هجرة الشباب الفلسطيني والعربي ما بين الواقع والمأمول

يُعتبر المجتمع الفلسطيني من المجتمعات الفتية الذي يتميز بفئة الشباب من كلا الجنسين؛ حسب إحصائية أخيرة لعام 2021 فإن هناك 1.16 مليون شاب وشابة 18-29 سنة في فلسطين يشكلون أكثر من خٌمس المجتمع الفلسطيني؛ 22% من إجمالي السكان في فلسطين منتصف العام 2021، 22.3 )% في الضفة الغربية و21.8% في قطاع غزة)، هذا وبلغت نسبة الجنس بين الشباب نحو 105 شباب ذكور لكل 100 شابة.

لجوء الشباب الفلسطيني للهجرة 

وهذا العدد الهائل من الشباب للأسف الشديد لا يجد مجالاً للعمل لأسباب عديدة منها الحصار، البطالة، ندرة وجود فرص عمل، الفقر، غلاء المعيشة، انسداد أفق المستقبل والعمل في فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، حيث شهد الفترة الأخيرة خلال سنوات الانقسام والحصار هجرة واسعة لعدد كبير من الشباب؛ وهذا يعني هجرة الخبرات العلمية والمهنية والأكاديمية والطبية…الخ، وحسب شهادة جميع البلدان العالمية والمجاورة بأن العامل/ة الفلسطيني/ة هم من أكثر الخبرات قوةً، وأداءاً.

بغض النظر عن سبب الرحيل، يضطر الجميع إلى ترك أمر ما والتخلي عنه عند الذهاب إلى بلد جديد, كما يمرون جميعًا بمرحلة التكيف والتأقلم مع الوضع الجديد, وبالنسبة للبعض قد يكون التغيير مؤلم وملهم ومليء بالفضول والحماس والأفكار والمشاعر الإيجابية, بينما قد يستغرق آخرون سنوات عديدة.

والأسباب وراء هجرة الناس كثيرة ومتعددة مختلفة من فرد لآخر، ومن مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى، منها حسب ما ذكرت سابقاً الحصار والاحتلال والعنف والقتل، أما في بلدان أخرى فنجد من الأسباب صعوبة تأمين عيش كريمة لصعوبة توفير عمل، وانعدام او ضعف خدمات الصحة والامن والتعليم، وهناك من يرغب في سبل حياة أخرى مستقرة ذو دخل أعلى أو بلد آمن مستقر.

بعض أسباب الهجرة عند الشباب

ويمكن تلخيص أكثر أسباب الهجرة كما  ذكرها كل (Bemejo & Kizilhan, 2008)  وهي:

  • الهروب من حالات الحرب في دول التي تعاني من حروب.
  • البحث عن عمل أفضل و توفير لقمة العيش، وهو غالبا الهدف و السبب الرئيسي للهجرة.
  • اللجوء الإنساني عند معاناة من مشاكل فكرية وسياسية.
  • الهروب من الكوارث الطبيعية، مثل الأمراض و الزلازل والبراكين و المجاعات.
  • خطر الحرب الحكومية وشبه الحكومية.
  • الصراعات العرقية والدينية.
  • قمع الحركات الديمقراطية.
  • العولمة الاقتصادية المترافقة مع الفقر والصراعات الثقافية.
  • الفساد الكبير والظلم الذي يؤثر على المجتمع كله.
  • الكوارث الطبيعية والأوبئة.

والمتابع للوضع العربي إجمالاً والفلسطيني خاصة يجد أن الهجرة بأنواعها الشرعية والغير شرعية وبأشكالها المختلفة إما براً او بحراً أو جواً، أفراداً أو جماعات أو حتى أسر كاملة، ونخص هنا فئة الشباب وهي الأكثر هجرةً من البلاد التي تربوا فيها، لعلهم حسب ما يتوقعون ويفكرون ويتأملون أن يجدوا مستقبلاً واعداً مليء بالأمن والأمان والاستقرار المادي والاجتماعي. وآملين أن تتبدل أحزانهم وآلامهم وأوجاعهم خيراً مما ذي قبل؛ ويرجون من الله ما لا يرجوه أحد آخر من العالم الغربي أو الأوروبي أو الأمريكي، فلا نجد أحداً أوروبياً يطلب اللجوء السياسي أو الهجرة المطلقة الى البلدان العربية!.

ألام وصعوبات وعواقب الهجرة

وكل هذا يتحطم على صخور الواقع الآني المليء بالصعوبات والآلام والمشقة؛ والأهم قد يجدوا الموت ينتظرهم في كل مكان، إما في غابات أوروبا المطيرة، أو تحت هراوات الجيش اليوناني وغيره من الجيوش وتركهم عُراة في البرد القارص او الثلوج، ومنهم من يجد الزنازين التي حُبس بها أبنائنا ولا يُعرف عنهم شيء، ومنهم من يواجه قوارب الموت وليست أخبار اليوم أو الأمس بفقدان حبيب او قريب او موت صديق أو عائلة في تلك القوارب ببعيد، ومنهم من يواجهون النصابين والقتلة والبلطجية والمافيات في طريقهم فمن شبابنا من يتعرض للقتل أو الخطف أو التعذيب أو السرقة، ومنهم أصلاً لا يجد الأشجار المليئة بالأموال كي يحصد منها كما حلم أو توقع.

وأوجه النظر إلى شيء آخر مهم حيث أننا شعوب عربية – قبلية وعشائرية- تجمعها  عادات وتقاليد وأهمها الجانب الثقافي الذي يعزز التواصل الاجتماعي الإيجابي البناء المرتبطة ارتباط وثيق بالدين الإسلامي مما ساهم في بناء جوانب معرفية وشخصية لدى الشاب/ة العربي حيث أصبح سمة أساسية في شخصية وفكر ومعتقد وسلوك الشاب/ة العربي المبنية على التواصل والتآزر الاجتماعي، وفيما يقابله من ثقافة غربية مادية براجماتية فقط – فكر رأسمالي وعولمة – يهتم فقط بالجانب الاقتصادي، يفتقد الى تعزيز التواصل الإنساني والاجتماعي مما يشكل ويؤسس لاغتراب نفسي وفجوة ثقافية حضارية داخل الشاب العربي في حال وصوله الى الجانب الأوروبي أو الغربي.

ونتيجة لما سبق واختلاف الجانب الثقافي والاجتماعي والمعرفي، فهناك الكثير من الأعراض النفسية والسلوكية التي تنتج عن ذلك والتي تبدأ بشعور الفرد بالضغط والتوتر، وذلك للاختلاف في التنشئة والتربية والثقافة وحتى المُناخ، ولا شك ان الحياة الجديدة تلك تتطلب من الفرد وسائل تكيف وتأقلم جديدة وبحاجة الى طاقة ودافعية متجددة، وبحاجة الى مصادر دعم داخلية متمثلة في شخصية الفرد، وكيفية إدراكه للمواقف الجديدة، والتي تعتمد أساساً حسب النظرية المعرفية السلوكية إلى أفكار الفرد وتجاربه وتنشأته، أما العوامل الدعم الخارجية والمتمثلة في دعم الأهل والأصدقاء والأقران وهذا كله فقده في بيئته السابقة!

صعوبة التأقلم على الوضع الجديد بعد الهجرة

وبالتالي فهذا أمر يتطلب جهد جسمي وعقلي مرهق جداً، وفي نفس الوقت مطلوب من الفرد ان يكون قادراً على بناء علاقات اجتماعية مهنية جديدة حتى يكون قادراً على مواكبة التطورات الجديدة التي يواكبها، وكذلك على الاحتياجات المادية والأسرية والاجتماعية أقصد بها العائلة والأصدقاء القدامى، وفي حواراتنا ولقاءاتنا والاستشارات التي ترد الينا عبر الخاص نجد ان هناك صراعا عاطفياً يحدث لدى الأفراد في بداية هجرتهم وحياتهم الجديدة وخاصة في حال صعوبة إيجاد عمل او في حال واجه صعوبات شديدة لم تكن في الحسبان، ومن خلال خبرتي ومعايشتي للعديد ممن هاجروا ومنهم من رجع؛ فهناك من طور اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق والمخاوف المرضية وحتى اضطرابات شخصية لأسباب كثيرة آنفة الذكر.

كلمتنا الأخيرة لشبابنا وأهاليهم حافظ على القليل في بلدك، بدلاً من الكثير في أحلام السفر والترحال، ولتكن مغامرات وتجارب الاخرين نبراساً لك ولمستقبل عائلتك، وأن لا تترك ما أنت فيه الآن الا بتوافر فرصة حقيقة بورق رسمي وموثوق، ومتابعات دولية ومؤسساتية مضمونة، أنت مهم ووجودك حول أهلك وعائلتك أهم، آملين بمستقبل أفضل لنا ولكم، ولبلادنا العربية الحرية والكرامة، والاعتماد على نفسها وشبابها واستقلالية اقتصادها، وحياة كريمة لشعوبها.

فيديو مقال هجرة الشباب الفلسطيني والعربي ما بين الواقع والمأمول

أضف تعليقك هنا