شيخ الأزهر بين الحقيقة والافتراء عليه

بقلم الدكتورة/ فاتن ناظر

لقد ظهرت في الآونة الأخيرة وطفت إلى السطح حرباً شعواء ضد الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف .إن تلك الحرب ادّعى أصحابها من خلالها أن شيخ الأزهر- وهو ممثلاً عن أعلى هيئة إسلامية في مصر والوطن العربي والعالم أجمع – أن شيخ الأزهر يَحضّ على العنف والتحريض وإهانة المرأة ، وذلك من خلال إثارتهم البلبلة والغضب عندما تناول شيخ الأزهر شرح لمعنى آية النشوز في القرآن . تلك الآية التي اتخذها معارضوه مُبرراً للهجوم ضده والتحريض عليه بالإساءة والعنف ضد المرأة ، وهو – على حد قولهم – ما يخالف شريعة الله في كافة الأديان السماوية المُنَزّلة .

نجد على النقيض من ذلك الأمر أن المناصرين للشيخ الطيب شيخ الأزهر قد قاموا بحملة دفاعية وهجومية ضد معارضوه يؤكدون بها موقف شيخهم من المرأة ومدى حرصه على حقوقها والإحسان إليها ورفع قدرها وقيمتها في المجتمع ، وذلك من خلال تسليط الضوء على رأي شيخ الأزهر في الحثّ على إعادة إحياء فتوى الكَدّ والسِعاية .

يجدر القول – وهذا ما سوف نحاول جاهدين الوصول إليه في الأسطر التالية – أنه سواء الفريق المعارض أو المُناصر لشيخ الأزهر فقد حركت البعض منهم دوافعهم وأيدلوجياتهم المختلفة دون أدنى واعز إلى الفحص وبذل الجهد للشرح وتوضيح تلك الأفكار للعامة ، على أساس راسخ من الإدراك والوعي الفكري والديني بما يحقق رؤية واضحة متكاملة هدفها إعلاء القيم الدينية والإذعان إلى تعاليمه القويمة على اُسس موضوعية ، عمادُها الحياد والتجرّد .

الفتنة والبلبلة ضد شيخ الأزهر

لقد أثيرت الفتنة والبلبلة ضد شيخ الأزهر حول قضيتين شائكتين عن المرأة ألا وهما :

اتهام شيخ الأزهر بالتحريض والعنف ضد المرأة في آية النشوز

لقد جاء في القرآن الكريم في الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء :《واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن في المضاجع واضربوهن 》لقد جاءت كلمة (الضرب) في القرآن الكريم ثمانية وخمسون مرة.

إن المتأمل لمعاني ومفردات القرآن الكريم ، والمتفحص لشرح آياته لغوياً ، والمُطلع على كافة تفسيراته المختلفة ، يجد أن مصطلح الضرب لغوياً يأتي بمعنى القرب والملامسة . وفي لغة العرب تُعرف أن زيادة (الألف) على بعض الأفعال تؤدي إلى تضاد المعنى : مثل فعل(تَرَبَ) بمعنى افتقر ، أما إذا أضيف إليه ألفاً وكان(اترب) فيصبح المعنى استغنى. وقياساً على ذلك (اضرب) فإنها تعني المباعدة والإعراض والتجاهل والتفرق.

معنى الضرب في الآية الخاصة بالنشوز

لذلك يصبح معنى الضرب في الآية الخاصة بالنشوز: 《واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن في المضاجع واضربوهن》بمعنى المباعدة والهجران والمغادرة ، لعل تلك السُبل تكن طريقاً للإصلاح والإطاعة للزوجة العاصية لأوامر زوجها .

وبما أن القرآن يفسر بعضه بعضاً ، فإن دلائل ذلك المعنى تتضح من الآيات التالي ذكرها :

-《لقد أوحينا إلى موسى أن أسرِ بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر》سورة طه الآية ٧٧ ، لقد جاء معنى الضرب في تلك الآية بمعنى : افرق لهم يا موسى طريقاً بين الماء .

-《فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم》سورة الشعراء الآية ٦٣ ، أي باعد وفارق بين جانبي الماء .

-《وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله》سورة المزمل الآية ٢٠ ، جاءت كلمة الضرب بمعنى أقام وسكن ولم يبرح، وهي تضاد لكلمة اضرب التي تأتي بمعنى البعد والمغادرة والتفرق .

-《فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى》سورة البقرة ٧٣ ، جاءت بمعنى الطرق على الجسد للإيقاظ.

-《فراغ عليهم ضرباً باليمين》سورة الصافات الآية ٩٣،وقد جاءت تلك الآية في إطار سرد القرآن لما فعله نبي الله إبراهيم بالأصنام، إلا أن كلمة (الضرب) في تلك الآية جاءت على هيئة مفعولاً مطلقاً للتعبير والإشارة إلى شدة التهشيم والطرق وتقريب المعنى إلى كافة  الأذهان .

-《وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن》سورة النور الآية ٣١ ، لقد جاءت كلمة(الضرب)في تلك الآية بمعنى الستر والانسدال بالغطاء ، حتى يغطي أعلى الصدر -مكان الجيب- موضع الستر .

وهكذا يتبين أن كلمة (الضرب) تختلف وتتغاير عن معنى كلمة اضرب وضرب ويضربن واضربوه .

كل تلك الكلمات والمفردات يتضح بها مدى كَمّ التضاد والترادفات اللغوية المختلفة بآيات القرآن الكريم ، وذلك إن دَلّ على شئ فإنه دلالة على ثراء وغنى القرآن بالمعاني المتعددة التي تشتمل على لسان حال العرب فيمن نزل عليهم ، وكذلك من خاطبهم من القبائل والأمصار ، وأيضاً غيرهم فيما انتشر لديهم .

فتوى الكَدّ والسِعاية للزوجة 

إن فتوى الكَدّ والسِعاية انتشرت في عصر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما جاءته حبيبة بنت زُريق تشتكي إليه تَصَرُف أقارب زوجها عند تقاسم ميراث زوجها عمرو بن الحارث .

لقد كانت حبيبة تعمل في مجال النسج والغزل ، وقد كانت رفيقة ضرب لزوجها ، حيث أنها كانت تصنع الغزل والنسيج وتعطيه لزوجها لكي يقوم بالتسويق ، ومن ثم فقد تم تحسين مستوى المعيشة عن طريق ربح وكسب المال وجَني الثروات التي كانت سبباً في خروجهم من مرحلة العوز والفقر إلى مرحلة الغنى وعدم السؤال .

وبعد أن توفى زوجها ما كان من أهل زوجها إلا أنهم قاموا بتقسيم الميراث فيما بينهم وبينها ، إلا أن نصيبها جاء طبقاً للشريعة ولتعاليم القرآن الكريم الرُبع من ثروة زوجها لأن زوجها لم يكن له ولد ، ولذلك ذهبت حبيبة شاكية إلى خليفة المسلمين من مدى الجَور والظلم التي تعرضت له ، وذلك لجهدها المبذول وسعيها المضنيي ومعاناتها برفقة زوجها لجَني المال والحصول على ذلك الإرث .هنا يأتي دور خليفة المسلمين وأمير المؤمنين الذي أمر أن يتم تقسيم الثروة إلى نصفين ، تأخذ الزوجة النصف الأول كاملاً لها ، ويتم توزيع النصف الآخر فيما بينها وبين أقارب زوجها تأخذ منه الرُبع طبقاً للمواريث الشرعية .

وهكذا …….. نجد أن أمير المؤمنين عمر قد حكم اعتماداً واستناداً على الفطنة العالية والحكمة الراقية والفهم الواعي المستنير لدور المرأة العظيم وأثره في جني ثروة زوجها ، وحقها الأصيل في النصيب الناتج عن كدّها ومعاناتها وسعيها وسِعايتها بجانب زوجها . فإن ذلك إحقاقاً للحق والحقيقة ، والمخالفة لذلك تُعدّ تعسفاً وظلماً وجَورَاً لدورها .

ما أحوجنا اليوم إلى تطبيق وتفعيل حق الكَدّ والسِعاية للزوجة

لهذا ……. ما أحوجنا اليوم إلى تطبيق وتفعيل حق الكَدّ والسِعاية للزوجة التي أضنتها الحياة وكدّرتها وكبدّتها المعاناة اليومية والسعي والشقاء في سبيل مساندة زوجها وتحسين أوضاع أطفالها وابنائها وتأمين مستوى العيش الذي يأمن لهم الأمان والأستقرار والاطمئنان ، وذلك حتى لا نبخس حقها أثناء تقسيم وتوزيع الإرث فيمن بينها وبين ابنائها،  والتي كانت سبباً أساسياً في تكوين ذلك الإرث وجمعه .

وأخيراً ….. فإنَّ النساء هُن أوّل البشر بالتكليف ، وهُنَّ القوارير اللاتي أوصى نبي وإمام المرسلين بالرفق بهم ، وهُن الأمهات التي جُعلت الجنة تحت أقدامهم، وهُن السبب في دخول آبائهن الجنة.

《فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون 》الآية ١٠٠ من سورة المائدة

بقلم الدكتورة/ فاتن ناظر

أضف تعليقك هنا