في حب شراء الكتب

بقلم: زبيدة فيصل

حلمت مرة بأنني في سوق كبير للكتب، اشتريت منه كتبا كثيرة فاق عددها حجم خزانة كتبي الصغيرة، بل وجاوزت المعتاد والمألوف، فبحثت عن تأويل حلمي في كتاب “تعطير الأنام في تعبير المنام” للرحالة والأديب الدمشقي عبد الغني النابلسي عن تفسير حلمي الجميل، فكان المعنى بأن الكتاب دليل على المؤنس والجليس. مقال يتحدث عن حب شراء الكتب ويمكنك قراءة المزيد من المقالات التي تتحدث عن أدب من هنا.

بماذا يشعر عشاق الكتب عند شراء الكتب؟ 

نحن عشاق الكتب عادة نحس بالإرتياح وبشعور لذة لا يقاوم عند شراء الكتب بشكل قد يطغى أحيانا على الهدف من شراء الكتاب وهو قراءته أو الاستفادة منه، فقد وصف المفكر أحمد أمين في مقالة بعنوان “لذة الشراء وآفة الملكية” حاله وقت شراء الكتب: ” وسط هذه المكتبة المغمورة بالكتب، والمغمورة بالتراب، والمغمورة بالفوضى، انغمست ببذلتي البيضاء، القريبة العهد بالكواء، أبحث عن كتب نادرة أشتريها، وأتصفح كتبا أتعرف قيمتها، فضحك علي -بائع الكتب القديمة- إذ رأى غراماً بالكتب يشبه الجنون، ورغبة في البحث والشراء تشبه الخبل”، وأكمل أمين وصف مشاعره الجياشة لحظة شراء الكتب، وبعدها : “وأجن بالكتاب قبيل شرائه وعند شرائه، وأبيت ليلة وأنا أحلم به ولا أسمح لنفسي بالنوم ليلة الشراء قبل تصفحه ومعرفة ما فيه أو على الأقل عناوينه، ثم يوضع في المكتبة وينسى وكأنه لم يملك”.

ما الفائدة من شراء نسخ عدة من الكتاب نفسه؟

وعن جدوى شراء نسخ عدة للكتاب الواحد، قال الأديب المصري إبراهيم عبد القادر المازني: “ولأهون عليّ أن أشتري منه –الكتاب- نسخة أخرى من أن أهتدي إلى موضعه وأعرف أين اختبأ ..، إني إذا اشتهيت أن أقرأ كتاباً أو أرد أن أراجعه، أن أشتريه، وقد أشتريه، وأضعه على المكتب إلى المساء، فتراه زوجتي، فتفتح خزانة وتدسه في صف، فأشتري نسخة أخرى، ومن أجل هذا أيضاً صار عندي من بعض الكتب ثلاث نسخ أو أكثر”.

حب النساء لشراء الكتب

أما النساء، فقد أبدعن في شرح حالهن وقت شراء الكتب، فهذه الروائية والشاعرة السورية الجميلة غادة السمان، شبهت سرور قلبها وبهجة روحها وقت شراء الكتب بشراء ما يجذب ويمتع عين كل امرأة في الدنيا: الفراء والألماس فقالت:  “أعشق الكتب، وحين أشتري كتاباً شهيّاً أشعرُ بما تحس بهِ النساء عادة أمام الفراء والألماس”.

كما تمنت الشاعرة الكويتية د. سعاد الصباح، أن تشتري أثوابها الفاتنة من المكتبة بدلا من متاجر الثياب لانشغال من تهواه دوما بشراء الكتب، فقالت:
‏لو كنتُ أعرف أنكَ تهوى الكُتُبَ،
‏إلى هذا الحدّ
‏لاشتَرَيتُ أثوابي من المكتَبَات!

ماذا قيل عن قراءة الكتب وشرائها في التراث العربي القديم؟

وفي التراث العربي القديم قالت العرب أنه إذا أردت أن تعرف هل ما زال المرء مع طول عمره ممن يجدد علمه أم لا، فانظر هل ما زال يقتني الجديد من الكتب أم لا، فإن كان يشتري ويقتني الجديد، فهو مازال يقرأ ويحدث معلوماته، إذ المرء بطبعه يمل من الكتاب والإعادة والنظر فيه، فإذا غيّر الكتاب بمحتوى وشكل جديد، استمر في طريق القراءة والتعلم.

فقد قال الجاحظ وهو إمام العلم والأدب، وعاش ومات وسط الكتب، حتى قيل أنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر. قال في شراء الكتب من أجل العلم: من لم تكن نفقته التي تخرج على الكتب ألذ عنده من إنفاق عشاق القيان لم يبلغ في العلم مبلغاً رضياً”.

الفرط في حب شراء الكتب إلى حد البذخ

والقارئ النهم كان ولا زال يلام من أهله لكثرة بل وهوس شرائه الكتب، فهذا الشيخ سلمان بن عبد الحميد الحموي الحنبلي وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر كتب ردا على زوجته التي أكثرت من لومه على إهلاك ماله في شراء الكتب:
قائلةٍ أنفقتَ في الكُتْبِ ما حوتْ * يمينُك من مالٍ فقلتُ: دعيني
لعلِّي أرى فيها كتابًا يدلُّني * لأخذ كتابي آمنًا بيميني!

وبلغ بعضهم في ولعه بشراء الكتب إلى حد بذل المال الكثير والجهد الكبير للظفر بالنسخة الأولى من الكتاب قبل أن يقع هذا الكتاب في يد أي قارئ آخر، حيث رُوي عن الحكم المستنصر بالله وهو تاسع الحكام الأندلسيين أنه كان محبا للعلم والمعرفة فكان يبعث في طلب الكتب إلى الأقطار رجالا من التجار، ويرسل إليهم الأموال الطائلة لشرائها، وكان له مراسلون يطلعونه على جديد الكتب فيبعث بالمال الوفير لشراء النسخة الأولى ليكون أول من قرأها. ومن أمثلة ذلك أنه أرسل ألف دينار لأبي الفرج الأصفهاني كي يرسل له النسخة الأولى من كتابه “الأغاني” ففعل.

ومما ورد أيضا من القصص في التراث العربي القديم عن فرط حب شراء الكتب قصة بيع العلامة النحوي ابن الخشاب الحنبلي البغدادي لداره من أجل الكتب، وكان إذا حضر سوق الكتب وأراد شراء كتاب غافل الناس وقطع منه ورقة، وقال: “إنه مقطوع” ليشتريه بثمن بخس.

شراء الكتب عند المثقفين المعاصرين

أما شراء الكتب عند المثقفين المعاصرين، فهذا المفكر المصري الكبير عبدالوهاب المسيري صاحب الموسوعة: اليهود واليهودية والصهيونية، ذكر في سيرته الذاتية أنه كان يستغني عن “ساندوتش الفسحة المدرسية” كي يشتري بثمنه كتاباً يستفيد منه، وعن مثل هذا الحرص أشار الشاعر الفلسطيني محمود درويش في مقطوعته “رسالة من المنفى”:
سمعت يومًا والدي يقول :سيصبحون كلهم معلمين
سمعته يقول: “أجوع حتى أشتري لهم كتاب”

الكتب المقررة والكتب المنتقاة أيهما أكثر تأثيراً في نفس القارئ؟

وفي أثر سحر الكتب التي نشتريها لأنفسنا على أرواحنا وانتشاء عقولنا نسبة إلى الكتب المقررة علينا من الآخرين يخبرنا الصحفي والكاتب المصري أنيس منصور، بأن “الكتب التي تبقي فهى الكتب التي ليست مقررة علينا، أي التي نشتريها لنقرأها أثناء الاجازة، فنحن نقرؤها لأننا نريد ذلك وإذا قرأنا بكامل حريتنا وبلذة، نرى في هذه القراءة تأكيداً للذات وتنمية للشخصية”.

بعض الكتب للتوريث لا للقراءة

وأخيرا، فبعض الكتب تُشترى كي تورث لا لتقرأ، كما جاء ذلك في مقالة د.ساجد العبدلي تحت عنوان :”إقرأ أعمق قبل أن تقرأ أكثر”، حيث ذكر أن مغالاة فئة من الناس في شراء الكتب بغرض تجميعها وتكديسها ربما يعود بالمنفعة عليهم في : “أن الواحد منهم سيخلف وراءه شيئاً قد يستفيد منه أولاده حين يرحل، هذا إن كان من هؤلاء الأولاد من جعل الله في نفسه حُب القراءة، منتصراً بذلك على قهر الجينات التي أورثها له أبوه” .

أما أنا فسأبقى مواظبة – دون أي شعور بالذنب- على شراء الكثير من الكتب إلى أن يفوق عددها حجم خزانة كتبي الصغيرة؛ لأن شراء المرء للمزيد من الكتب التي ربما لن يقرأها هو بمثابة روح تسعى للوصول إلى المالانهاية كما يقول إدوارد نيوتن. (شاهد بعض مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب)

بقلم: زبيدة فيصل

 

أضف تعليقك هنا