في زمن الظواهر، أين المنهج الظاهراتي؟

على افتراض أنك معلم في مدرسة ابتدائية عانت كباقي المؤسسات التعليمية من جائحة كورونا، وقد تعاملت المدرسة مع الجائحة عن طريق التعليم الإلكتروني السؤال هنا كمعلم عايشت التجربة ما هو تصورك عن التعليم الإلكتروني ومدى فعاليته؟ ماهي تصورات باقي زملائك عنه؟ هل سيعطون نفس إجابتك أم لهم رأي مختلف؟، الأن أتوجه لك بالسؤال كباحث، وللإجابة عن الأسئلة السابقة أيهما أفضل اتباع المنهج الكمي أم النوعي؟ للإجابة عن السؤال السابق وللتعمق أكثر في البحث الظاهراتي كأحد تصاميم المنهج النوعي سنفرد هذا المقال.

أنواع البحوث العلمية

تتنوع البحوث العلمية من حيث منهج البحث:

المنهج الكمي:

بأنواعه في مقدمة المناهج البحثية التي تستخدم في وطننا العربي وهو يعتمد على معطيات رقمية في قياس الظاهرة ودلالات إحصائية في تفسير البيانات المجمعة وإيجاد العلاقات بين النتائج والأسباب.

المنهج النوعي:

الذي يقوم على دراسة السلوك والمواقف والظواهر الإنسانية، ويتم فيه جمع المعلومات والبيانات؛ من خلال مجموعة من الوسائل مثل المقابلات والملاحظات كمدخل لبيانات نوعية، حيث يقدم فيه الباحث التفسيرات الشاملة للموضوع، ولا يوجد مجال للنتائج الإحصائية أو الرقمية، بل إن النتائج تتمثَّل في الجُمل التوضيحية أو اللغة المسموعة، وأهم ما يميز البحث النوعي هو مداخله وتصميماته الخمسة وهي ( النظرية المجذرة، الأنثروبولوجي، دراسة الحالة، السردي، الظاهراتي) والتي يستطيع الباحث اختيار المدخل الذي يوائم الأفكار محل دراسته.

نظراً للحجم الهائل من الظواهر التي نعايشها باعتبارها انعكاس لحياتنا، والتي يختلف إدراكها من شخص لأخر، وتتباين خبرتنا حولها، فنحن بحاجة لمعرفة كيف يري الأخرون الظاهرة وكيف عايشوها وتجربتهم الذاتية حولها، وهذا ما يوفره لنا البحث الظاهراتي.

نشأة البحث الظاهراتي

بعد الحرب العالمية الأولى تعرضت كافة الأيديولوجيات والقيم الثقافية في أوروبا إلى اضطراب عميق فقد تضاءل العلم إلى وضعية عقيمة، وأمست الفلسفة ممزقة بين هذه الوضعية من ناحية ، والذاتية التي لا يمكن الدفاع عنها من ناحية أخرى، انتشرت أشكال من النسبية واللاعقلانية، وفي سياق هذه الأزمة الأيديولوجية ، سعى الفيلسوف الألماني  إدموند هوسرل (1859-1938)؛ إلى تطوير أسلوب فلسفي جديد من شأنه أن يضفي اليقين المطلق على الحضارة المتفككة، على الرغم من أن أصول الفينومينولوجيا يمكن إرجاعها إلى كانط وهيجل، يعتبر هوسرل “منبع الفينومينولوجيا في القرن العشرين”. وأول من وضع الخطوط العريضة للظاهراتية وأسس مدرسة فكرية تركز الانتباه على التجارب الذاتية للبشر وتصوراتهم عن العالم، والذي أكد على تجاهل أي شيء خارج التجربة المباشرة. (Groenewald, 2004).

مفهوم الظاهراتية

علم الظواهر هو موقف فلسفي ونهج بحثي، وبنائه الأساسي هو أن الحقائق الإنسانية الأساسية لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الذاتية الداخلية، وأن الشخص جزء لا يتجزأ من البيئة (2010,Flood) وهو منهج يسعى للكشف عن خبرات المبحوثين في قضية معينة، من خلال وعي الباحث (عيسى، 2015)

بالتالي يمكن فهم الظاهراتية بأنها توليد المعرفة المتصلة بالطريقة التي يعي أو يخبر بها الأخرون تجاربهم، باعتبار كل إنسان يمثل خبرة في هذا العالم، فهو يبحث في الخبرة المتشكلة لدى العينة لموضوع الدراسة.

خصائص البحث الظاهراتي

أولا: التركيز على الظاهرة موضوع الدراسة وصياغتها على شكل مفهوم واحدة مثل النمو المهني، القيادة الموزعة

ثانيا: استكشاف الظاهرة عن طريق مجموعة من الأفراد لديهم خبرة بالظاهرة ويتراوح العدد ما بين 3-15 فرد سحب الوصول إلى حالة التشبع.

ثالثا: التركيز على التجارب الحية للأفراد الذين عايشوا الظاهرة وخبراتهم الذاتية والموضوعية حولها.

خطوات إجراء بحث ظاهراتي:

أشار (1997, Creswell) إلى خطوت رئيسة لإجراء بحث ظاهراتي:

  • حدد فيما إذا الأسلوب الظاهراتي هو الأنسب لدراسة المشكلة البحثية
  • حدد الظاهرة موضع الاهتمام وصفها
  • حدد الافتراضات الفلسفية للبحث الظاهراتي
  • جمع البيانات من أفراد لهم خبرة بالظاهرة باستخدام مقابلات عديدة ومعمقة والملاحظة والوثائق.
  • استنباط الأفكار من تحليل العبارات.
  • طور وصفاً للتركيب والسياق.
  • اكتب جوهر الظاهرة باستخدام وصفاً مركباً
  • اعرض جوهر فهم التجربة مكتوباً

تحديات البحث الظاهراتي

  • تعتبر الأفكار الفلسفية مفاهيم مجردة ليس من السهل كتابتها في الدراسة.
  • يجب اختيار المشاركين بحذر شديد بحيث تتوافر لديهم خبرة بالظاهرة موضوع الدراسة.
  • إن عزل خبرة الباحث الشخصية قد يبدو صعباً، لأن تفسير البيانات يعتمد غالباً على افتراضات الباحث.
  • قد يستغرق جمع البيانات قدراً كبيراً من الوقت، والموارد.
  • قد يكون من الصعب تحليل البيانات وتفسيرها.
  • قد تكون دراسة الظاهرة منخفضة المصداقية، بسبب طبيعة الأشخاص أنفسهم والسياسات التي تفرض قيوداً عليهم.

في الختام إن البحث الظاهراتي هو بحث معمق يقدم فهما واسعا لظاهرة اعتماداً على تجربة مجموعة من الأشخاص، فالباحث الظاهراتي هو عيننا التي ترصد كيف يرى الأخرون الظاهرة وكيف عايشوها.

المراجع

1) عيسى، أحمد (2017) دراسة الظواهر     https://a-faisal.net/856/

  1. Groenewald, Thomas) 2004). “A Phenomenological Research Design Illustrated” (http://creativecommons.org/licenses/by/2.0)
  2. Flood, Anne (2010) Understanding phenomenology, Nurse Researcher. 17, 2, 7-15
  3. Creswell, John, Poth, Cheryl (1997) Qualitative Inquiry and Research Design: Choosing among Five Approaches, five Tradition, Sage Publications, London.

بقلم: هبة عمر شمالي

أضف تعليقك هنا