تحليل البيانات في البحث النوعي

 تحليل البيانات النوعية

  • هي أكثر المراحل غموضا وصعوبة في البحث النوعي، فهي مرحلة شاقة خاصة بالنسبة للباحث المبتدي، بل حتى الباحث المتمرس قد يصاب بشيء من الإحباط عند جمع المعلومات وقبل البدء الفعلي في تحليل البيانات ، وذلك للكم الكبير والمتنوع من البيانات الذي يتكون عادة لدى الباحث، ولقابلية هذه البيانات للزيادة المستمرة. ولذلك لأنه ليس هناك، كما الحال في البحث الكمى، نماذج تحليلية (إحصائية) محددة وثابتة، مثل مقارنة المتوسطات أو الارتباط أو تحليل لتباين الأحادي أو الثنائي أو نحو ذلك، يسهل الرجوع إليها لتقوم هي عن تحليل المعلومات (كيف أحلل الاختبار الثاني أو نحو ذلك، يسهل الرجوع إليها لتقوم هي عن طريق الحاسب بتحليل المعلومات. وهذا قد يجعل الباحث يحجم عن الإقدام على البحث النوعي، وقد يسبب نوعا من الإحباط للباحث المبتدئ.
  • ويبدو لأول وهلة أن تحليل المواد المجموعة وتفسيرها واستخراج معانيها أمر شاق. وبسبب هذه الصعوبة كثيرا ما يشعر الباحث المبتدئ بأنه لم يحصل على بيانات كافية مما يدعوه للاستمرار في جمع البيانات. فمن المؤكد أن عملية التحليل صعبة ومضنية إذا قيست بعملية التحليل في البحث الكمي، الإ أن هذه المرحلة مع ذلك أكثر المراحل تشويقا خاصة للباحث الخبير وعندما يمتلك الباحث أدوات التعامل مع البيانات، وفيها مجال رحب للإبداع وممارسة الأساليب النقدية، فالباحث الخبير يشعر عادة بمتعة في تحليل بحثه، لا يجدها عادة من يقوم بالبحث الكمي. وفيه تبدأ المعلومات في التعبير عن نفسها وتبوح بأسرارها وخفاياها ويتحدث فيها ما كان ساكتا عندما كانت تلك المعلومات أو البيانات مبثوثة في وضعها الطبيعي.
  • هو بحث منظم عن المعنى المتضمن بالبيانات أو المتعلق بها. وهو طريقة لمعالجة المعلومات والمؤالفة بينها والتعلم منها بحيث يمكن إيصال ما تم تعلمه للآخرين، ” فالتحليل يعني تنظيم البيانات وتفحصها بطرق تسمح للباحث أن يرى الأنماط أو يحدد الموضوعات المحورية (التي تبدأ شيئا فشيئا) أو يكتشف العلاقات أو يبني التوضيحات أو يعمل التفسيرات أو يقدم النقد أو يوجد النظريات. وغالبا ما يشتمل على تركيب وتقويم وتفسير وتصنيف وطرح فرضيات ومقارنة وإيجاد أنساق” ويحتاج فيه الباحث دائما ان يُعمل قدرته العقلية ويستثمر خبرته لإيجاد معنى للبيانات النوعية. ويرى بأن التحليل هو عملية إعطاء معنى للبيانات.
  • عملية نقدية وإبداعية في ذات الوقت، يبرز فيها فكر الباحث وإبداعه وسعة اطلاعه وعمق فهمه لموضوع الظاهرة المدروسة، وقدرته على الربط بين عوامل متعددة في سياق الدراسة، ولذا فالدراسة النظرية لعملية التحليل لا تفيد دون الانخراط الفعلي في عملية التحليل واكتساب الخبرة من ذلك. ولذلك، وكلما ازدادت خبرة الباحث زاد تحليله عمقا وسعة، وزادت قيمة النتائج التي يتوصل إليها.
  • الطريقة الوحيدة لفهم عملية التحليل هي ممارسة التحليل والتعود عليه، فكل الكتب والمقالات التي تتحدث عن التحليل، قد تكون مفيدة إلى حد ما، لكنها لا تغني أبدا عن الممارسة الفعلية للتحليل. ولذلك فمقررات البحث النوعي الجامعية عادة تجعل من متطلباتها الأساسية ممارسة التحليل بشكل عملي ويشير إلى أنه من خبرتهما في تدريس البحث النوعي، فقد وجدا أن تعلم التحليل في قاعة الدرس أسهل من تعلمه من خلال كتاب، فأفضل طريقة لتعلم التحليل هو تمضية الوقت في ممارسة التحليل. والقدرة على التحليل لا تتوقف على تعلم التحليل فقط، بل تعتمد أيضا على قدرة الباحث العامة على التفكير المنطقي والتفكير الناقد، وقدرته التصورية وقوة ملاحظته، وسعة اطلاعه، وخبرته في الاستقراء والاستنتاج.

وبالرغم من أن لب البحث النوعي يتركز على التحليل لكن المراجع لا تعطي تفصيلا في هذا الموضوع. وبشكل عام فهذا رأي يتفق عليه كثير ممن كتب في مجال البحث النوعي. وقد بكون الاستثناء الوحيد هو طريقة النظرية المؤسسة، حيث هناك تركيز على هذا الجانب.

أسباب عدم تركيز كتب البحث النوعي على بسط عملية التحليل

إلى ثلاثة أسباب رئيسة:

الأول:

انشغالها ببسط الأسس النظرية للبحث النوعي وبيان مميزاته، وأوجه الاختلاف بينه وبين البحث الكمي، بالإضافة إلى مناقشة التحديات التي تعرض لها من قبل أنصار البحث الكمي. وبيان مسالك البحث النوعي، بحكم أن الباحث يحتاج كثيرا إلى هذا لإقناع المؤسسات العلمية ودوائر البحث التي اعتادت على البحث الكمي بمنهجية البحث النوعي وقيمته العلمية وأسسه ومنطلقاته الفلسفية والمنهجية.

الثاني:

عدم وجود أساليب محددة وواضحة ومتفق عليها لتحليل البيانات النوعية بين الباحثين، بل هي ما عدا الجوانب الإجرائية المعتادة للتنظيم والتصنيف، تخضع لاجتهاد الباحث وعمق تصوره ودقة تفكيره وثقافته وخلفيته العملية، وحتى الأيديولوجية التي يتمسك بها، فلكل عملية تحليل ذاتيتها الخاصة بها وتميزها، وربما لكل باحث أسلوبه الخاص في التحليل، فالتحليل عملية إبداعية فنية، وغالبا ما يقوم بها خبراء في المجال الذي يكون فيه البحث. ولذلك فبعض من كتب في تحليل البيانات النوعية قد يعتمد على تجربته الشخصية ويعرضها على أنها خيار متاح للتحليل.

الثالث:

أن التحليل فن يعتمد بدرجة كبيرة على تمكن الباحث من الموضوع المبحوث وقدراته الفكرية العامة، والتحليلية وفي قدرته اللغوية.

لكن مع مرور الوقت بدأت تتكشف من خلال البحوث مسالك متباينة للباحثين يمكن سبرها وتطويرها لتكون نماذج تحليل يسير في إطارها الباحثون، خاصة المبتدئون. وهذا ما فعله هاتش. ومع أنه حاول التوسع في موضوع التحليل وطرح الكثير من النماذج التي تساعد على التحليل لكنها بالطبع لا تغني عن عمل وفكر الباحث، ويجب أن لا تكون موجهة ومساعدة.

خصائص عملية التحليل

  • عملية تنظيم وتركيب وتفسير الكم الكبير من المعلومات المجموعة.
  • تعتمد على الباحث فهي عملية ذاتية، نامية فالنتائج غالبا سيكتشف شيئا جديدا.
  • تنقل الباحث من ركام البيانات إلى منتج علمي على شكل رسالة علمية أو كتاب أو بحث.
  • عملية منظمة للبحث في نصوص المقابلات والملاحظات الميدانية والمواد الأخرى التي جمعت من خلالها البيانات.
  • تقبل أكثر من طريقة، سواء اتفقا الباحثان أو اختلفا في النتائج.
  • تنقل الباحث من ركام البيانات إلى منتج علمي على شكل رسالة علمية أو كتاب أو بحث.

متى يبدأ تحليل البيانات ؟

يبدأ تحليل البيانات مع بداية جمع المعلومات (يفيد في تجويد البحث) كلما بدأ الباحث في التحليل المبدئي مبكراً كان أفضل، حيث إن ذلك يجعل البيانات أكثر ثراء.

يجب تسجيل كامل المعلومات المتعلقة بنصوصه التي جمعها وملاحظاته وثائقه، وتكون المعلومات مفصلة بقدر الحاجة، لا يعتمد على الذاكرة، سيكون لدى الباحث كم هائل من المعلومات بأنواعها المختلفة. وقد يفيد في هذا البدء بتسجيل الملاحظات الميدانية فور البدء بتسجيل الملاحظات أو المقابلة.

متى ينتهي تحليل البيانات ؟

تحليل المعلومات في البحث النوعي لا ينتهي الا بانتهاء البحث فهناك دائماً معلومات أكثر مما يمكن تحليله بشكل كامل، وهناك دائماً مستويات أكثر من الفهم يمكن تحليله بشكل كامل، يمكن أن تستكشف قصص كامنة في البيانات أكثر مما يمكن أن يروى، مثل التدريس، هناك دائما المزيد الذي يمكن فعله. إن معرفة متى يمكن أن يتوقف التحليل حكم محير مثل تقرير متي يبدا، فلكل دراسة عملتها أغادر ولدي شعور بأنه لم يستخلص إلا جزء مما في البيانات.

مؤشرات انتهاء التحليل:

هناك مؤشرات يمكن أن يعتمد عليها الباحث لإيقاف عملية التحليل. والمقصود إيقاف عملية التحليل المنظم كمرحلة مستقلة إذ إن التحليل بشكل كامل لا يتوقف إلا بعد كتابة تقرير البحث.

هناك بعض الأسئلة التي تقود أجوبتها إلى مؤشرات على انتهاء عملية تحليل البيانات :

  • هل كل الحالات الشاذة والبيانات غير المتوافقة تم تفسير أسبابها؟
  • هل يمكن توضيح التحليل وتبريره؟
  • هل يمكن حكاية قصة متكاملة؟
  • هل يمكن تنظيم التحليل على شكل نتائج مكتوبة متلاحقة (نظرية)؟
  • هل ظهرت إجابة مرضية عن سؤال البحث؟

تحديد طبيعة النتائج المتوقعة:

عادة لا يستطيع الباحث النوعي أن يحدد بدقة ما الذي سيصل إليه في نهاية بحثه، فليس الأمر كما في البحث الكمي، حيث يكون مع الباحث فرضية يعلم أنه في نهاية البحث إما سيثبتها أو سينفيها.

وهذا ما يجعل البحث النوعي صعبا وعليه طابع الغموض قبل بدايته، فكل ما يستطيعه الباحث هو أن يحدد الصيغة التي سيكون عليها المنتج الذي سيتوصل اليه، فهو يمكن أن يصف النتائج المتوقعة، وصيغة النتائج تأتي غالباً من نوعية البحث.

وبشكل عام، ومع احتمال وجود تداخل فالنتائج يمكن أن تكون على أحد ثلاث أنواع:

  • وصفية.
  • تحليلية.
  • تفسيرية.

بقلم: آمال فؤاد محمد ثابت

أضف تعليقك هنا