للمؤسسات التعليمية، وإرساء مقاربة تشاركية، تعزز القيادة الإبداعية، وتستقطب كافة الفاعلين المحليين.

إن الحوكمة الرشيدة في المنظومة التربوية هي في العمق ثقافة يجب أن يقتنع بها المسؤولون، ونهج حداثي يربط المسؤولية بالمحاسبة، في أفق حل المشكلات التعليمية، وضمان مخرجات أكثر تجاوبا مع تحديات السبق الحضاري.

فيديو مقال الحوكمة في التعليم وأثرها على نتائج الطلبة

أضف تعليقك هنا