كورونا ومنظومة القيم والسلوك لدى الطلبة

كيف أثرت جائحة كورونا على قيم وسلوك الطلبة؟

إن التأمل في سلوكياتنا، وقيمنا، وعلاقاتنا فيما بيننا وبين الوسط المحيط يعد أداة لفهم ما يجري حولنا، كما أن تشخيص الواقع شرط مهم من شروط التغيير والتطور، وتحقيق الغايات المنشودة.لقد تم تسليط الضوء في الأعوام الأخيرة على جائحة كورونا وما خلفته من آثار سلبية في كافة مناحي الحياة الصحية والاقتصادية، والتعليمية والتربوية، مع اغفال كثيراً من القيم والعادات التي تعد ركناً مهماً وأساسياً من أركان حياتنا، وتشكل البنية التحية لوجودنا على وجه هذا الكوكب.

القيَم الاجتماعية الإيجابية التي ظهرت في زمن كورونا

لا أحد ينكر أن جائحة كورونا أسهمت في ظهور مجموعة من القيَم الاجتماعية الإيجابية في حياة الناس أساسها المُشارَكة، والتعاوُن، والتآزر، والتعاضُد، وقد شملت مُختلف شرائح المجتمع، منها تحمُل الآباء مسئولية الإشراف على تدريس أبنائهم بنسبٍ متفاوتة في درجاتِ هذا التحمُل وتنوُع صوره، وكذلك تولى المُتعلِمين من الطَلبة والباحثين على اختلاف مستوياتهم وتعدُد تخصصاتهم.

مسئولية التعلم الذاتي من خلال استقبال المواد التعليمية والتربوية عن بُعد باستخدام الوسائط التكنولوجية المتنوعة، وهكذا فمع أن التفكير في ترسيخ القيَم والعادات الإنسانية في السنوات الثلاثة الأخيرة، وتداعيات ذلك على سلوكيات الطلبة ظلَّ يُمثِل هاجساً بالنسبة للمسؤولين عن المنظومة التعليمية باعتبار ذلك ركيزة أساسية لضمان الاستقرار، وعاملاً مهماً لشيوع الأمن والسلام في محيط الأفراد والجماعات، إلا أن حضور هذه القيَم يشوبها الغياب والفتور في أحيان كثيرة لدى الطلبة.

وقد يرجع ذلك إلى غياب دور الأسرة في متابعة أبنائها، حيث أسهم تغيب الطلبة عن المدرسة وبقائهم في البيت إلى وجود فراغ كبير لديهم، مما ساعد على انشغالهم في قضاء وقت كبير على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل غياب الرقابة الأبوية؛ فمواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية تَعِج بمجموعة من القيم والثقافات والأفكار والعادات المختلفة منها الجيد، ومنها الخبيث المدسوس لهدم القيم الإسلامية.

كما أن تركيز وسائل الإعلام المحلية والعالمية على آثار جائحة كورونا تناولت الجوانب الصحية والاقتصادية فقط قد أسهم بشكل كبير في غياب الدور المهم للإعلام في تعزيز وترسيخ العادات، والقيم المجتمعية.

تأثيرات جائحة كورونا على قيم وسلوك الطلبة

وفي سؤال مفتوح عبر صفحات الفيس بوك حول تأثيرات جائحة كورونا على قيم وسلوك الطلبة، أجاب أحد مديري المدارس أن الخلل يبدأ من المنظومة الاجتماعية والعلاقات الأسرية، والتغيرات التي حدثت في مجتمعنا، وغياب الكثير من العادات الأصيلة التي انعكست على بيئة المدرسة، وما نتج عن قرارات دخيلة لمنظومة التربية في المدارس، والخلط الكبير بين الحقوق والواجبات، مما انعكس على علاقة المعلم بالطلبة، وغياب ثقافة الاحترام، هذا بالإضافة إلى اكتظاظ المناهج، وعدم ارتباطها بشكل قوي ومباشر مع الواقع الفعلي والقيمي الذي يعيشه الطلبة، مع التركيز على الكم لا الكيف.

ما هي أسباب تدني المستوى القيمي لدى الطلبة؟

في حين أشار معلم إلى أن التفات الأهل لتحقيق أدنى متطلبات المعيشة والبحث عن سبل عيش كريمة، أدى إلى غيابهم عن دورهم الأساسي في التربية وغرس القيم لدى الأبناء. وأضاف آخر أن رفاق السوء وانشغال أولياء الأمور يعد من أحد أهم الأسباب التي أسهمت بشكل كبير في تدني المستوى القيمي لدى الطلبة.

عطفاً على ما سبق نرى أن عدم استعداد الكوادر البشرية في فلسطين لإدارة الأزمات، وعدم جهوزية كافة مؤسسات الدولة(وزارة التعليم، الأوقاف، الإعلام، …إلخ) للتعامل مع أي طارئ أثر بشكل كبير على منظومة القيم لدى أفراد المجتمع بشكل عام، والطلبة بشكل خاص، وهذا يعد مؤشراً جيداً لدى المسؤولين يمكن الاستفادة منه والبناء عليه، والاستعداد جيداً في المستقبل لأي طارئ قد يحدث؛ من خلال وضع خطط استراتيجية محكمة لإدارة الأزمات مع ضرورة التركيز على كافة الجوانب (الاقتصادية-السياسية-الصحية- التربوية –الدينية-القيمية-العادات والتقاليد..إلخ) دون اغفال أي منها.

ما دور وزارة التربية والتعليم في تعديل سلوكيات الطلبة؟

إن الأثار السلبية التي خلفتها جائحة كورونا على سلوكيات الطلبة لا يمكن تغييرها ومعالجتها في يوم أو يومين؛ بل تحتاج مزيداً من الوقت والجهد، من خلال تكاثف جهود وطاقات كافة كوادر المجتمع بدءاً من الأسرة، والمدرسة، ودور العبادة، وأولياء الأمور، والمجتمع المحلي، ووسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي.

وفي سؤالنا لمشرف تربوي في وزارة التربية والتعليم أشار إلى ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم بإعداد خطة استراتيجية شاملة وواقعية لإدارة منظومة القيم في الأوضاع الطبيعية، وفي أوقات الأزمات والكوارث، وذلك من خلال إشراك كافة مؤسسات الدولة، وشرائح المجتمع المختلفة من الطواقم الخبيرة والتربوية، والتي قد تسهم بشكل فاعل في الاهتمام بمنظومة القيم وآليات ترميمها وغرسها لدى الطلبة، ليجعلهم قادرين على التنافسية والإبداع والابتكار وبناء المجتمع.

وسيظل الأمل يملؤنا بأننا قادرون على تغيير هذا الواقع بهمة الجميع والعمل معاً من أجل مستقبل أجمل، فمهما بدا لبعضهم بأن الواقع أسود قاتم إلا أن فيه نقاطاً بيضاء ستتمدد وتكبر لتجعل اللوحة أجمل وأزهى.

فيديو مقال كورونا ومنظومة القيم والسلوك لدى الطلبة

أضف تعليقك هنا