محمد علي وعصر النهضة في مصر

عندما غادر الفرنسيون مصر في عام ١٨٠١، انتشرت صراعات مختلفة في البلاد، مما دفع محمد علي إلى تولي حكم مصر في عام ١٨٠٥ ، وبعد اطلاعه على الحضارة الاوروبية والآثار الجيدة التي تركها الفرنسيون في مصر وشغفه البالغ في الاستبداد بحكم مصر، بدأ في الجري على سياسة اصلاح واسعة النطاق في مصر والاستعانة بالفرنسيين في تنفيذها. وقام بإرسال البعثات العلمية إلى فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية للرغبة في تقدم الوطن والعمل على إصلاحه وتثقيف رجاله.

إنجازات “محمد علي” التي طورت البنى التحتية في مصر

وقد أنشأ محمد علي الجسور والقناطر والحيضان لتنظيم فيضان النيل، ومن مشروعاته العظيمة هي “القناطر الخيرية” على رأس الدلتا، وكان الغرض منها حجز الماء الذي كان يذهب هدرا في البقاع التي يرويها الفرع الغربي، لأنها غير صالحة للزراعة، والانتفاع به في ري أراضي الفرع الشرقي، وري الوجه القبلي الذي يقل فيه الماء طوال الوقت الذي كان ينخفض فيه منسوب النيل بشدة بسبب ارتفاع أراضيه عن سطح النيل.

وقد اهتم محمد علي بالصناعة، فأنشأ مصنع للجوخ[1] ببولاق، وتولى إدارته عمال فرنسيون ثم حل محلهم فيما بعد مصريون بعد أن أرسلهم الوالي خصيصا لتعلم هذه الصناعة في فرنسا، وكان يصنع فيما بعد الأجواخ ملابس صوفية و أغطية للبحارة المصريين.

تطوير ” محمد علي ” للقطاع التعليمي 

أسس محمد علي عددًا كبيرًا من المدارس بهدف تعزيز جيشه وإصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. كان محمد علي يرسل بعثات إلى الخارج وحين عودة المبعوثين، كان محمد علي يلزمهم بترجمة علوم الغرب إلى اللغة العربية. وبلغ من اهتمامه بحركة الترجمة إنه كان يأمر أعضاء البعثة أثناء وجودهم في أوروبا لتلقي العلم بترجمة إلى اللغة العربية الكتب التي كانوا يستخدمونها في الدراسة.

افتتحت مدرسة الألسن ودار الترجمة في القاهرة على يد رفاعة الطهطاوي. وتأسست المطبعة الأميرية عام ١٨٢٢ على أنقاض المطبعة الفرنسية. وأصدرت مجلة “جورنال الخديوي” ، ثم تحولت إلى الوقائع المصرية، و كانت تحرر أولا بالتركية والعربية، ثم صارت تكتب بالعربية فقط. كان محمد علي ركنا قويا للنهضة الحديثة.

نجح محمد علي، من خلال اهتمامه بالتعليم وأنشاء المدارس، في تزويد الجيش بالضباط والمهندسين والفنيين، وبإمداد الحكومة بالموظفين الإداريين، وبإعداد المدرسين والمترجمين الذين احتاجت إليهم النهضة الحديثة. تحولت حركة الترجمة في عهد محمد علي إلى وجهة علمية بحتة، وحصرت المواد المترجمة في المجلات التالية: الطب والهندسة والكيمياء، ثم الجغرافيا والتاريخ، ولقد قام السوريون بالترجمة في البداية.

إصدار جورنال الخديوي

في عام١٨١٣، أصدر محمد علي “جورنال الخديوي” باللغتين العربية والتركية، وكانت هذه الصحيفة موجزًا أو تقريرًا عن حسابات الأقاليم وشئون الدولة والأخبار الحكومية، وكانت تشمل بعض القصص من ألف ليلة وليلة، وكان هذا التقرير مكتوبا بخط اليد في البداية، حتى تم إنشاء مطبعة القلعة سنة ١٨٢١، وكان يسمح لبعض موظفي الحكومة بالاطلاع على هذا الجورنال، أما الشعب فلم يكن له علاقة به.

واتضح فيما بعد للوالي إن الشعب المصري يجب أن يطلع على أعمال الحكومة، وأن يتعرف على إصلاحات الوالي، فاتجه إلى تطوير  الصحيفة “جورنال الخديوي” وتم إعادة إصدارها تحت اسم جديد وهو ( الوقائع المصرية) سنة ١٨٢٨، وكانت الصحيفة تصل إلى العلماء والأمراء ورجال الدين، وإلى طلاب العلم في مصر وأوروبا، وإلى جميع المسؤولين الحكوميين دون استثناء.

تراجع النهضة العمرانية في مصر بعد رحيل ” محمد علي”

بدأ هذا الانتعاش في التراجع بعد أن تولى أبناء محمد علي السلطة، ومنهم عباس وسعيد، فأغلقوا المدارس بحجة أنها تروج الأفكار الغربية، وربما أرادوا إغلاقها لأنها أنارت مصر وجعلت الشعب المصري مثقفا، وقادر على محاربة الجهل والاستبداد. وعندما تولى إسماعيل السلطة، بدأ في استعادة حركة الإصلاح التي بدأت في عهد محمد علي، وأسس مطابع ومدارس للعلوم والهندسة والطب والحرب، وعاد إرسال البعوث إلى أوروبا لتعلم اللغات الأجنبية، ونقل الحضارة الأوروبية، ورغبته في جعل مصر مثل أوروبا.

تسببت جهود إسماعيل الإصلاحية في تضاعف نفقات الدولة وديونها في مصر، مما أدى إلى زيادة التدخل الأجنبي، فأُقيل إسماعيل وتولى ابنه الخديوي توفيق مقاليد الحكم. ومن هنا يمكن القول أن عهد إسماعيل يمثل عصر النهضة الأدبية، بينما كان عهد محمد علي يمثل عصر النهضة العلمية والعسكرية.

[1] جُوخ جمع أجواخ وهو نسيج كثيف من الصُّوف “تاجر جُوخ”.

بقلم: مايكل جرجس جابر اسكندر

أضف تعليقك هنا