كيف أسلم الحبر اليهودي زيد بن سعنة؟

بقلم: بندر العتيبي

يروي لنا الصحابي زيد بن سعنة قصة إسلامه التي تستحق التوقف أمامها وتأملها، واستشعار ما تكتنزه من قيم محمدية وشمائل يندر وجودها في غيره من الناس، هذه القيم التي وللأسف تناساها الكثير من المسلمين في هذا الوقت مما فوت على المسلمين التأثير “الناعم” في غير المسلمين وجذبهم إلى دينهم بكل يسر وسهولة.

قصّة الصحابي زيد بن سعنة

يقول زيد بن سعنة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب. فأتاه رجل على راحلة كالبدوي فقال: “يا رسول الله، لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تغيثهم به فعلت”. فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه علياً، فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيء.

قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجل معلوم، إلى أجل كذا وكذا ؟ قال: “لا يا يهودي ولكن أبيعك تمراً معلوماً إلى أجل معلوم إلى كذا وكذا ولا تسمي حائط بني فلان”. قلت: نعم. فبايعني، فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطى الرجل وقال: “اغد عليهم وأغثهم بها”.

الطريقة التي عامل بها زيد بن سعنة الرسول صلى الله عليه وسلم

قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه، فلما صلّى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، قلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتم بني عبدالمطلب لمطل، ولقد كان بمخالطتكم علم.

ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده، لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي في سكون وتؤدة، فقال: “يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه. اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعاً من تمر مكان ما رعته”.

حلم النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه معه

قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك. قال: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا من أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة. قال: الحبر؟ قلت: الحبر. قال: فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت، وقلت له ما قلت؟

قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، وقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً. وأشهدك أن شطر مالي – فإني أكثرها مالاً – صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال عمر: أو على بعضهم، فإنك لا تسعهم؟ قلت: أو على بعضهم. لقد كان صلى الله عليه وسلم مثالا يحتذى به في الحلم والعدل، وهما قيمتان نحتاجهما في عالمنا اليوم، ونحتاج غرسهما في نفوس أبنائنا.

بقلم: بندر العتيبي

 

أضف تعليقك هنا