ليس كل رسول نبيا

من الواضح أنه لا يشترط في الرسول بالمعنى اللغوي أن يكون نبيا سواء كان رسولا من الله تعالى أم من نبي أم من غيرهما، فالرسول هو المرسل برسالة ولا يشترط في كل رسالة الوحي من الله تعالى.

انما يكون الامر دقيقا ان تحدثنا عن الرسول بالمعنى الاصطلاحي الشرعي، فالمشهور ان كل رسول نبي، لكن في الحقيقة هذا القول ليس له دليل من قران او سنة بل ولا شاهد منهما بل خلاف القران والسنة بل وخلاف اقوال اهل التفسير.

فقد قيل ان كل رسول هو نبي لان الرسالة فرع النبوة ولان النبوة اعم من الرسالة. وهذا كله اخذ بالتقليد من دون بحث او تحقيق ولم يقم عليه دليل.

الفرق بين النبي والرسول بالقرآن الكريم

بينما نجد خلاف ذلك في القران واضحا. فالنبي هو (بشر يوحى اليه من الله تعالى وحيا خاصا ليس بواسطة بشر). اذن النبي لا بد ان يكون بشرا فلا يكون ملكا ولا غيره، كما انه يجب ان يكون مما يوحى اليه من الله تعالى الوحي الخاص وليس أي وحي اذ للوحي معاني متعددة أحدها الوحي الخاص كما انه لا يكون بامر نبي او وصيته.

ونحن نجد في القران الكريم رسلا ليسوا بشرا او رسلا بشرا لم يوح إليهم:

  • قال الله تعالى (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج/75]
  •  وقال الله تعالى (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا [الإسراء/95] قال الواحدي في الوجيز ({لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً } يريد : إنَّ الأبلغ في الأداء إليهم بشرٌ مثلهم .
  •  وقال تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ  [الشورى/51] قال في تفسير الجلالين ( إِلا أَن { يُرْسِلَ رَسُولاً } ملكاً كجبريل).
  • وقال الله تعالى (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا  [مريم/17-19] قال في تفسير الجلالين ({ فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا } جبريل)
  • وقال تعالى (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)  قإِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ( [الحجر/51-58] قال في تفسير الجلالين ({ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } هم الملائكة )
  • وقال تعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس/13، 14] قال في تفسير الجلالين ({ المرسلون } أي رسل عيسى . وفي الوجيز للواحدي ({ إذ جاءها المرسلون } رسل عيسى عليه السَّلام .  {إذْ أرسلنا إليهم اثنين } من الحوارييِّن { فكذبوهما فَعَزَّزْنا بثالث } قوَّينا الرِّسالة برسولٍ ثالثٍ . وبهذا جزم الشوكاني أيضا ونقل الماوردي وابن الجوزي ولا اخر بأنهم انبياء لكن عرفت جزم من تقدم انهم رسول عيسى عليه السلام.
  • وقال الله تعالى على لسان ملكة سبأ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل/35] وهو استعمال لغوي الا انه قرآني فتامل.

لكل أمة رسول

اذن تبين انه من الجهة الشرعية ليس كل رسول نبيا. وهنا تتفرع مسألة أخرى متعلقة بقوله تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب/40] اذ لم يقل انه خاتم المرسلين.

وقال الله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [يونس/47]  قال الطوسي في التبيان في تفسير القرآن ( أخبر الله تعالى في هذه الاية أن لكل جماعة على دين واحد وطريقة واحدة كأمة محمد وأمة موسى وعيسى عليهم السلام رسولا بعثه الله اليهم وحمله الرسالة التي يؤديها اليهم ليقوم بأدائها.) لكن قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان (« فإذا جاء رسولهم » هاهنا حذف و إضمار و التقدير فإذا جاء رسولهم و بلغ الرسالة فكذبه قومه و صدقه آخرون « قضي بينهم » فيهلك المكذبون و ينجو المؤمنون) وعن تفسير الخازن ( { فإذا جاء رسولهم } في هذا الكلام إضمار تقديره ، فإذا جاءهم رسولهم وبلغهم ما أرسل به إليهم فكذبه قوم وصدقه آخرون { قضي بينهم بالقسط } يعني حكم بينهم بالعدل وفي وقت هذا القضاء والحكم بينهم قولان : أحدهما :

  • أنه في الدنيا وذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى كل أمة رسولاً لتبليغ الرسالة وإقامة الحجة وإزالة العذر فإذا كذبوا رسلهم وخالفوا أمر الله قضى بينهم ، وبين رسلهم في الدنيا فيهلك الكافرين وينجي رسلهم والمؤمنين ويكون ذلك عدلاً لا ظلماً لأن قبل مجيء الرسول لا يكون ثواباً ولا عقاباً
  • القول الثاني : إن وقت القضاء في الآخرة)

وقال الماوردي في النكت والعيون ( قوله عز وجل : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } يعني نبياً يدعوهم إلى الهدى ويأمرهم بالإيمان . { فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم ليكون رسولهم شاهداً عليهم ، قاله مجاهد . الثاني : فإذا جاء رسولهم يوم القيامة وقد كذبوه في الدنيا قضى الله تعالى بينهم وبين رسولهم في الآخرة ، قاله الكلبي . الثالث : فإذا جاء رسولهم في الدنيا واعياً بعد الإذن له في الدعاء عليهم قضى الله بينهم بتعجيل الانتقام منهم ، قاله الحسن .

معن كلمة “الأمة” في القرآن الكريم

والأمة في القران ليست شرطا امة الرسول او امة الدين بل هي طائفة في كثير منه، قال الله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  [آل عمران/104] أي من المؤمنين. وقال تعالى ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران/113].

وقال تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [المائدة/66] وقال تعالى ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ  [الأعراف/159] وقال تعالى ( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ  [الأعراف/164]

واكثر تقدما تفسير قوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ [النحل/89]  قال في تفسير الجلالين ( { شَهِيدًا على هَؤُلآء} أي قومك ).

و يشهد له قوله تعالى (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة/117] فشهادة النبي هو ما دام حيا.

وبهذا يفهم قوله تعالى ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء/41] وهو باب لاستمرار الشهادة والشهداء ويشهد له قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة/143] وقال تعالى (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [الحج/78] وقال تعالى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ  [الزمر/69].

مقولة “خاتم النبيين”

قال في تفسير الجلالين ( { وَجِيءَ بالنبيين والشهداء } أي بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته يشهدون للرسل بالبلاغ) . ومن هنا يكون هنا وجه للتأمل بالقول المشهور بان خاتم النبي صلى الله عليه واله هو خاتم المرسلين. فعن ابي داود عَنْ عَلِىٍّ – عليه السلام – عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه واله- قَالَ « لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِى يَمْلأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ». ومثله عن ابن ابي شيبة والبزار واحمد بلفظ (رجلا منا).

والبعث نوع ارسال وهو صريح تفسير العياشى عن جابر عن أبى جعفر عليه السلام قال: ان لكل قرن من هذه الامة رسولا من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الاولياء وهم الرسل). وعنه في الصافي ونور الثقلين وميزان الحكمة والبحار وحمله على المعنى اللغوي ولا اجد لحمله هذا توجيها الا بمعنى يقابل رسالة النبوة، فالبشر الرسول من الله تعالى اما رسول نبي او رسول ليس بنبي والأخير يكون بأمر الرسول النبي ووصيته.

بقلم: أنور غني الموسوي

أضف تعليقك هنا