نشرة تربوية تأملية: الدور الجوهري للمُعَلِّم النَّوعي

بقلم: د. أحمد عايش 

مقدمة

التعليم عمل إنساني نبيل يَسْمو عن تسميته بمهنة ؛ وَيَسْمو عن حسابات الربح والخسارة أو الغالب والمغلوب ؛فهو يرتقي بمكانته عن هذه التسميات ؛ إلى مكانة ربّانية رفيعة، ثم مكانة مجتمعية لها خصوصيتها من التبجيل ، باعتبارها رسالة وأمانة عظيمة من إنسان نَذَر نفسه لتعليم الناس الخير قدوته في ذلك الحبيب المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الْمُعَلِّم النَّوعي يُمَثِّل الْمُحرِّك الأساس للعملية التعليمية، وعلى عاتقه تقع مسؤولية تحقيق النتاجات التعليمية والتربوية، وتنفيذ المناهج والمقررات الدراسية، والقيام بالدور التربوي والتعليمي الشامل لطلابه، ويتعاون مع زملائه ، مُبادِرًا يُنفذ طوعًا ما يُسْند له من واجبات في كل ما مِنْ شأنه تطوير طرائقه في التدريس، بما في ذلك الاستجابة لمقترحات التطوير وتوصيات سير العملية التدريسية، وما يُقَدَّم من تجارب وخبرات يتيحها مدير المدرسة أو المشرف التربوي أو المُوجِّه الطلابي أو أي عنصر من عناصر التَّغيير.

الدور الجوهري والنوعي للمعلم

الْمُعَلِّم النَّوعي يستشعر هذه المكانة ويُقَدِّم كل ما مِنْ شأنه أنْ يَعْود على طلبته بالخير ، فهو منارة للطلبة في مسيرتهم نحو التَّمَيُّز وصولًا إلى بوَّابات التعليم العالي وتبوّء المراكز الرفيعة في خدمة أمتهم ، يُنْظَر للمُعَلِّم  على أنَّه المُيسِّر للتعلم؛ يجعل من البيئة الصفيِّة بيئة تعليمية ممتعة ومفيدة وجاذبة قائمة على البحث والاكتشاف والتفسير والتجريب والاتصال والاستنتاج والتنبؤ والملاحظة والتحليل وحل المشكلات في أجواء من التناغم والتفاعل التعاوني.

الدور الجوهري للمُعَلِّم  قائم على نظرته إلى الغرفة الصفية مكانًا للعلماء الصغار، فيه يتعلمون ويكتسبون الخبرات ،وفيه يشعرون بالاحترام ((ليس مكانًا للتهديد والقهر والسخرية والتأنيب)) ينطلق من خلاله بهم ليأخذوا مكانهم كعلماء كبار يُشهد لهم بالإنجازات التي تنفع البشرية.

ملامح من الدور الجوهري للمُعَلِّم النَّوعي

وهذه ملامح من الدور الجوهري للمُعَلِّم النَّوعي لتعزيز دوره في إحداث الفرق في مكوِّنات شخصية الْمُتَعَلِّم المعرفية والوجدانية ، فهذه  الملامح هي النتيجة لذلك الأثر الذي يظهر المدارس بمكانتها المرموقة :

  • دور مختلف 

لا يقتصر دور الْمُعَلِّم النَّوعي على التدريس الصَّفي وعلى عدد الحصص في برنامج دروسه اليومي ، إنَّه إنْ حَصَرَ عمله بهذا الدور المُحدد سيكون مُعلِّمًا تقليديًّا هَمّه نهاية حصته ، وعينه على عقارب الساعة في مِعْصَمه يَرْقُب نهاية الدوام لينطلق مُسْرِعًا خارج أسوار المدرسة.

  • الْمُعَلِّم الْقُدوة 

الْمُعَلِّم صاحب رسالة نبيلة هو قدوة طلابه في الشكل والمضمون بما يَظهر أمام طلابه بصورة بهيِّة في لياقته ولباقته.

  • الْمُعَلِّم المُستثمر 

الْمُعَلِّم النَّوعي أمين على طلابه في إدارة وقت الحصة وتقديم التَّعَلُّم الذي يحقق الفرق في المستوى ،ولا يبخل على طلابه في جهده الْمُنْصَب على تمكينهم من امتلاك المعارف والمهارات المقررة ، إنَّه يستثمر كل دقيقة في حصته في تحقيق الأهداف ، فالْمُعَلِّم النَّوعي مُعَلِّم يخاف الله في طلابه ،ويستشعر الرقابة الإلهية بعيدًا عن الرقابة الإدارية ، حريص على رفعتهم ، ملتزم بتعليمهم إلى أقصى ما تستطيعه قدراته وقدراتهم.

  • الْمُعَلِّم التكاملي / الترابطي بذكاء 

يربط الْمُعَلِّم النَّوعي بين المعرفة والاستخدام الوظيفي لتلك المعرفة في الحياة ، لا يكتفي بسرد المعلومة وتقديمها ، بل يربط بينها وبين استخداماتها الحياتية المختلفة ، ويربط كذلك المعرفة بمادته بمعارف في مواد أخرى ،إنَّها الجوهر مِنَ المعرفة ،أنْ يُحسن الطالب استخدامها في حياته ،ويدرك علاقاتها البينية؛ فاللغة العربية مرتبطة بالعلوم، والعلوم مرتبطة بالتربية البدنية ، والإسلامية مرتبطة بالعلوم والرياضيات ، والرياضيات مرتبطة باللغة العربية والعلوم .. وهكذا .

  • الْمُعَلِّم المتطوِّر 

حصص الفراغ للمُعَلِّم هي حصص يُستفاد من وقتها في تقديم الدعم للإدارة عند الطلب ،ويوظفها في تبادل الخبرات مع زملائه وفي التخطيط للتعلم، وفي التفكير التشاركي بطرق يجعل من حصته حصة مرغوبة ينتظرها طلابه ،ويجعل من مادته مادة محبوبة سهلة وممتعة وذات قيمة .

  • الْمُعَلِّم الْمُخَطِّط 

عمل الْمُعَلِّم النَّوعي عمل مُتْقَن مستند إلى التخطيط الذهني والمكتوب لِمَا سيتم تعليمه أثناء الحصة ،وأنَّه لا عمل دون تخطيط، ولا حصة ارتجالية ، لا حصة دون استخدام الوسائل التعليمية، ولا حصة بدون دور أكبر للطالب من وجهة نظر المعلم النَّوعي .

  • الْمُعَلِّم الْمُحاور بكامل طاقته الجسدية 

ليس في مدارس هذا العصر مُعَلِّمًا مُحاضِرًا ، دور الْمُعَلِّم في المدارس العصرية هو دور نوعي مُيسِّر للتعليم ووسيط بين المعرفة وبين الطالب ؛ وأنَّ حصة يُسيطر فيها الْمُعَلِّم على كل مجرياتها وأنشطتها هي حصة منقوصة ، تَعِبَ فيها الْمُعَلِّم واستُنْفِذت طاقته الجسدية والنفسية من جانب ؛ وأتْعَبَ طلابه، وبثَّ فيهم الملل والضجر وعدم الرضا من جانب آخر .

  • الْمُعَلِّم الْمُدَبِّر

إدارة وقت الحصة عند الْمُعَلِّم هي من عوامل نجاحها وحُسْن تدبير فعالياتها ،ومؤشر من مؤشرات كفاءة الْمُعَلِّم ، وأنَّ حصة أنهاها الجرس قبل نهاية أهدافها هي حصة غير ناجحة ، وأنَّ حصة ما زالت مستمرة في مجرياتها بعد قرع الجرس هي حصة لم تتحقق أهدافها ،وتركت الطلاب في حالة من الإرباك ،وتركت الْمُعَلِّم الآخر مُنْتَظرًا خروج زميله على مَضَض .

  • الْمُعَلِّم المتعاون 

الْمُعَلِّم النَّوعي يحرص على تسهيل مهمة زميله الذي يليه في حصته ، مُغادَرَة الْمُعَلِّم فصله وقد تَرَك السبَّورة مليئة بالكتابات والرسومات والتدريبات  “والخربشات” ، وَتَرْك الفصل قبل إعادة الطلاب إلى ما كانوا عليه قبل حصته ؛دلالة على ضعف الإحساس بالمسؤولية، وعلى ضعف آخر في الكفاءة في غلق الدرس وتجهيز الفصل لحصة زميله التالية ، سيعاني المعلم الآخر من هذه التَّرِكة قبل أنْ يباشر حصته ويهيئ  الطلاب إلى الاستعداد مِنْ جديد للتَّعلُّم.

  • الْمُعَلِّم الإنسان 

للمُعَلِّم أدوار جوهرية متكاملة مع أدوار الآخرين وتربطه بهم علاقة قائمة على الاحترام والتعاون والإيثار وتقبُّل الرأي …..، وتربطه بالطلاب علاقة إنسانية قائمة على الرحمة والرفق والتغافل …. .

  • الْمُعَلِّم الْمُحَفِّز

التَّعزيز والاحتفال بإنجازات الطلاب من الأدوار الجوهرية للمُعَلِّم  ، حصة خالية من التعزيز ومن التنويع في التعزيز حصة ينقصها الكثير لتكون ناجحة ، وضعف استجابات الْمُعَلِّم لأفكار الطلاب أو تجاهل نجاحاتهم هي مِنْ عوامل انهيار التفاعل الصفي .

  • الْمُعَلِّم الْمُؤثر 

زيادة الشغف بالتَّعَلُّم هو دور من الأدوار النَّوعية للمُعَلِّم ، وزيادة الشغف يتطلب مجموعة من المهارات والأدبيات التدريسية، ومنها التنويع في نبرات الصوت والتَّنقُّل بين النبرات ، وأنَّ الرتابة والثبات على نبرة صوت واحدة، إمّا أنْ يثير ضجر الطلاب وإمّا أنْ يقضي على دافعيتهم، ويزيد من مَللهم؛ وليحذر الْمُعَلِّم من الصوت العالي/ الصراخ على مدار الحصة ؛ فإنَّه يُتْعِب الْمُعَلِّم وَيُتْعِب الطلاب، بل ويزيد من الصخب ويزيد من التوتر بما يدفع بعض الطلاب للاستئذان بالخروج بذرائع غايتها الخروج من هذا الجو المزعج للحصة.

ونختم بالدور الجوهري للمُعَلِّم بما قاله تعالى من سورة فصلت : )وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ( } فصلت،34 {، فأنت كمعلم نوعي مأمور مِنَ الله أنْ تدفع بالتي هي أحسن والمبادرة بالصفح وبالصبر على المخطئ والعفو عن المسيء ، بذلك تاتي مسرورًا إلى المدرسة وتغادرها ولسان حالك يقول متى أعود إليها ؟ فتلك نتيجة من نتائج دورك الجوهري لا يدرك معناها إلا من افتقدها .

بقلم: د. أحمد جميل عايش

 

أضف تعليقك هنا