تطليق الزوجة على زوجها بسبب مرضه بالإيدز

عُرضت عليّ دعوى أحوالٍ شخصيّة عندما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بالسيب، كان الطلبُ فيها من قبل المدعية بتطليقها على زوجها المدعى عليه بسبب ما تبيّن أنّه كان مصاباً بمرض الإيدز قبل تزوّجها به.

الحكم بقضية التطليق للعلة استنادا للشرع والقانون

بعض الدلائل من القرآن والسنة عن حكم التطليق بعلة

فكانَ الحكم – بفضل الله تعالى – نتاج بحث في مدى جواز التطليق للعلة وشروط التطليق في حالِ جوازه، فكانت خلاصة ذلك أنّه “من المقرّر أنّ أهل اختلفوا بين مجيزٍ للتطليق للعلل وبين مانع، والجمهور على الأول، وهو ما ترتضيه المحكمة لقول الله عزّ وجلّ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} البقرة: من الآية229.

قال الكاساني: “إن الله أوجب على الزوج الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، ومعلوم أن استيفاء النكاح عليها مع كونها محرومة الحظ من الزوج ليس من الإمساك بالمعروف في شيء فتعين عليه التسريح بالإحسان، فإن سرح بنفسه وإلا ناب القاضي منابه في التسريح” (ينظر  بدائع الصنائع، ج2، ص323)، ولقول الرسول  – صلى الله عليه وسلم -: “لا ضرر ولا ضرار” وأيّ ضرر أشدّ على أحد الزوجين في حال مرض الآخر مرضاً لا تتحقق معه الغايات المرجوّة من الزواج أو توجد معه النفرة الشديدة منه مع أنّ الزوجين كلاً منهما لباس للآخر.

حكم القانون بقضية التطليق للعلة

وعلى هذا جاء قانون الأحوال الشخصيّة طبقاً للمادة (98) منه فقد نصّت على أنه “أ- لكل من الزوجين طلب التطليق لعلة في الآخر يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية ولا يرجى منها برء، أو يرجى بعد مضيّ أكثر من سنة عقليةً كانت العلة أو عضوية، أصيب بها قبل العقد أو بعده …”، ومؤدى ذلك جواز التطليق للعلل لكن بتوافر  شرطين:

  • الأول: تعذّر استمرار الحياة الزوجية مع وجود العلة.
  • الثاني: عدم رجاء البرء منها أو رجاؤه بعد مضي أكثر من سنة.

والشرط الأول تقتضيه السياسة الشرعية والمقاصد الشرعية حفاظاً على كيان الأسرة من التفكّك لأدنى سبب مع تفشي ظاهرتي الطلاق والعنوسة في المجتمع واجتياح الفساد للقيم والأخلاق اجتياح الإعصار لمظاهر الحياة، كما أنّ المتأمل في الأحكام الشرعية يرى الحرص على بقاء العلاقة الزوجية أكثر من الحكم بفصمها، لا سيما في هذا العصر الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت فيه أعاصير الفساد.

قرار المحكمة بخصوص دعوى الطلاق

وفي الدعوى المشار إليها قد ثبت أنّ كلاً من طرفي الدعوى يعاني من فيروس المناعة المكتسب (الإيدز)، وعليه فلا يتعذّر استمرار الحياة الزوجية بينهما ما دام الحال كذلك، إذ تعذّره قد يُتصوّر فيما لو كان أحدهما يعاني من الفيروس والآخر سليماً؛ لخوف انتقال الفيروس إلى السليم، أمّا وكلاهما يعاني منه فلا مخوف، وقد تقرّر اشتراط كون العلة الموجبة للتطليق بين الزوجين مما يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية بينهما، فلهذا لم تجِدِ المحكمة في دعوى المدعية ما يجعلها تقضي بالتطليق وفصم العلاقة الزوجية التي أسّست على عقد وثيق، فقضت برفض الدعوى.

ولا يضير الحكم بذلك كونُه كان مصاباً بالمرض قبل تزوّجها به، إذ الطلبُ في الدعوى هو التطليق للعلّة، والمحمكة تنظر الدعوى في نطاق طلباتِ المدعي بالأسباب التي أبداها فقط، والعلة الموجبة للتطليق لا يفترق الحكم معها سواءٌ أكانت موجودة قبل الزواج أم حادثة بعد عقد الزواج.

فيديو مقال تطليق الزوجة على زوجها بسبب مرضه بالإيدز

 

أضف تعليقك هنا