أنا وأنت، هي وهو،جميعنا مسؤولون عن آخرين. في البيت، يتحمل الأبوان مسؤولية رعاية أبنائهم وهم صغار، وعندما يكبرون تتبدل الأدوارُ ليهتم من كانوا صغاراً بأهلهم الكبار.
مديرك في العمل مسؤول عنك أنت وزملائك، وهو مسؤول من مدير أعلى منه درجةً ووظيفةً، وقد تكون أنتَ المسؤول عن موظفين غيرك. وكلما اتسعت الدائرة كلما ازدادت المسؤولية المُلقاة على عاتق من يتولى إدارتها. والسؤال الآن! هل أنت قائدٌ أو مديرٌ؟ وهل تعرف الفرق بينهما؟
الفرق بين القائد والمدبر
اعلم عزيزي أولاً أن كل قائدٍ مديرٌ ولكن ليس كل مديرٍ قائداً. فلا يمكن اعتبار الكلمتين وجهان لمعنى واحد كما يظن البعضُ، بل هناك ما يميز القائد دون المدير. أولها أن القائد يهتم بتطوير العنصر البشري إذ يستمع لموظفيه، يتبادل وإياهم الأفكار التي من شأنها تطوير العمل، يوزع الأدوارَ بما يسهل عملية الابتكار وإيجاد حلول تتلاءم ومشكلات العمل.
في حين لا يهتم المدير إلا بإنجاز المطلوب حسب القوانين دون أن يعطي الموظفين فرصة الابتكار، يركز على إعطاء الأوامر ولا يهتم بتوزيع المهام. والأهم هنا أن القائد يعتمد كلمة ” نحن” في حين يأخذ كلام المدير طابع ” أنا”. والجدير بالذكر أن لكليهما قوة تأثير على الموظفين، لكن الفارق هنا في التأثير حيث تُبهرُ شخصية القائد وأسلوبه المرؤوسون مما يدفعهم للتسابق لتنفيذ خطط ومهام العمل بنشاط ومحبة، في حين ينفذ موظفو المدير ما يُطلب منهم لاستخدامه الصلاحيات والقوانين.
كيف تكون أباً وقائداً ناجحاً؟
وأنت في بيتك قد تكون أباً وقائداً، فعندما تستمع لأطفالك وتشجعهم على التعبير عن آرائهم وتحترم تلك الآراء دون تعنيفهم أو التقليل من شأنها، بل تناقشهم بأسلوبٍ يناسب أعمارهم بما يقوي لديهم القدرة على النقاش والتعبير عن آرائهم في المستقبل.
وحينما توكل لهم مهاماً تتلاءم وقدرتهم الجسدية وحينما تدربهم على قضاء حاجاتهم الشخصية بأنفسهم وتعلمهم الاستقلالية والاعتماد على النفس. فأنت بهذا تُنمي لديهم مفهوم القيادة بشكل عملي. قد تتذكر في طفولتك طفلاً بعينه قاد مجموعة من الأطفال لما فيه من صفات تختلف عن أقرانه، ينصاع الجميع إليه دون جدال. وهذا يؤكد أن البعض يُولد بصفاتٍ قيادية ويأتي دور البيئة لتعزز عنده تلك الصفات.
التجربة التي أُجريت على الطلبة
في عام 2001 نشرت جامعة ميريلاند دراسة أُجريت على مجموعة من الطلبة تم تقسيمهم إلى مجموعتين، وطُلب منهم حل لغز المتاهة ((حيث يوجد في وسط متاهةٍ فأر))، يجب إخراجه من الفتحة المرسومة في الجانب، الحل واحد بالنسبة للغز ولا يوجد سوى اختلاف بسيط في الرسمتين، حيث وضع في الرسمة الأولى جبنة عند الفتحة، بينما لم يتم وضع مثل تلك الجبنة في الرسمة الثانية التي تم فيها رسم بومة تحاول الانقضاض على الفأر إذا لم يخرج من الفتحة، تمكنت كلتا المجموعتين من حل اللغز وإخراج الفأر من المتاهة في أقل من دقيقتين.
أثر التجربة النفسي على المجموعتين
في الدراسة تم التركيز على أثر التجربة النفسي على المجموعتين حيث تبين أن المجموعة الأولى أظهرت سعادة أكبر وحذراً أقل في حل اللغز من المجموعة الثانية التي حلت اللغز تحت ضغط كبير وحذر ومخاوف من انقضاض البومة على الفأر. والمغزى من تلك الدراسة أنها توضح واقع بيئة العمل وكيف يمكن لهذه البيئة أن تتشكل حسب طبيعة القائد، فالقائد الإيجابي المُلهم الذي يعمل بأسلوب الترغيب ويرسخ الغاية لدى موظفيه ويفتش بأدق تفاصيلهم عما يمكن إسعادهم ويطلق طاقاتهم ويوجههم نحو الهدف يخلق بيئة عمل سعيدة عكس القائد غير الإيجابي ((مدير)) الذي ينتهج أسلوب الترهيب والضغط على فريق العمل دون أن يعير اهتماماً لتفاصيلهم.
القائد الإيجابي
أتذكر بدايات عملي في إحدى المؤسسات الأهلية. خلال عامٍ واحد تعاملت من مديرين الأول كان مديراً بينما كان الآخر قائداً. أذكر كيف كان يهتم الأول بتفاصيل العمل ضمن اللوائح والأنظمة ويعتمد أسلوب الترهيب لا الترغيب للحصول على المهام الموكلة. لدرجة أننا كنا نتأخر عن ساعات العمل لإنجاز ما يُطلب، ناهيك عن العمل تحت الضغط. أما الآخر فكان مثالاً للقائد الإيجابي. عرفنا معه معنى كلمة فريق.
تعلمنا معه كيف يمكن صياغة المشاريع والخطط بالتعاون المستنير بين الفريق حيث استطاع تنمية المهارات والقدرات الإيجابية في كلٍ منا. تعلمنا منه أن القيادة ائتلاف الاختلاف ليخرج الفريق بخطط واضحة تجسد العمل الجماعي بأساليب إبداعية تزيد من فعالية العمل والعنصر البشري في آن واحد.
الانتقال من التدبير إلى القيادة
وإن بحثت أنت في حياتك سترى الكثير من المواقف التي كنت فيها مديراً وأخرى تعلمت فيها من تجاربك السابقة وصرت قائداً. يقول أحد الزملاء أن والده كان يجتمع بأسرته الصغيرة أسبوعياً وهم صغار. يناقشهم بما مروا به في الأسبوع المنصرم. يستمع إلى مشاعرهم وأفكارهم. وهذا ما أحدث فارقاً في تعاملاته مع زملائه الذي يتولى الإشراف عليهم. فكان معهم كوالده قائداً. كسب محبتهم واحترامهم دون أن يستخدم أسلوب الترهيب أو التخويف.
والآن.هل يمكنك النظر وتحليل طريقة تعاملك في بيتك أو مع فريق العمل؟ هل تستطيع تحديد إذا ما كنت قائداً او مديراً وما يمكنك فعله لتكون قائداً ناجحا؟ أخيراً. كُن واثقاً أنك تستطيع أن تكون قائداً مميزاً في حياتك المهنية والخاصة إن قررت ذلك. فالأمر لا يحتاج سوى إرادة